أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 20th April,2001 العدد:10431الطبعةالاولـي الجمعة 26 ,محرم 1422

مقـالات

المستعمرون الصهاينة متحدون على باطل، أفلا نتحد ونحن على حق؟
مضواح بن محمد آل مضواح
تسري في عقولنا كما يسري السم الزعاف في الجسد مقولة أن الأمة العربية تتحد سريعاً عندما تلم بها الشدائد حتى وإن كانت في حالة عداوة وشتات. وهذه مقولة باطلة أريد بها باطل، لأنها تخذل الأمة العربية عن السعي الحثيث نحو الاتحاد، وتهون عليها أمر الخلاف والفرقة. وتثبط عزيمتها عن المواجهة الجادة والشجاعة للجرائم الاستعمارية الصهيونية. وتجعل قادتها يتراخون عن مواجهة كثير من القضايا المصيرية، ويرجئون حل خلافاتهم السياسية بانتظار دويهية تعصف بأمتهم لتجمع كلمتهم.. ولو حدث أن اجتمعت بعض أحرف من كلمتهم فإن ذلك سيكون بعد فوات الأوان فيصبح هذا الاجتماع اجتماعاً على الهزيمة لا النصر، وعلى الإرجاء والتسويف لا المبادرة والحزم.. وتصدق فينا عبارة « اتفق العرب على ألا يتفقوا».
وهذه المقولة المسمومة تشبه، في مضمونها ونتيجتها. اقتراحاً سمعته من شخص يعد من علماء الاسلام. وقد بني اقتراحه على مفهوم خاطئ للحديث الشريف الذي أخبرنا فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم بأن اليهود سيتجمعون في فلسطين ليقتلهم المسلمون هناك جميعاً. حيث قال ذلك العالم العربي المسلم: من المفترض على العرب ان يريحوا أنفسهم من قتال اليهود الآن حتى يصبح كل اليهود في فلسطين، لأن كثيراً منهم لا يزال في أمريكا وأوروبا وروسيا وغيرها من بلدان العالم!
تأتي مثل هذه الأقاويل لتبرير حالة الانهزام التي تلف أمتنا العربية، وكذلك لتبرير سلب ارادتها في الدفاع عن نفسها ودينها وكرامتها ومقدساتها، بل وسلبها حقها المشروع في المطالبة باحترام هذه الإرادة.
والأمة العربية حين تطالب باحترام ارادتها، أو تتطلع الى تمكنيها من ممارستها لإزاحة الضيم عن كاهلها، ورفع الظلم الاستعماري الصهيوني الذي أنقض ظهرها فإنها لم تأت ببدعة. فاحترام هذه الارادة والسماح للأمة بممارسة مقتضاها وازاحة الضيم ورفع الظلم سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا المبدأ حدث في مكة المكرمة في الثلث الأول من القرن السابع الميلادي ما يمكن تشبيهه بانبثاق نور هائل امتد شعاعه الى الصين شرقاً، وتخوم فرنسا غرباً، وتعدى بحر قزوين شمالاً، وتجاوز المحيط الهندي جنوباً. كانت خيوط ذلك الشعاع ربانية حملها العرب شموعاً مضيئة بددت الظلام أنى عبرت وأينما استقرت.
