| محليــات
يخيل إليَّ في كثير أن أتعمق في تلك العلاقة الحميمة والسرية بين الكائنات في خلق الله تعالى.. الذي خلق بقدرته العظيمة هذا الكون، وأودع فيه سرَّ عظمته وقدرته تلك.. فأتفكَّرفيها..
والمتمعِّن في السموات والأرض لا بد أنَّه سوف يكتشف أنَّ بُعدهما عن بعضهما، لم يمنع عن التواصل بينهما، في علاقاتٍ تقوم بحكمة، ودقة، ونظام يتفرَّد به خلق الله تعالى، والإنسان الذي لا بدّ أن يُبصر في نفسه، عجزَه عن نفسه، يزيده أمر العلاقة بين أجزاء الكون، وبين ظاهرتين هما من أكبر ما في هذا الكون، السماء والأرض إيماناً بالله تعالى..، ويحدِّد له حجمه، وصغره أمام هذا الخالق العظيم جلَّت عظمته، وتسامت خلائقه..
علاقة الأرض والسماء منظومة تتسق في تناسق.
علاقة الأرض والسماء تناسق لم يؤثر فيه فارق المسافة.. ولا اختلاف التكوين.. فهما أمام «حواس» ساكن هذه الأرض من البشر تتواصلان..، إذ هو يلمس ذلك رؤية عين، تواصلاً بينهما يعكس الإحساس بتلك الألفة التي تربطهما في رباط توحُّدي، تناغمي، لا خلل، ولا زلل، ولا جفوة، ولا هجراً.
هبوب أنواء، ونسائم عليلة، وسحاب مطير، وغيمات حبلى، وأرض عطشى، وتراب ذو ذرات مهما تصلَّدت تدع فيها منافذ لما ترسله السماء من الماء.. تتلقَّاه الأرض بشغف، تسمح له أن يتدفق ويتسلل يروي ما يرويه، ويختبىء في جوفها كما يشاء، بيسر لا بعده يسر، رغم ما في الأرض من آكام، ووعورة مسالك، وعمق بطون، وتشتُّت منابت، ويباس فياف، وصحراء، وحرارة هجير، وزمهرير برد، وتعرُّج مناكب، وكثافة رمال..،
ورغم ما ترسله السماء من بروق حادة، وأضواء حارقة، وحرارة قاتلة، وعواصف ساحقة، ورعود مخيفة، وصواعق قاضية..
لكنَّ العلاقة بينهما تترابط في تآلف تناسقي لا نظير له في قدرة صانعهما.
إنه «الحب» الذي يبعث الألفة، ويكوِّن التكيُّف، ويوطِّن للترابط المتبادل في علائق التفاصيل في التركيبة القائمة بينهما..
لذا يتم هذا التواصل بين الأرض والسماء، فتشابهت الأرض في سطوح بحورها، وأنهارها، وبحيراتها، وفوَّهات آبارها بالسماء في زرقة فسحتها، ولون إشراقتها..
«قد يَبْعُد الشيءُ من شيءٍ يُشابهُهُ
إنَّ السَّماءَ نظير الماءِ في الزَّرقِ..» |
وعلى الرغم من بعد الشمس في السماء بالإنسان في الأرض..
وعلى الرغم مما فعله الإنسان نفسه من التلوث والتلويث لشيء من السماء..
ورغم عتمة دخان الأجواء، وضباب الآفاق.. بفعل هذا الإنسان، إلاَّ أنَّ الشمس تظل ترسل أشعتها باسمةً في الصباح، باكيةً في الغروب، عائدةً إليه تحيطه دفئاً في صباحٍ جديد آخر، توقظه مع الكون من حوله فرحاً ينبعث معها النشاط في نفسه وفي جسده..
وعلى الرغم من غرور الإنسان، ولهاثه وجريه وإعيائه كي يهيمن على ما في الأرض، إلاَّ أنَّ المساء يأتيه ليلاً في السماء يغطيه في هدوء والتحام كي يهجع إلى الصمت من صخب، وإلى الراحة من تعب..، ومن الكثرة للتفرد..
السماء والأرض تمنحان الإنسان قصة التَّوافق الأنجح والأجدى والأثمر في كل ما يمكن أن يخطر له كي يفكر فيه..
فماذا عنك أيها الإنسان؟!
أنت جزوع هلوع، أناني مكتسِب، آخذ لا تعطي،..
ماذا عنك مع أخيك الإنسان الأكثر اقتراباً وتكوينا وتركيباً وأداءً؟..
من تجمعك به صفات وسمات وأصول وجذور ودماء ولحوم وعروق وعظام
ونفس واحدة، وتربة موحدة؟!..
أنت أيها الطيني التركيب..، كيف هي نُسُق الترابط وعلاقات التناسق بينك وبين من هو من طينك؟..
كم بل كيف تمنح منظومة هذه العلاقة فيما بينكم من الحب؟ والوصل؟ أو القطيعة والهجر؟!..
كيف هي سماؤكما وأرضكما؟
كما هي السماء السماء والأرض الأرض؟ في منظومة تآلف لا تنفطر، وعلاقة أداء لا تنشطر..!!
بينما أنتما الإنسان/ الإنسان؟!
كم تمطر سماء حبكما وشائج اتفاق؟
وكم تستقبل أرضية إنسانيكما حبائل ترابط؟ في أمانة المماثلة والتكليف؟ في كونكما الواحد؟!..
ترى..
أيمكنك أيها الإنسان أن تضع فوق كفِّك نُسُق العلاقة في كائنات الله تعالي سواك وتنظر فيها، وتتمعَّن ما بين السماء والأرض من منظومة تبادلية الألفة، وقيام التآلف بتوحُّد الوشائج بينهما.. كي تعود لقراءة ما يخصك فوق الأرض بما هو فوق الأرض؟!
ألا سبحان ربي الذي خلق فأبدع، وأبدع حين منح الإنسان العقل كي يَعقِل.
|
|
|
|
|