| محليــات
على مدى زمن طويل في التدريس الجامعي خرجت بمحصلة لها تكرارها الذي يزيد في التأكيد على ان المتغيرات العامة والخاصة في حياة الإنسان العربي لما بعد تؤثر كثيراً في أساليب تنشئته، وإلاّ كيف تظلُّ طالبة الجامعة في المستوى الثاني والثالث تؤكد على أنها تخجل عند الحديث، ولا تجرؤ على الحوار، وتعجز في المواقف النقاشية عن التعبير عن وجهة نظرها في موضوعات لا تستدعي الحياء أو التردد قبل اكثر من عشر سنوات، تماماً كما تؤكد النقاط ذاتها طالبة الماجستير في العام الدراسي القائم؟!، إذ تظل الطالبة تدور في الدائرة وتحت التأثيرات ذاتها خلال هذا المدى الزمني الطويل دون أي تغيير يذكر،
لقد أبحرت في تتبع هذه الظاهرة، وأفدت كثيراً من هذا التّتبع والمتابعة في تطوير أساليب التعامل مع «طالباتي» كي يستطعن القفز فوق العوامل المسببة لهذا العجز في التنشئة الاجتماعية وأساليب التربية الأسرية والمدرسية، ووجدتني أمام محاولات مُضنية ولكنها ذات نتائج مفرحة، إذ استطعت أن أسمع صوت «طالباتي» ذلك الذي كان يغفو داخل حناجرهن فخرج على استحياء، ومن ثم انطلق في وضوح وثقة فتعرفت عليهن، وخطوت إليهن بما حقق العوائد العلمية والمعرفية لديهن في نسب عالية، وفي الوقت نفسه حقق لي شخصياً عوائد إيجابية على صعيد «تبديل» «موقف » إلى «موقف» في «سالب» العجز في مهارة التواصل لديهن، وفي «ايجاب» القدرة على التواصل منهن ومعهن،
مما أدهشني مؤخراً أن أجد في مجلة الاعلام والاتصال الصادرة في شهر ذي الحجة الماضي 1421ه في عددها رقم 30، في موضوع تحت عنوان «الدراسات تؤكد: وجود خلل في المحادثات الاجتماعية في العالم العربي، ص ص 70 72 ما يؤكد لي ان أمر عدم قدرة الفرد العربي على التعبير عن ذاته، وإقامة خطاب التفاهم بوسائل الإفهام، بينه وبين الآخر ومن ثمَّ بينهم وبين سواهم أمراً واضحاً، ، وهو ظاهرة عامة ودائمة لم يتم التعامل معها تعاملاً يليق بأهميتها، وخطورتها ، ونتائج عدم معالجتها، ، ،
والمجلة أشارت إلى دراسة عيّنتها من )101(، عربي، )69 رجلاً(، و)32 امرأة( جميعهم من البالغين، وحدود الدارسة )السعودية، الكويت، مصر، السودان، الأردن( وتتراوح أعمارهم بين )30عاماً( وصاعداً، ، ،
والنتيجة الأساس في هذه الدراسة أن الخلل الذي توصلت إليه من خلال بحث «المحادثات الاجتماعية في العالم العربي» أي بين عينة الدراسة من ابناء العرب يشير إلى قصور في الادراك، والانتباه، وتمثَّل ذلك في: )مقاطعة الكلام( أي التداخل في أثناء الحديث و«عدم الاصغاء إلى المتحدث»، و«تشتت الذهن»، و«انتفاء الحضور» أي عدم الحضور الذهني والادراكي في أثناء الحديث أو اللقاء، ، ،
مثل هذه النتيجة تؤكد على عدم وجود التفاعل الاجتماعي الذي من شأنه أن يخلق الرموز والمعاني مما ينتج عنه الحياة الاجتماعية، ، ،
مثل هذه النتائج مع ما توصَّلتُ إليه خلال مراحل تدريسي الجامعي، وما خرجت به من الواقع في النتائج التي ذكرت يؤكد على أن العرب حقيقة لايجيدون مهارات الاتصال، وذلك يؤكد على وجود مشكلة «الخطاب» بينهم تلك التي تنفي وجو «فهم» بينهم، مما يؤدي إلى عدم وجود قدرات لديهم للإفهام، ، ، وفي انتفاء هذين العنصرين الأسُّين الداعمين لعملية الاتصال ما يوضح «سر» الفجوة في العلاقات الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات والمجتمعات العربية،
فإذا عجز الانسان عن تقديم ذاته للآخر، ، ، عجز الآخر عن استقباله بالتفاعل معه، ، ، فقامت بينهما الفجوات، ، ،
وإن لم تردم هذه النتوءات في دروب العلاقات
الاجتماعية، ، ،
وإن لم يأخد أمر «الخطاب» بين الأفراد في المجتمعات العربية مأخذ الجد في أذهان المربين والمفكرين والمعلمين، ، ،
وإن لم تُبْنَ جسور التواصل بإحكام، ، ، عن: أسرة تعي كيف تنمي مهارات الأبناء فيها وقدراتهم، وفي مدارس تؤهل مهاراتهم ووسائل التعبير عندهم، بل والتفكير أيضا، وفي المجتمع بكافة مؤسساته ذات الصفة الاحتكاكية بالإنسان الفرد، وبالإنسان في الجماعة فإن الفجوات ستزداد، ، ،
والحواجز تظل مكان الجسور، ، ،
وتظل سحابات داكنة عليهم وتفصل بعواصفها بينهم، ، ،
ويظل الفرد العربي عاجزاً عن التعبير، ، ،
قاصراً دون معرفة ذاته، فكيف يعبر عنها؟!
ألا فمهارات الاتصال
مادة خام، ، ،
من يمد إليها يده كي يلتقطها ويشكِّل بها بعد ذلك
جسور التواصل؟!،
|
|
|
|
|