بذلك الحدث الهائل بدأت مرحلة عظيمة امتزج فيها وحي السماء بكرامة وإباء العرب.. العرب الذين حولوا لحومهم الى تربة لانبات ذلك الوحي على الأرض، وجعلوا من دمائهم الزكية ينابيع عذبة يرتوي منها ذلك النبت المبارك، فأينعت ثمرات العقول، وعمرت القلوب بعد خراب، وساد العدل بعد ظلم، وتوحدت الأمة تحت قيادة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. فقد كانت قيادة الأمة الاسلامية منوطة بشخصه الطاهر في جميع الأمور، فما أتى به بوصفه نبياً فلا بديل عنه، أما حين يتصرف بحكم كونه قائداً سياسياً وعسكرياً للأمة العربية الاسلامية فإنه كان يحترم ارادة أمته ويطلب المشورة ويقبل بها. ولا يستكثر أن يعود عن رأي رآه أو فعل بدأه اذا ظهر له الصلاح في غيره من آراء المسلمين.. والشواهد على ذلك كثيرة.. ومن يعمل الفكر في التطبيق النبوي لمبدأ احترام ارادة الأمة، وتمكينها من ممارستها بشكل فعلي في جميع الجوانب، ومن أهمها اختيار الحاكم، والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن النفس والدين والكرامة والمقدسات، سيجد الدليل القاطع على أن ذلك واجب في الدين الاسلامي، وأن المصطفى كان يؤدي هذا الواجب حتى عندما كان على فراش الموت، اذ لم يسلب الأمة ارادتها فيضع نظاماً محدد التفاصيل للحكم أو يحدد شخص الخليفة من بعده، أو يحدد كذلك طريقة تتبع في اختيار الحاكم. لكنه كان قد أوضح القواعد العامة التي يجب أن يطبقها الحاكم المسلم. وبين المثل العليا التي يجب أن يتمسك بها ويحافظ عليها كل من الحاكم والمحكومين على السواء.. ولا شك ان ذلك يمثل روح الاسلام ويتفق مع عالميته وقابليته للاستمرار، ويجعل ارادة الأمة فوق كل اعتبار.
وعندما بدأت الأمة العربية الاسلامية في ممارسة حياتها بعد وفاة نبي الهدى، كانت البداية أكثر من رائعة، فقد اتبعت اسلوباً يفوق في روعته جميع طرائق البشر المتبعة في مثل تلك الظروف في الماضي والحاضر والمستقبل الى يوم القيامة. فعلى هدي رسولها الكريم بدأت الأمة العربية الاسلامية عهدها الجديد بالشورى من عامة الناس وخاصتهم لسد الفراغ السياسي المتمثل في غياب القيادة. فكان اجتماع السقيفة وحدوث المناظرة الشهيرة بين المهاجرين والأنصار. والتي ساق فيها كل طرف حجته لمصلحة الدين والأمة، حتى اتفق الجمع على انتخاب أبي بكر الصديق للخلافة رغم زهده وتورعه عن تحمل هذه الأمانة، وحين ألزم بها بكى جزعاً لا فرحاً بملك وزعامة.. وكأني به يحس بما يشبه وخز الرماح في جسمه كلما لا مست يده يداً أخرى تبايعه، لإدراكه أنه في كل مرة تلامس يده يد مسلم لتلقي البيعة انما يقطع على نفسه عهداً بالتزام القواعد والمثل العليا التي يجب على المحكومين كما يجب على كل حاكم مسلم ان يلتزم بها، كالعدل والمساواة، واعداد العدة لإرهاب اعداء الله وأعداء الأمة والجهاد في سبيله، وعدم موالاة من حاد الله ورسوله، والدفاع عن الدين والمقدسات، وانفاذ ما عقده رسول الله من أمر، واتمام ما بدأه من عمل، وتمكين الأمة من ممارسة الشورى وحق الدفاع عن نفسها وارادتها فعلاً لا استعراضاً وتزييفاً للحقائق، وقبول النقد الذي يقصد اتباع الحق والرد عليه بصدق ورفق ورحمة، ونذر النفس لقيادة الأمة نحو عزتها ومنعتها.. وفي كل الأحوال لا يشغل الحاكم نفسه عن شيء من ذلك بأي عمل يقصد من ورائه تحقيق مصلحة شخصية على حساب المصلحة العامة.
