| منوعـات
جاءني صوته غريباً .. عبر الهاتف، بعد اكثر من خمسين سنة، كان زميلي في مدرسة العلوم الشرعية.. بالمدينة المنورة، كان اخا عزيزا، لطيفا ووفيا وذا مروءة وصدق وإيثار.. في ذلك الزمن المبكر، ونحن في سنة سادسة ابتدائية..!
* بعد التحية.. والسؤال عن العافية، قال انا «فلان»، ففرحت به، واحتفيت بهذه المهاتفة، فهو مايزال في البلد الذي أوثره، وأنا في جدة.. وأوثرها كذلك!.
وسرحت بخيالي، إنه صاحبي الذي ترافقنا عاما دراسيا، اسمعه اليوم، وقد تغيرت نبرات صوته في أذني، ولو لم يذكر اسمه.. لما عرفته، ف: اختلاف النهار والليل ينسي ، كما قال امير الشعراء، وقال لي: إن أبناءه يقرؤونني في الصحف ، ويشاهدونني احيانا في التلفاز، وحين أراد مهاتفتي... استعان بالصديق الاديب الشاعر محمد هاشم رشيد، فمده برقم هاتفي.. فكلمني.!
* لم اعرف صاحب الصوت حتى ذكر اسمه، فقال: «أنا أزهري صادق»، فعدت بالذاكرة الى اكثر من نصف قرن، الصوت تغير، والنبرات كذلك، غير أني فرحت بهذه المهاتفة المفاجئة، وأنا لم أنس أحبائي واصدقائي.. وإن طال الزمن، ولن أنسى أياما جميلة وإن قصرت، وأيام الصبا غالية، وإن كنا لا نعبأ بها في حينها، غير أننا حين تبعد عنا.. نذكرها ونحن اليها ونردد:
«ألا ليت الشباب يعود يوما».
* بعد عني صاحبي، حين انغمس في الرياضة.. لاعبا ومدربا ومشغولا بها، وبعد بعضنا عن بعض، فلم تجر بيننا مكاتبة، ولم يكن بيننا غضب ولا خصام، وانما كل منا شق طريقه في الحياة فانشغل بما اتجه اليه، وازدادت مسؤوليته بالزواج ثم بالولد وهموم الحياة الصعبة، وذاك ديدنها.!
* وأنا حريص حين أذهب الى المدينة المنورة، فسوف يكون من أولوياتي.. أن أسأل عن صاحبي وألاقيه، وأرى مافعلت به الأيام كما فعلت بي، غير أن لسان حالتي يردد: الحمد لله.
* نعم أنا في شوق أن أرى صاحبي الفتى بالأمس، كيف اصبح او كيف امسى، وماذا جدَّ في حياته.. بعد اكثر من خمسين سنة، ولعله هو يتطلع الى حالي عبر أيامي، إذاً.. فإن الجلسة الأولى إذا قيّض الله اللقاء ستكون مطولة بأحاديث الايام.وحلوها ومرها.!
واذا وجدت ما يمكن ان يقال مما اقف عليه عند صاحبي ويستحق ان اقدم الى القارئ.. فسوف افعل إن شاء الله، لأجلو احاديث الأيام الطوال، انطلاقا من حديث الصبا وايامه، لأنها «زهرة العمر».. كما اسماها الكاتب الكبير توفيق الحكيم، ذلك ان حديث الذكريات ماتع، لأنها صدى السنين كما قال أمير الشعراء.!
|
|
|
|
|