| شرفات
تعتبر ظاهرة الفقر واحدة من اهم المعضلات التي واجهتها المجتمعات والحكومات والنظريات الاجتماعية منذ اقدم العصور وفي القديم ارتبطت ظاهرة الفقر بفقدان الموارد او بالحروب التي تؤدي الى الاستعباد والقهر وقد قامت العديد من الثورات الاجتماعية والسياسية الكبرى في التاريخ الانساني وكان الفقر سببها الرئيسي او أحد اسبابها المهمة.
وفي الوطن العربي تمثلت قضية الفقر وتوزيع الدخلي في مراحلها الاولى بالاهتمام الكبير من قبل العديد من الحركات السياسية والاجتماعية والفكرية بقضية النظام الاقتصادي الذي ينبغي ان يمثل عمل الحركات الوطنية او الحكومات التي جاءت بعد خروج الاستعمار ومثل العديد من الدول النامية وجدت الاقطار العربية في المنهج الاشتراكي الطريق الجديد للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية الشاملة بكل جوانبها. ولفترة ليست بالقصيرة من الزمن شغل الوطن العربي بالصراع بين المنهج الرأسمالي والمنهج الاشتراكي وتجاوز هذا الصراع الخلافات النظرية والفكرية بين الاكاديميين والباحثين لينتقل الى صراع حقيقي بين الاقطار العربية والانظمة والحكومات العربية.
حول قضية الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي صدر حديثاً كتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية للدكتور عبدالرازق الفارس وقد حاول الدكتور الفارس في هذا الكتاب تقديم دراسة شاملة عن الفقر وتوزيع الدخل في مختلف الاقطار العربية إلا انه وكما اشار .
صعوبات التعميم
في مقدمة كتابه واجه عدة صعوبات
حالت دون اتمامها بهذه الصورة اهمها ان كلاً من الفقر وتوزيع الدخل من المفاهيم النسبية التي تختلف تعاريفها ومضامينها العملية باختلاف المجتمع والمرحلة التاريخية والتنموية التي يمر بها والعديد من القيم الاجتماعية الاخرى ويؤدي هذا الاختلاف في التعريف بالتالي الى اختلاف طرق القياس التي قد تتباين هي الأخرى.
كما اشار الكاتب ايضا الى ان الوصول الى استنتاجات عامة او قواسم مشتركة بين الاقطار العربية يواجه عدة صعوبات ايضاً اولها ان الاقطار العربية تتباين فيما بينها تبايناً كبيراً من حيث مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي ومن حيث النظم والسياسات الاقتصادية وفلسفة التنمية والتغيرات التي طرأت عليها وثاني هذه الصعوبات ان الاقطار العربية تتباين فيما بينها من حيث قاعدة البيانات وتوافر الاحصاءات والمسوح التي تسمح بدراسة ظاهرتي الفقر وتوزيع الدخل.
نتائج ايجابية
ونظراً لوجود هذه الصعوبات فقد لجأ الكاتب الى التركيز بشكل اساسي على اوجه الشبه والاختلاف بين الاقطار العربية ومحاولة تلمس اهم القواسم المشتركة والاختلافات الواضحة فيما ما بينها.
ولعل اهم هذه القواسم المشتركة التي توصل اليها ان الاقطار العربية بمجموعها قد شهدت تقدماً واضحاً في تقليل حدة ظاهرة الفقر على الرغم من ان ذلك يخضع لبعض القيود فقد شهد الوطن العربي جملة من العوامل الايجابية والسلبية وإن ادت في محصلتها النهائية الى نتائج ايجابية.
وتمثلت العوامل الايجابية التي شهدها الوطن العربي كما اشار اليها الكاتب في تحرير قطاع النفط من هيمنة الشركات الكبرى مما رفع الايرادات النفطية وتدفق العمالة العربية في السبعينات من بلدان الفائض الى بلدان العجز في مجال الموارد البشرية وتدفق الاستثمارات البينية وكذلك الايجابية على العديد من الاقطار العربية. اما العوامل السلبية فتمثلت في الصراعات والحروب والنزاعات التي ادت الى هدر هائل للموارد واضاعة الفرص لأجيال كاملة ولهذا فإن ظاهرة الفقر الحديثة في بعض الاقطار العربية )العراق السودان لبنان( ارتبطت بشكل اساسي بظروف خارجية مثل الحروب والصراعات ولم ترتبط بالسياسات الاقتصادية او مدى توافر الموارد الطبيعية.
الفقر في دول الخليج
واكد الكاتب على ان ظاهرة الفقر ترتبط بشكل اساسي بمدى توافر الموارد الطبيعية وكذلك بمدى سلامة السياسات الاقتصادية واشار الى انه بالرغم من وجود الفقر في جميع الاقطار العربية إلا انه يمثل ظاهرة في الاقطار التي يوجد فيها قطاع ريفي كبير والتي تشكل الزراعة فيها النشاط الرئيسي للسكان.
امتيازات خاصة
اما في بلدان الخليج العربي النفطية
فينتشر الفقر بين غير المواطنين من العمالة المهاجرة غير المتعلمة..ومعدلات الفقر بين غير المواطنين في هذه البلدان تفوق مثيلاتها عند المواطنين بعدة اضعاف وقد يكون السبب في ذلك ان المواطنين في هذه الاقطار يحصلون على العديد من الامتيازات الخاصة مثل السكن المجاني او القروض الاسكانية والاجور المرتفعة والتي تدخل في مضمون سياسات اعادة توزيع الدخل التي تقوم بها الحكومات في هذه الاقطار.