وخلال بعض العهود الاسلامية الزاهرة طبقت هذه القواعد والمثل العليا في الحكم، ووضع الحكام أنفسهم موضع القدوة الحسنة في الحفاظ على هذه القواعد والمثل العليا وممارستها، فكانوا أكثر الناس حرصاً وغيرة على الدين والكرامة والعدل والحرية والمساواة، وجعلوا من حكمهم وسيلة للتقرب الى الله سراً وعلناً، ولم ينزعوا الى تغليب مصلحة ذاتية على حساب الدين والبلاد والعباد، أو يساوموا عدوا على مصلحة من مصالح الأمة من أجل البقاء في السلطة، ولم يتشبث حاكم بالسلطة وأغلب الأمة له كارهون.. فتشكلت أمة من دون الناس بالمفهوم الاسلامي، وتغير وجه الأرض شكلاً ومضموناً في مدة قياسية، وأصبح العرب سادة الدنيا، وأخلص المحكومون لحكامهم أيّما اخلاص طالما سار أولئك الحكام على منهج نبي الهدى في احترام ارادة الأمة، وامتلأت القلوب للحكام بالحب الصادق، ولقد استتبع ذلك انتصارات هائلة للجيوش الاسلامية، وأصبح العرب بخاصة قوة تقول وتفعل.. قوة لها هيبة ألهمت المجتمعات الأخرى كيف تتجه الى الحق وتكسر اصفاد ورموز الطغيان والاضطهاد.. قوة وظفت معطيات الدين الاسلامي لإيقاظ الفكر الانساني من سباته.. قوة تؤمن الخائف، وتنصر المظلوم، وتجيب المستغيث، وتحمي الدين والأرض والكرامة والمقدسات والمكتسبات.
وحين اجتهد المنظرون في تسويغ الخروج عن هذه المثل بعد مرور ربع قرن على فجر الاسلام تقريباً، بات الحكم يكتسب بالقوة واراقة الدماء والقتل لا بالأهلية والجدارة، وطغت المصالح الشخصية، وجعلها الحكام فوق كل اعتبار، فأصبح كل حاكم يعتبر وجوده في السلطة فرصة لنهب أكبر قدر ممكن من موارد الأمة، قبل أن يأتي شخص آخر بجيش من المرتزقة والمتملقين فيستولي على السلطة بنفس الطريقة التي سلكها هو.. انتفت القدوة والبطانة الصالحة فانتشر الظلم، وغدا الولاء للحاكم تملقاً وتكسباً أو تقية.. طغت نوازع وأصبحت النفس مطية لهواها فاستيقظت حروب داحس والغبراء وبادر كل حاكم عربي الى الاستعانة بأعداء الأمة ضد أخيه العربي فضاعت الأوطان بدءاً بالأندلس، وتشتت الأمة الكبيرة الى شراذم، وكر عليها الاعداء دون ما حاجة الى استجماع قواهم فالوطن أصبح كقطعة البسكويت الهشة، وتوالت الحروب العربية العربية والاستعمارية العربية تترى.. طويت المسافات وأنقصت الأرض العربية الاسلامية من أدناها قبل أطرافها، ودخل العرب في تيه ما بعده تيه واصبحوا أذلة تتقاذفهم الأعداء وتمعن في اهانتهم والتنكيل بهم، وانطلقت ملايين الاستغاثات ولكن لا معتصم يجيبها.. وعادت العصبية والقبلية بمفاهيمها وأساليب حياتها، وغير القوم - حكاماً ومحكومين - ما بأنفسهم فغير الله ما بهم من وفاق وألفة وقوة الى تناحر وبغضاء وضعف.. وأمطرت السحابة التي تحداها هارون الرشيد لكن خراجها ذهب لغير المسلمين!!
ربما كانت نظرية اتحاد العرب في الشدائد أكثر تحققاً عندما كان العرب يواجهون الاستعمار المباشر ولم تكن هناك نظم عربية قوية تعيقهم عن ذلك أو تشغلهم بنزاعات هامشية. فعندما كلمت الأمة العربية بمصيبة الاستعمار المباشر بالجيوش اتحدت الحركات العربية المناهضة لهذا الاستعمار وناضلت نضال الشجعان.. اعتقدت هذه الأمة آنذاك ان حرية الانسان العربي ستأتي مع حرية التراب وخلاص الأوطان العربية من دنس المستعمر، فدفعت بخيرة أبنائها. رجالاً ونساء فداء لهذا الوطن الطاهر وثمناً للحرية المنشودة . وبعد سقوط الملايين من أمتنا غادر المستعمر وأصبح للأمة العربية قيادات من أبنائها.. وشربت أمتنا من كأس الحرية لكنها وجدته معكراً ومسموماً، فقد اكتشفت انها دلفت الى نوع جديد من الاستعمار )الاستعمار بالإنابة أو الاستعمار عن بعد( فالمستعمر لم يغادر إلا بعد أن أمضى مشرطه الظالم الفتاك في تراب وجسم وفكر الأمة العربية.
