| عزيزتـي الجزيرة
وتواصلا لحديث سابق أقول إن المدرس الذي يلقي على الطلبة محاضرة في مزايا الصلاة وحلاوتها، وما تسبغه على الوجه من نور، وعلى النفس من رضا، وعلى الروح من شفافية، بينما هو مظلم الوجه، عكر النفس، غليظ الروح، إنما يثبت بفعله وحاله أن ما يقوله كلام يصلح لأن يكون مادة لأكل العيش أكثر مما يصلح ان يكون مادة لإصلاح النفس.
والواعظ الذي يدعو الناس الى دين الله ليصلح حالهم، وتطهر نفوسهم، وتقوى روابطهم، بينما هو مليء بالحقد، ساع في الفساد، راتع في الهوى، متجبر على خلق الله، لا يشعر عمله ولا خلقه ولا سلوكه بأنه مسلم، ما هو إلا تاجر يتاجر بدين الله، ويشتري بآياته ثمنا قليلا، ويضل بعمله أكثر مما يهدي بقوله، ولا إخاله يهتدي على يديه إنسان والشواهد قائمة.
والطبيب الذي يعالج الناس من أضرار الخمر، وأمراض الجنس المحرم وهو في الأمرين فارس حلبته ومغوار ميدانه يضرب أسوأ المثل للإنسانية في الكفر بما يدعو إليه، وفي التدني الى الهاوية التي يرشد الناس الى البعد عنها. إننا لا نستطيع أن ندعو الناس إلى الإسلام دعوة ناجحة مؤثرة إلا إذا كنا نحن صورة صادقة لهذا الإسلام في عقيدتنا، وعباداتنا ومعاملاتنا، وروح حياتنا، ونظام مجتمعنا. ولا نعتبر صادقين في دعوتنا وإقناعنا الآخرين بهذا الدين إلا إذا أسقطنا الشعار الزائف ورفعنا العمل الصالح في أنفسنا وبيئتنا المحدودة. وهدمنا صروح الظلم وشيدنا أبراج العدل في أصغر مجتمع نعيش فيه، وكبّرنا إلها واحدا هو الخالق المدبر الرحمن الرحيم اللطيف بعباده، وأزلنا كل آثار الجاهلية من أنفسنا وبيوتنا ومن مجتمعنا واستقمنا على طريق الله وحده قائلين في إيمان عميق : «لا إله إلا الله والله أكبر».
من هنا نبدأ. من تغيير أنفسنا.. فإن صدقنا في هذا التغيير ونجحنا فإننا حينئذ نستطيع ان نغير كثيرا، ولن يكون التغيير بأيدينا إنه بيد الله تعالى يجريه على أيدينا حين نصدق ونثبت.
فنطرح كل تشريع لغير الله ورسوله جانبا، وننبذه بغير هوادة أو رحمة، ونصر بقوة على أن يسود بيننا حكم الله وحده.
ونعلنه في السلوك فنكون رحماء متعاطفين، مبشرين لا منفرين، مصلحين لا مفسدين، مجتمعين لا متشتتين، متعاونين على البر والتقوى، متواصين بالصبر والرحمة. مضحين بالنفس والمال في سبيل إغاثة اللهفان، وإشباع الجوعان، وقضاء حوائج المحتاجين، ودفع الظلم عن المظلوم، وإنصاف الناس من الناس ومن أنفسنا، حتى تصبح سيرتنا وأخلاقنا مثلا مضروبا، وأمرا شائعا يتحدث به الناس. حينئذ تكون حياتنا المثالية هي الوسيلة العظمى للدعوة الى مبادئنا، ويكون نجاحنا دليلا شاهدا على صلاحيتنا للقيادة والهداية وأننا خير أمة. وسوف نجد الكثيرين يبحثون عنه ويدرسون مناهجنا ويتعمقون في الكشف عن مزايا الدين الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه. ومن هنا يكون التغيير هو الأساس في تحويل المجتمعات الى الخط الرباني المشرق الذي ثبت نجاحه وفشل غيره. ولذا قال تعالى: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم. )سورة الرعد آية 11(.
وهذا هو معنى ما قاله شعيب لقومه كي يتبعوه ويتركوا ما هم فيه من كفر وظلم قال تعالى: «وما أريد أن أخالفكم إلا ما أنهاكم عنه» صدق الله العظيم )سورة هود(.
وهي الحجة التي اعتمد عليها مؤمن أهل القرية إذا قال لقومه يحضهم على متابعة الرسل والأخذ بما جاءوا به قال تعالى: «اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون». صدق الله العظيم )سورة يس آية 21(.
ولو أننا نجحنا في إصلاح أنفسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا الصغيرة لاستطعنا أن نضم إليها الآخرين في سهولة أكثر وفي وقت أقل، واستطعنا أن نكون القدوة الناجحة الواعية المتبصرة، التي تقول للناس: هنا إسلام محسوس ومنظور فاتبعوه، وانضموا الى معتنقيه لتفوزوا فوزهم وتسعدوا مثلهم، وتشعروا كما شعروا بجمال الحياة، وراحة النفس، وطمأنينة القلب.
سعد مسفر شفلوت
منطقة عسير سراة عبيدة
|
|
|
|
|