اما في الاقطار العربية المنخفضة الدخل والتي يتركز معظم النشاط الاقتصادي فيها في المجال الزراعي فإن حجم الثروة والموقع الاجتماعي يتحددان من خلال ملكية الارض الزراعية وعندما يتقدم القطر في مجال التنمية فإن الهيكل الاقتصادي للانشطة يتجه للتنوع مما يؤدي الى زيادة الفرض في زيادة الفرص لظهور التباين في توزيع الدخل واتجاه بعض الانشطة للضمور والتلاشي مخلفة معها ظاهرة البطالة والفقر للعاملين في تلك الانشطة.
خصائص الفقر
وبالنسبة لخصائص الفقر والفقراء في الدول العربية توصل الكاتب الى عدة استنتاجات واضحة اهمها ان الفقر في جميع الاقطار العربية يعتبر ظاهرة ريفية بشكل اساسي فمعظم الفقراء يتركزون في المناطق الريفية ويرتبط فقرهم بانعدام البنية الاساسية وتنوع الهيكل الانتاجي وتركز معظم النشاط الاقتصادي حول القطاع الزراعي ومن جهة اخرى فإن الفقر في جميع الاقطار العربية ارتبط ايضاً بحجم الاسرة فاحتمالات الفقر بين العائلات الكبيرة في الاقطار العربية هي اكبر منها بين العائلات الصغيرة ومن هنا فإن ارتباط الفقر بحجم العائلة ينبغي ان يؤخذ ضمن اطار ان العائلةالكبيرة غالباً ما ترتفع فيها معدلات الاعالة وذلك بسبب زيادة عدد الافراد الذين تقل اعمارهم عن 15 سنة او تفوق 60 سنة.
والى جانب الاستنتاجات السابقة اشار الكاتب الى وجود علاقة قوية وعكسية بين الفقر ومعدلات التعليم فالدراسات تظهر ان البطالة ومن ثم الفقر يزدادان بين الاميين او الذين حصلوا على مستويات تعليم متدنية والعكس صحيح.
فإن زيادة الدخل عادة ما ترتبط بارتفاع عدد السنوات التي قضيت في الدراسة وقد لا تكون هذه النتيجة اكتشافاً جديداً او خاصية يتصف بها العالم العربي وحده إلا ان اهميتها تتضح اكثر في حالة تأكيد التباين بين المناطق الحضرية والريفية في مجال الثروة.
توزيع الدخل
اما بالنسبة لقضية توزيع الدخل في الاقطار العربية فقد قسم الكاتب الدول العربية الى ثلاث فئات الاولى مجموعة الاقطار النفطية الخليجية وهي )السعودية الامارات الكويت عمان البحرين قطر( والثانية مجموعة الاقطار متوسطة الدخل وهي )مصر الاردن تونس المغرب العراق لبنان( والثالثة مجموعة الاقطار منخفضة الدخل وهي )السودان اليمن الصومال موريتانيا فلسطين(.
وقد توصل الكاتب الى انه بالنسبة لتوزيع الدخل في الاقطار النفطية الخليجية يتركز التفاوت بشكل اساسي بين المواطنين وغير المواطنين وهذا لا ينفي انه ضمن كل فئة هناك ايضاً تفاوت في توزيع الدخل يكون سببه امتلاك الموارد او المستوى التعليمي وفي بلدان الخليج فإن الحصة من الدخل التي تحصل عليها افقر فئة في المجتمع تعتبر كبيرة نسبياً والحصة التي تحصل عليها اغنى فئة تعتبر اقل من مثيلاتها في الاقطار الصناعية وقد يشير ذلك الى ان الغالبية العظمى من سكان هذه الاقطار تقع ضمن ما يطلق عليه الفئة المتوسطة الدخل وقد ساعدت السياسات التي اتبعتها حكومات هذه الاقطار مثل خلق الوظائف في القطاع العام وسياسات الاسكان والدعم والخدمات الصحية والتعليمية المجانية تعمل على تأكيد هذه الاتجاه.
التنمية والاستقرار
وبالنسبة لبقية الاقطار العربية الاخرى فقد خلص الكاتب الى ان التفاوت في توزيع الدخل في المناطق الريفية في هذه الاقطار هو اقل من المستويات السائدة في المناطق الحضرية وقد يرجع ذلك الى ان المناطق الحضرية في المراحل الاولى من التنمية تتنوع فيها الانشطة الاقتصادية مما يؤدي الى التباين في توزيع الدخل بين الافراد وذلك بسبب اختلاف قدراتهم على الاستفادة من هذه الظروف الجديدة على انه في المراحل المتقدمة من التنمية تتجه مجالات الانشطة للاستقرار ومعها يستقر التوزيع القطاعي للقوى العاملة ما يقود الفوارق في الدخل الى التقارب مرة اخرى وكذلك فإن زيادة الدخل عادة ما تدفع الاقطار لزيادة الاهتمام بالمناطق الريفية الامر الذي يؤدي الى تقريب فجوة الدخل بين الحضر والريف.
علي البلهاسي
|
|
|
|
|