غادر الاستعمار.. لكن مشهد الفرح العربي بجلاء المستعمر تحول الى مشهد مأساوي حزين، وبقيت الأمة العربية مسافرة باحزانها، تتناقل هزائمها من جيل الى جيل. ولم يستطع العرب فهم اللعبة السياسية التي يمارسها المستعمرون والصهاينة لاستعمار الوطن العربي عن بعد، تلك السياسة التي دأبت على التلاعب بالأمة العربية حتى وضعتها موضع السخرية والاحتقار من جميع دول العالم، ولكي تحقق هذه السياسة أهدافها وتقمع من يحاول مقاومتها استحدث الغرب مصطلحات جديدة وخطيرة، ومن أكثرها خطورة مصطلح الارهاب.. هذا المصطلح الذي حور مفهومه ووظف لملاحقة المجاهدين المناضلين الذي يدافعون عن دينهم وحريتهم وتراب وطنهم، ولفرض مزيد من الهيمنة أصبح للغرب مصالح قومية في الوطن وطفقوا يطالبون، بل يأمرون، بالتوقف عن تزويد النشء العربي والاسلامي ببعض المفاهيم الاسلامية عن اليهود والنصارى، والتوقف كذلك عن تلاوة بعض آيات القرآن الكريم في المساجد ووسائل الاعلام.
عندما اكتشفت الأمة العربية أنها دلفت الى نوع جديد من الاستعمار كان ذلك ايذاناً ببدء مرحلة جديدة من مسلسل طويل وممل، عرضت خلاله آلاف المشاهد الممسوخة للحرية والديمقراطية، وآلاف أخرى من الهزائم على كافة الأصعدة، فتكسرت الأحلام في المآقي، وغصت الحناجر بجمر الحسرة والألم، وسدد الإحباط سهامه الى فؤاد العزيمة العربية فخر مسجى على ضريح الأمنيات المذبوحة، وأدرك المناضلون ان فرحتهم بجلاء المستعمر ولدت ميتة.. ومن هنا اضطرب وجدان الأمة وتفكيرها. وفقدت مقدرتها على معرفة الاتجاه الصحيح، وغمر بعض القيادات العربية طوفان من الشك في نوايا البعض الآخر، وامتطى سوء النية من العربي تجاه أخيه العربي عاطفة مهرولة. واتجهت الأمة العربية الى منحدر الهاوية، وحل الخراب بفكرها ووجدانها وتضامنها.
ثم بدأت بعض رموز السلطة في اقطار من الوطن العربي بإعادة صياغة مفاهيم جديدة للقواعد والمثل العليا والحرية والديمقراطية لشغل الأمة عن قضاياها الأساسية وتشتيت افكارها بعيداً عن الواقع المرير، ومن ثم شرعت في تعليب تلك المفاهيم وتصديرها الى الأقطار العربية الأخرى ساعية الى فرضها بشتى الوسائل، واشتعل الصراع العربي العربي، وعمل على تكريس ما كان الاستعمار قد أوجده من عوامل الفتنة والشقاق..
فهذا متهم بالشيوعية والإلحاد، وذاك متهم بالعمالة للإمبريالية والرأسمالية الغربية، وآخر متهم بكل شيء، والكل متهم بإعاقة الوحدة والحرية العربية. وتسارعت الدوامة لتعصف برؤوس كثيرة، وانقلب صراع الأمة العربية ضد الاستعمار القديم الى حروب وصراعات أشد ضراوة ولكن ضد نفسها بحثاً عن هوية سلبها الاستعمار، وتزاحمت النعوش على بوابات المقابر، وعلى الرغم من وجود الشواهد المنصوبة على القبور كأنياب السباع إلا أنه لم يعد بوسع أحد أن ينسب تلك القبور الى أهلها.. فالقبور التي تضم رفات من سقطوا في سبيل تحرير وطنهم من الاستعمار باتت تجاورها وتزاحمها القبور التي تضم رفات من تجرعوا كأس المنية بيد أشقائهم العرب.
