| الاخيــرة
*
حين أعود بذاكرتي الى الوراء..
الى الخامس والعشرين من شهر محرم من العام 1402ه..
الى ما قبل عشرين عاماً خلت..
حين ولدت المسائية من رحم صحيفة الجزيرة ..
ملحقاً للجزيرة ..
فموافقة على صدورها رسمياً كأول صحيفة مسائية في المملكة والخليج..
لتصبح فيما بعد عروس المساء ولا أجمل..
***
حين أستذكر كل ذلك بواقعية..
وأتأمله بصدق مع النفس..
أشعر بالحزن الكبير..
يلفني بردائه..
وأتساءل..
هل فشلت التجربة..
هل قدَرها أن نئدها..
وقد بلغت العشرين من عمرها..
وحفر اسمها في الذاكرة كمشروع متفرد قد لا يتكرر..
***
هاهي المسائية تودعكم اليوم بدموعها وآهاتها..
فماذا أنتم فاعلون لها..
وقد سبق السيف العدل..
وما عاد بامكانكم أن تفعلوا لها أكثر من ابداء التعاطف وعلى استحياء نحو ما آلت اليه..
***
ويلي وويلكم من التاريخ..
حين تقلب الأجيال القادمة صفحاته..
وتقرأ أن انجازاً صحفياً كبيراً كهذا قد قتل..
لأن القارئ لم يحتف به الاحتفال الذي يحميه ويحول دون قرار بايقافه..
ويلي وويلكم من التاريخ الذي لا يرحم..
حين تدرّس أقسام الاعلام في الجامعات لطلابها هذه الفكرة الواعدة والتجربة الثرية ونهايتها..
فتلقي بكامل المسئولية على القارئ وعلى المعلن اللذين خذلا الصحيفة والمخططين لها بعزوفهم عنها..
***
أعلم جيداً وتعلمون أننا سوف نتبادل البكاء عليها..
كلما تذكرنا جمال فكرة هذا الاصدار..
وامكانية اثراء المساء بالجديد من صحيفة المسائية..
وأسأل الآن بوضوح..
من المسئول عن ايقاف عمر المسائية عند العشرين عاماً..
هل هي مؤسسة الجزيرة بامكانياتها الكبيرة..
أم أسرة تحرير المسائية باجتهاداتها وعملها الذي لن ينسى..
هل هو القارئ المثقف الذي لم يحتضنها ربما كما كان ينبغي ولم يحتف بها بما كان يجب..
أسأل مرة أخرى بمرارة وحزن لا ينتهي ..
هل كان في الامكان أكثر مما كان..
ألم يكن بمقدورنا مجتمعين ومتفرقين أن ننقذ المسائية من هذه النهاية غير أننا لم نفعل..
وأنه كان باستطاعتنا أن نبقي عليها حية شامخة لو تعاطفاً مع فكرتها ونبل الهدف من اصدارها..
هل آثرنا قبول هذه النهاية على أن نفعل شيئاً ذا قيمة لها...
***
يا الهي..!
ها نحن أصحاب فكرة المسائية..
نتضامن على تغييب هذا المشروع الكبير..
ونتجاسر على اتخاذ القرار الأصعب بحقه..
ونجد أنفسنا نقدم على عمل ما كنا لنفكر فيه ذات يوم..
***
أجل ها نحن:
ندفنه برغبتنا..
ونشيعه بارادتنا..
ونسعى الى اخفائه باقتناع منا..
نفعل ذلك..
وقد كانت المسائية الحلم الجميل..
والفكرة الخلاقة..
فهل قدَرها أن تحضّر بعد عشرين عاماً الى هذه النهاية..
وأن تساق من أهلها وأعني بذلك القارئ والمعلن على حد سواء الى هذا المصير..
***
ويلي وويلكم من التاريخ..
بصفحاته..
وثقاته..
وأدواته..
يوم يشخص حال المسائية على مدى عشرين عاماً..
ويحدد المسئولون عن كبوتها الأخيرة ناهيك عن كبواتها السابقة..
ويلي وويلكم من التاريخ..
يوم يصدر حكمه العادل المنصف على أننا خذلنا مثل هذا المشروع الكبير..
وأننا تعاملنا معه دون أن نفكر بما يمكن أن ينتهي اليه..
وأن النهاية كانت على نحو ما رأينا اليوم وهو ايقاف المسائية نهائياً والى الأبد..
***
التاريخ حينئذ..
سيقول كلمة الفصل..
وسنندم يوم لا ينفع فيه ندم..
فقد فرطنا في هذه الجوهرة..
فيما كان يمكن أن تكون شيئاً كبيراً واصداراً مميزاً لو أردنا ..
وأن تكون عملاً كبيراً لن ينسى لو أعطيناها ما تستحقه من الاهتمام..
أما وأننا لم نفعل..
فها نحن نودع المسائية..
وداعاً حزيناً..
وبكثير من الألم وقد كانت جزءاً من تاريخ الصحافة..
وستبقى كذلك رغم غيابها أبدياً..
***
فاعذروا مؤسسة الجزيرة لاقدامها على هذا الخيار الصعب..
والتمسوا لأسرة تحرير المسائية هي الأخرى كل العذر..
فقد بذلوا فوق طاقاتهم لتبقى قوية وفريدة ومميزة ولكن..
***
أما مؤسسة الجزيرة..
وكما عودتكم..
فسوف تبقى وفية لمحبيها..
ومثلما انحازت الى قرار الايقاف وسعت اليه..
ها هي تستعد لاصدار يومي جديد..
سيكون البديل الأفضل ان شاء الله..
فلا تخذلوا جديدنا مثلما خذلتم قديمنا..
***
وا حزناه على المسائية..
وا فرحتاه بالأسرة..
|
|
|
|
|