| محليــات
من الظواهر التي تتكرر أمامي في كل مرة أقف فيها أمام مجموعة من الشابات في قاعات الدرس الجامعي، وعلى كافة المستويات بدءاً بالجامعي فمرحلة الماجستير والدكتوراة أحياناً، أن هناك عدم قدرة لدى الشرائح الأكثر أي «الغالبية» منهن على إجراء الحوار، أو توصيل المعلومة، أو حتى التعبير عن وجهة النظر الخاصة، وغالباً ما تمرُّ «الحلقات» الحوارية بعناء كبير حين يتم تقسيم حضور المحاضرة إلى «مجموعات» بشرية لمناقشة محور من محاور الدرس، فأكون مضطرة إلى تحفيزهن واحدة واحدة، بشتى الأساليب التي يفترض أن تمارس مع من هن أدنى مراحل، وعدم القدرة على إثارة الحوار أو حتى الدخول فيه أو حتى الصمود أمامه، إنما هي ظاهرة عامة مردُّها إلى تنشئة الفرد في الأسرة من جهة، وعدم قدرة الأساليب التربوية والتعليمية في المدارس على بثها وتنميتها، ، ولعلها ظاهرة مرتبطة بقيم تربوية لا تفرق بين التدريب بالتوجيه والفعل إلى الحياء، وفضيلة الصمت، وعدم الدخول في مالا يعني واحترام الأطراف المشاركة في المجلس أو الحديث، ، وبين القدرة على التعبير عن الذات ووجهة النظر الخاصة وأن لا ما يربط الحياء بقلة الحياء، والاحترام بعدمه، والصمت بالثرثرة، وما يمكن بما يتجاوز في أمر تعبير الإنسان في أي مرحلة من مراحل نموِّه عن «رأيه» بما يجعله قادراً فيما بعد على الدخول في حلقات النقاش، أو جلسات الحوار، أو حتى فرص التعبير عن نفسه، سواء اتسعت دائرة هذه الحلقات بأعداد من فيها، أو ضاقت فلا تقوم إلاّ على اثنين أو أكثر بقليل،
وكنت في كلِّ «محاضرة» أقدم للدارسات بطاقات بيضاء كي تسجل لي كلُّ واحدة نقاط الضعف التي تجدها في شخصها، ورأيها في عوامل تكوينها، ، ،
ولا أبالغ إن قلت: إن الضعف الذي أجد مؤشره في أعلى مراتب القياس لدى الجميع يظهر في عبارات «الخجل»، و«عدم القدرة على التعبير عن الرأي»، و«الارتباك عند الدخول في النقاش»، و«العجز عن الإفصاح عن الرأي»، و«الخوف من التجمع»، و«الاضطراب الشديد عند الحديث»، و«تشتت الذّهن عند محاولة التركيز على فكرة ما عندما يراد التعبير عنها»، وكلُّ ذلك يدور في محور «ضعف وسائل الاتصال»، وتكمن هذه الوسائل في: «قدرة التعبير»، و«مهارة النقل»، و«سلامة النطق»، و«صحة اللغة»، ، ،
والخلل في هذه الوسائل يؤدي إلى الضعف فيها، ، ، ، وهو ما يشير إلى الخلل الأكبر في أساليب التنشئة، والتربية، والتعليم، ، ، مما ينفي وجود جسور للتواصل تبدأ بالعجز عن الوصول إلى الذات من الذات الواحدة، ومن ثمَّ تمتد هذه الفجوات بين الإنسان والإنسان، والواحد والأكثر، فالأكثر،
ويبدو أن عملية التواصل، في شكلها العام تؤكد «غياب» المهارات الخاصة بها لدى الإنسان في المجتمع العربي مما يؤكد الأسباب الجوهرية في عدم وجود «أبنية» لها هي بمثابة «الجسور» لتواصل الإنسان بالآخر مما يؤكد غياب: الرأي الواحد، وتبني وجهات النظر المتقاربة، واتخاذ المواقف الواضحة، و«القرارات» التي تعبر عن الجماعة، ، ، ، ولا غرابة في ظاهرة مثل هذه تتفشَّى في المجتمعات العربية، إذا كان الفرد الواحد فيها يعجز عن التواصل مع نفسه،
وعدم وجود المهارات الخاصة للاتصال تنفي وجود «الخطاب»، والخطاب هو وسيلة الفهم والإفهام، ، فكيف يكون حال إنسان في جماعة يفقد فيها كما تفقد جماعته الفهم والإفهام بينهم؟!، ، إذا كان الطير يفهم لغة الطير، والدّابة تسير في اتجاهِ ما تفهمه من اتجاه رفيقها، وآلية الفهم بين كلِّ ما يتآلف في خلق الله تعالى على الأرض، ، ، ،
فمنظومة الخلق في الأرض إنما تقوم على مهارات الاتصال، وألفة الفهم للأدوار المختلفة وإلا لاختلَّ ميزان الأرض في عدم فهم كلٍّ لدوره، وكلٍّ لدور الآخر، ، ، تقدير العزيز القدير في خلق لم يمنحوا منه تعالى قدرة العقل،، ، ، ومنحها الانسان، والإنسان ذو العقل مؤهل «طبيعياً» لتشكيل مسارات ممارساته في الحياة، ومسؤول عن تهيئة مهاراته في تحقيق ذلك، ، ، وأول المهارات المسؤول عنها تلك التي تمكنه من التفاهم مع الآخرين، وفهمهم كي يكونوا قادرين على بناء حياة صحيحة بتأهيل مجتمع له دعائمه ومواقفه وقراراته التي تضمن له معاشاً هنيئاً وبناءً عمارتهُ سليمة،
ويبدو أن فقد لغة الفهم، ، ،
وعدم وجود جسور تواصل بين الانسان والآخر بعدم الاهتمام بمهارات الاتصال عند الإنسان في المجتمع العربي موضع «اهتمام»، ، ، قد أخذ حيزاً من تفكير الباحث العربي بما يؤكد أنه أمر ملحوظ، وأنها ظاهرة عامة، وأنه زمن يحتاج المرء فيه كي يعود عودة حازمة إلى تأكيد ضرورة «النظر» في الأمر بما جعل الدراسات تنتشر والمهتمين يتكاثرون في شأن «مهارات الاتصال» وسنشير إلى ذلك في مقال الغد إن شاء الله تعالى،
« يتبع»
|
|
|
|
|