| العالم اليوم
^^^^^^^^^^^^^
يعيش المجتمع الصهيوني أزمة سياسية حادة هذه الأيام، فقد استمر طويلاً في احلامه الاستيطانية والتوسعية ونفيه للشعب الفلسطيني ووجوده وحقوقه، وساعدته انتصارته الحربية السابقة وقوته العسكرية على الغرق في اوهامه وتجاهل الواقع الفلسطيني.
^^^^^^^^^^^^^
وبالمقابل تعيش المجتمعات العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة ازمة سياسية اشد حدة من تلك التي يعيشها المجتمع الاسرائيلي حدت بالكثيرين ان يترحموا على مجرم الحرب باراك...!
من اليمين او اليسار او الوسط.. من الصقور او الحمائم او الدواجن.. مهما كانت الشخصية الاسرائيلية الموجودة على رأس السلطة، فإن التجارب السابقة وعلى مر السنوات الماضية اثبتت ان السياسات واحدة، ولن تتغير بتغير الاشخاص او تغير القابعين على سدة الحكم في اسرائيل.
في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة وجدنا انفسنا بين الاختيار بين اثنين احلاهما مر ككل انتخابات اسرائيلية سابقة.. رابين وبيغين.. شامير ورابين، بيريز ونتنياهو، نتنياهو وباراك، ايهود باراك وارييل شاون.
ولان المزاج الفلسطيني ومعه العربي يراهن على حزب العمل الاسرائيلي في كل انتخابات، فقد وضعنا كل الاوراق في خانة زعيم حزب العمل ايهود باراك ليس حباً فيه، ولكن كراهية في شارون، في موقف يقوم على ردة الفعل تجاه ما يجري في اسرائيل اكثر مما يدخل في علوم السياسة والتخطيط والنظم الاستراتيجية.
فنحن لا علاقة لنا بمجريات الصراع السياسي داخل اسرائيل، ولا نملك امكانية تغيير او تعديل قواعد اللعبة السياسية هناك، فنحن لا نملك الا الانتظار.. انتظرنا باراك.. فجاء شارون.. !!
في انتخابات الكنيست عام 1996م، كان العرب ينتظرون فوز شيمون بيزيز )سفاح مذبحة قانا(، وعندما فاز عليه بنيامين نتنياهو بفارق الفي صوت حزنوا على بيريز، واعتبروا ان النكسة التي منيت بها عملية السلام طوال ثلاث سنوات وتجميد اتفاقات اوسلو ومصادرة وتهويد الاراضي وإنشاء المستوطنات، كل هذا قد حدث بسبب الفي صوت، وقد صدقنا جميعاً هذا الاعتقاد الكاذب، وحتى شيمون بيريز وجه اللوم لفلسطيني 1948م الذين خذلوه في الانتخابات وتركوا بطاقاتهم بيضاء!.
لم يستطع احد من خبراء السياسة عندنا ان يقول لنا بوضوح، لماذا يفضل حزب العمل على حزب الليكود، ولماذا يفضل باراك على شارون، وكلاهما ارهابيان قاتلان ولغا في دماء الفلسطينيين والعرب ويجب تقديمهما لمحكمة العدل الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب، وهل هناك فرق بين سرطان الكبد وسرطان المعدة؟!.
الخطاب السياسي الاسرائيلي لم يقل لنا شيئا عن الفرق بين باراك وشارون، والخطاب السياسي العربي لم يقل لنا ايضاً مالفرق بينهما؟ ولماذا يفضل باراك على شاون؟.
هل قال باراك انه سيعيد القدس الى اصحابها الشرعيين حال فوزه في الانتخابات، وسيوقف بناء المستوطنات، وسينسحب من الاراضي الفلسطينية، ويفرج عن المعتقلين الفلسطينيين، ويستأنف المفاوضات مع سوريا بدون شروط من حيث توقفت، وهل سينسحب من مزارع شبعا؟ وهل اعلن باراك موقفاً مختلفاً بشأن ترسانة الاسلحة النووية الاسرائيلية؟
لم يعلن باراك موقفاً واحداً مختلفاً عن شارون، سواء حيال القدس او المستوطنات او الحدود او عودة اللاجئين او المفاوضات مع سوريا، وهو الذي رفع شعار )لا رحمة للضعفاء في الشرق الاوسط(.
