| مقـالات
لا تكاد تشاهد برنامجاً او مسلسلا تلفزيونيا او حتى اخبار الا وتجد نفسك محاطا بكم هائل من الاعلانات التجارية. ولا تلام المحطات التلفزيونية على ذلك فهي تجني من جراء هذه الاعلانات مبالغ ضخمة تغطي تكاليف بثها الذي قد يمتد اربعا وعشرين ساعة.والاعلان التجاري نفسه اصبح علما قائما بذاته اساسه ومنطلقاته علم النفس عامة وعلم نفس النمو خاصة مما جعله مؤثرا قويا في رفع القوة الشرائية لدى افراد المجتمع والقناعة الجماعية بالمنتج لدى المجتمعات.
ورغم تعدد الاسماء لنوع واحد من المنتجات نجد ان اسما واحدا لهذا المنتج مسيطر على اذهان الناس وان كان اكثر ثمنا من غيره من المنتجات المشابهة واذكر ان احد المنتجات الغذائية كان ذا رواج منقطع النظير لقناعة المستهلك به من خلال الاعلانات التجارية عنه حتى اتى منتج محلي مشابه اعلن عنه باسلوب علمي ركز في بدايته على زعزعة الثقة بالمنتج الاخر لفترة زمنية ليست بالقصيرة ومن ثم اتجه الاعلان الى اسلوب احلال الثقة بهذا المنتج محل المنتج السابق وقد نجح هذا الاسلوب الدعائي الذي اعتمد على مفاهيم وحقائق علم النفس وتحليل سلوكيات المجتمع وأعلم من خلال قراءاتي انه دفع الكثير في سبيل الوصول الى هذا المستوى من الثقة، وكان المردود المالي اضعاف ما دفع في الاعلانات التجارية.ان مثل هذه الممارسات التجارية في تجارة المواد الغذائية لها بعد تربوي يتمثل في امور ثلاثة هي:
اولا: ان السلوك الغذائي لدى الاطفال قد تغير نتيجة تأثير الاسلوب الدعائي للمنتجات الغذائية ذلك الاسلوب الذي اعتمد على مفاهيم علم النفس وتجاهل مفاهيم طبية اكثر اهمية وتأثيرا على اطفالنا فلا السكريات تؤخد بتوازن ولا الدهون تؤخذ بحكمة ناهيك عن الاصباغ ومواد الحفظ الكيميائية والاستخدام السيئ للاغلفة الورقية والبلاستيكية التي حذر منها العديد من الاطباء، ولكنها الاعلانات التجارية المصاغة باسلوب مقنع وبتكرار واصرار لترسيخ اهميتها في اذهان الصغار قبل الكبار.
ثانيا: ان السلوك الغذائي التقليدي والمتمثل في الوجبات الثلاث والخمسة عناصر غذائية الاساسية لم تعد ذات اهمية لدى الاطفال فهم يتناولون الحلوى والبطاطس المجففة والاصباغ التي تسمى عصائر في اي وقت. لذا فلن تجمعهم مائدة طعام مع والديهم وبذلك يفقدون الى جانب العناصر الغذائية الاساسية الهامة في النمو والوقاية من الامراض يفقدون جانبا تربويا هاما، فمشاركة الوالدين الوجبات الغذائية في اوقاتها يمثل بعدا تربويا هاما لا يقل عن البعد الصحي، فالعلاقة الحميمة مع الوالدين، والتنظيم الجيد في تناول الوجبات الغذائية واداب الاكل والمائدة فرصة لاكساب النشء السلوك الغذائي السليم والعلاقات الاسرية الحميمة والتعامل مع ما انعم الله سبحانه وتعالى به علينا من نعم يجب ان تقيد بالحمد والشكر لواهب النعم.
ثالثا: ان المتناقضات في الاعلانات التجارية عن منتجات متشابهة جعلت مفهوم الثقة والصدق والامانة والاحترام والتنافس الشريف من المفاهيم المطاطة المرنة التي يمكن تجاوزها لكسب ثقة الآخرين او التخلص من مشكلة ما. وهذه الامور التي نلحظها في الاعلانات التجارية بشكل مباشر قد نلحظها على المدى البعيد في سلوكيات شبابنا الذين يقعون في مغبة المتناقضات في بداية حياتهم بين ما يدرس لهم من قيم واخلاق ومبادئ حسنة وبين ما يشاهدونه من اغتيال لتلك القيم والمبادئ بشكل مباشر وغير مباشر فالامر لديهم حينها سيان.ولان الطفل لا يفرق بين الحقيقة والخيال والمعقول واللامعقول من اول وهلة فانه يقع في شراك الاعلانات التجارية وينتهج السلوك الذي يراه ممكنا ومقبولا ومحببا بدرجة ما تقدمه الصياغة للاعلانات التجارية من تبسيط لهذا السلوك وتهيئة الطفل له لاكتساب ثقته وتعلقه بالمنتج وهذا يصل بالطفل الى مرحلة القناعة بما يعرض عليه كمبدأ دون محاولة منه لتقييم ما يقدم له وابداء الرأي حوله وبذلك يصبح في المجتمع جيل اقل ما يقال عنه انه جيل التفلزيون والقنوات الفضائية بل الاعلانات التجارية.
ان المؤمل ان يقوم الوالدان بدور توجيهي مؤثر بحجم التأثير في الاعلانات التجارية وباسلوبين هما: اولا: ترشيد مشاهدة الاطفال للتلفزيون خاصة الاعلانات التجارية والمقصود من الترشيد محاولة حجبها عن الطفل او توجيه الطفل وتوضيح بعض المفاهيم المغلوطة في صياغة الاعلانات باسلوب ابوي محبب وعموما مشاركة الطفل المشاهدة مدعاة الى توضيح العديد من المفاهيم الصعبة عليه وإبراز الحدود غير الواضحة بين ما يجب ومالا يجب في سلوكيات الطفل فوضع الطفل في هذا المحك يجعله يعمل تفكيره في امور عديدة قد تتجاور المشاهدة والهرولة في ردهات الاعلانات التجارية.
ثانيا: ترشيد الاستهلاك الغذائي للطفل بعدم تمكينه من كل ما يطلبه من غير تعنت بل بالاقناع وتوجيه سلوكه الغذائي الى اغذية اكثر فائدة ومن المنتجات الطبيعية او الى منتجات تجارية اكثر ملاءمة لاحتياجاته الغذائية وبكميات محدودة واوقات متفاوتة لا تتداخل مع اوقات الوجبات الثلاث الرئيسية.
ان في الاعلانات التلفزيونية التجارية جوانب تربوية ايجابية فهي احيانا معززة للسلوك السوي عن طريق ابراز بعض السلوكيات الصحية والاجتماعية وهذا سلوك محمود لبعض الصياغات في الاعلان التجاري.
|
|
|
|
|