ومع تشابه المستعمرات السابقة في سوء الحال، وما أصابها من بلاء جراء تفاعلات الكوارث التي خلفها الاستعمار القديم وغذى جذوتها الاستعمار الحديث، إلا انني لا أعلم أمة من الأمم قد أهينت قدر ما أهينت الأمة العربية على يد المستعمر الغربي والصهيوني، ولا أعلم أمة من الأمم سحقت ارادتها قدر ما سحقت ارادة الأمة العربية. أو عبث بها التناقض الوجداني والتيه الفكري قدر عبثه بالأمة العربية.. وقد كانت هذه الأمة تأبى الضيم وتحارب الظلم، وتصر على احترام ارادتها وتدافع عنها، ولها وجدان متزن وعقل راجح.
ومن المؤشرات الكثيرة الدالة على هذا التأثر في الفكر والوجدان العربي: عدم القدرة على اتخاذ القرار، والعجز التام عن تقدير المواقف، والتنبؤ بالنتائج بناء على المقدمات، وتضخم الذات، وانحسار الشعور بالمسؤولية، وازدياد الحرص على المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، ونقص التجاوب الوجداني ورد الفعل تجاه الحوادث البشعة المهينة لأمتنا كمقتل الطفل محمد الدرة وانتهاك الارهابي شارون للمسجد الأقصى.
وهناك مؤشرات أخرى لست على يقين من أنني سأوفيها حقها لو تناولتها بالشرح في أقل من مجلدات، لكنني سأسرد بعضاً منها بأسلوب سهل ومختصر ومن ثم أترك للقراء محاولة تفسيرها أو التعليق عليها أو ردها إلى أسبابها: أبرم الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية سلام مع اسرائيل تضمنت شروطاً لو أن الفلسطينيين والعرب وافقوا عليها لكان حالهم أفضل مما هو اليوم.. لكن العرب قاطعوا مصراً ونقلوا مقر الجامعة العربية الى تونس. بعد سلسلة من الهزائم والمذابح والخسائر المادية عاد العرب عن قرارهم وعادت الجامعة العربية الى مصر، وعقد الفلسطينيون وبعض العرب محادثات مع اسرائيل اسفرت عن تنازلات لم يقدمها أنور السادات الذي كان العرب قد عدوه خائناً في مرات عدة افتعلت اسرائيل مواقف حصلت من خلالها على مزيد من التنازلات وأقدمت على ارتكاب أبشع الجرائم ضد العرب في لبنان وفلسطين. وكان المجتمع الدولي ومؤسساته يستنفرون طاقاتهم لمقتل ارهابي اسرائيلي بينما لا تحرك مشاعرهم تلك المشاهد المروعة للمذابح الاسرائيلية ومن أشهرها عملية اغتيال الطفل محمد الدرة التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لها في الخسة والبشاعة والعدوان، جاء نتنياهو الى الحكم ورفعت الأمة العربية صوتها - كالعادة - تستنكر وتشجب وتندد بقراراته فيما يتعلق بالاستيطان وعملية السلام.. شعر العرب بالفرحة عندما فاز باراك واعتبروه رجل سلام، فاذا بهم يكتشفون انه بني من المستوطنات خلال عام واحد أكثر مما بناه نتنياهو خلال سنوات حكمه، وأنه أضر بعملية السلام أكثر مما أضرت بها عملية عناقيد الغضب قبل نتنياهو. أو بناء المستوطنات أو التشدد في المواقف تجاه عملية السلام أثناء عهد نتنياهو. تعالت أصوات الأمة العربية وتمنى البعض لو سقط باراك ليعود نتنياهو.. أطل علينا شارون كمنافس لباراك فقدمت السلطة الفلسطينية تنازلات خطيرة واتخذت اغلب الدول العربية مواقف سياسية واقتصادية