لقد اكتشف العرب الذين ساهموا بشكل او بآخر في تلميع باراك خلال فترة توليه الحكم لمدة عشرين شهراً وتسويقه اعلامياً كرجل سلام جاء لينهي صراع قرن كامل، بأن الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة قد صار أضغاث أحلام لا وجود له في ارض الواقع، وخيالات تهدهد رؤوس البعض، وان المسألة برمتها عبارة عن مسرحية مفرغة الحلقات، ألّفها ويؤديها بشكل سيء باراك، وأنهم امام رجل مراوغ ومضلل، وهو افراز للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وآخر تلاميذ الجيل العقائدي الصهيوني التوراتي، وانه طبعة جديدة وانتاج جديد لحزب الليكود، وهو الذي لم تمض ساعات قليلة على فوزه في الانتخابات الاسرائيلية في مايو 1999م، الا وقد اعلن لاءاته المشهورة: لا للتخلي عن القدس عاصمة ابدية للدولة العبرية، لا للتخلي عن المستوطنات او تفكيكها، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم لا لعودة اسرائيل الى حدود ما قبل 1967م، لا لقيام جيش فلسطيني، وهي نفس اللاءات التي يتشدق بها شارون هذه الايام، وهو ما حدا بصحيفة هآرتس الاسرائيلية في تقييم الشهر الاول لحكم باراك بالقول من ان يكون الاسرائيليون قد انتخبوا نموذجاً مستنسخاً من سلفه بنيامين نتنياهو، واطلقت عليه لقب )باراكياهو(، حيث بدأ الاسرائيليون يتساءلون عما اذا لم يكن نسخة جديدة من نتنياهو!.
لم ينتظر شارون يوماً واحداً لا شهراً ليحكم عليه الآخرون، بل بدأ بسياسة اسرائيل الازلية وهي القتل.. والقتل فقط..! وان العربي الجيد هو العربي الميت، ولم يستثن شارون في عمليات قتله للعرب الاطفال والنساء والشيوخ، حتى اعضاء القيادة الفلسطينية الذين وقعوا عشرات الاتفاقيات مع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وكان شارون نفسه وزير الخارجية في احدى هذه الحكومات لم يسلموا من محاولة اغتيالهم!
علينا ان ندرك كعرب اولاً، وكفلسطينيين ثانياً ان سلوك باراك في السابق وشارون هذه الايام انما يأتي وفقاً لثوابت اسرائيلية لم يخرج عنها حتى اسحق رابين الذي يترحم العرب على عهده، واعتبروه )شهيد السلام(..!، واذا كان هناك فرق بين باراك وشارون فهو في اسلوب ادارة الصراع، فباراك كأستاذه بيريز يرى ان شعار دولة اسرائيل من النهر الى البحر يمكن ان يتحقق على المدى البعيد باستغلال حالة التشرذم العربي، وعبر هيمنة عسكرية واقتصادية وثقافية شاملة من شأنها ان تحدث تحولات استراتيجية في الصراع العربي الاسرائيلي لصالح اسرائيل، بما يضمن لها الامن والاستقرار والتفرغ لقيادة الشرق الاوسط في ظل النظام العالمي الجديد.
وشارون يرى بأن تحقيق حلم اسرائيل يأتي بإبادة الفلسطينيين وضرب بنيتهم التحتية وضرب طهران والسد العالي في اسوان!
ان لسان حال العرب يقول اليوم بأننا نريد على قمة القيادة الاسرائيلية شخصاً عاقلاً يمكن الحديث معه، او التفاوض معه على أي شيء طبقاً للمثل العربي: عدو عاقل خير من صديق مجنون..!
ولكن بالعودة الى الوراء قليلاً سنجد بأن شارون. الذي يمثل تياراً كاسحاً في اسرائيل ليس مجنوناً وأن باراك لم ولن يكون عاقلاً في أي يوم من الايام.. !
* كاتب وصحفي فلسطيني
|
|
|
|
|