باهظة الثمن لدعم باراك. فاز شارون وانطلقت التنديدات بانتخاب هذا المجرم وسكوت الغرب على ذلك على الرغم من أن الغرب أسقط )هايدر( في النمسا لمجرد انه يعتنق رأياً يمينياً لا يقر تماماً بخرافة الهولوكوست. وبعد أقل من شهر بدأ العرب يرددون أمنياتهم ويعانون خيبة أملهم بفوز شارون فقال قائلهم ان هناك بوادر على أن شارون يريد التكفير عن جريمة صبرا وشاتيلا وغيرها من الجرائم التي اقترفها. وعلى الجانب الأمريكي بذل الرئيس كلينتون جهوداً جبارة لاتمام عملية السلام. فقال العرب ان الرجل يريد تخليد اسمه في التاريخ وأنه أكثر صهيونية من باراك.. وبذل العرب جهوداً سياسية ومادية ليفوز بوش على آل غور، وإبّان المحاكمة من أجل الفوز كان العرب يتابعونها أكثر من متابعتهم لجرائم اسرائيل في فلسطين، وحين فاز بوش قال وزير خارجيته في أول شهادة له أمام الكونجرس ان امريكا ستنقل سفارتها الى القدس، وفي توضيح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية حول شهادة باول هذه قال: ان امريكا لن تغير موقفها من القدس، ورضي العرب بهذا رغم ان المتحدث لم يوضح أي الموقفين يقصد،
يضاف الى ذلك اعلان الرئيس بوش عن تراخي الموقف الأمريكي تجاه عملية السلام. وعلى الجانب اللبناني تصاعدت حدة المقاومة ضد اسرائيل عندما ضعفت سيطرة الحكومة على كل اللبنانيين وانهزمت اسرائيل في لبنان على يد المقاومة الشعبية دون أي مساهمة للجيش اللبناني، فهل يمكننا الافتراض ان السيطرة الكاملة لبعض الدول العربية على جميع مواطنيها يعيق النضال ضد اسرائيل.
لقد بات في حكم المؤكد ان بعض القيادات في العالم الثالث تعمل على اعاقة ظهور الحركات المناهضة للصهيونية والاستعمار، واذا ركزنا على العرب فسنجد أن العربي لا يخشى من ظالم جبار في هذه الدنيا قدر خشيته من أخيه العربي اذا ظلم وتجبر، ليس لأن العربي أكثر وحشية من غيره عندما يظلم ويتجبر وانما لأن ظلم ذوي القربى أشد مرارة كما قال الشاعر، بالإضافة الى أن دهماء الشعوب العربية لا تنقاد لغير عربي، ولا يمكن أن يوقفها عن مقاومة الصهيونية والاستعمار سوى القيادات السياسية اذا اختلفت.
ومن المؤكد قطعاً أن الغرب قد رتب أشياء كثيرة تضمن ان لا يصل شخص الى السلطة في كثير من بلدان العالم الثالث إلا باراقة الدماء وازهاق الأرواح. كي لا يغادر مركز السلطة الا بنفس الطريقة التي وصل بها.
ومن هنا تظل الشعوب في تلك البلدان في حالة من الحروب المستمرة.. حرب ضد الاستعمار القديم والحديث وحرب لنشر الحرية المعلبة المزيفة. وحرب ضد المتهمين بموالاة المستعمرين، وحرب للوصول الى السلطة والبقاء فيها، وحرب لتغيير السلطة، وحرب بين الأيديولوجيات. وحرب لتصفية الخصوم وتكريس النفوذ والسيطرة، وحرب لقمع الشعوب وسحق ارادتها، وحرب للدفاع عن الذات والهوية، وحرب من القلة ضد الكثرة وضد كل شيء للانفراد بكل شيء من مال وسلطة.. وبقي العالم الثالث على قارعة الحضارة.
للتواصل الفكري: ص.ب 10810 الرمز 61321 أبها

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved