| مقـالات
سؤال يطرح نفسه مع كثرة الرافعين لهذه الراية الذين يدَّعون أحقيتهم بالدفاع عن المرأة والسعي لرفع الظلم عنها وإعادة حقوقهاالمهدرة.
لكن ثمة سؤال آخر يطرح نفسه أيضاً وهو: هل المرأة بحاجة إلى من يدافع عنها ويطالب بحقوقها؟
الإجابة عن هذا السؤال تأتي من خلال النظر إلى حال المرأة في المجتمع وموقفها من المحيطين بها قوة وضعفاً، لأن الضعيف عادة هوالذي يحاج إلى قوي يدافع عنه ويسعى لرد حقوقه.
والمرأة لا شك أنها الطرف الأضعف في مقابل الرجل ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة» وحث صلى الله عليه وسلم الرجال على العناية بالمرأة فقال: «استوصوا بالنساء خيراً» والأحاديث في هذا الباب كثيرة، كلها تحث على عدم استغلال هذا الضعف للتسلط والتجبر وهضم الحقوق. ومعني هذا أن نقف جميعاً مع الطرف الأضعف لأخذ حقوقه ومنع التعدي عليه ولذا كانت أول خطبة خطبها الصديق رضي الله عنه بعد خلافته قال فيها: «الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه».
ولكن ليس معنى هذا أن نظلم القوي بسلب بعض حقوقه لنعطيها للضعيف، فهذا من الظلم الذي لا يرضاه الله وإن وقع على الطرف القوي.
ولذا فالغني قوي في مقابل الفقير ونحن مع الفقير حتى يأخذ حقه الذي فرضه الله له من الغني لكن تجاوز هذا الحد أو الحق يعتبر من الظلم وهذه المعادلة هي التي يجب أن تقر في العلاقة بين الرجل والمرأة.
إن الذي يسعى للدفاع عن المرأة ينبغي أن يعلم الحقوق التي للمرأة والحدود التي يجب أن تنتهي عندها هذه المدافعة والمرافعة.
يؤكد على هذا في هذا العصر على وجه الخصوص ما نرى فيه من كثرة الرافعين لهذه الراية الذين جعلوها سلّماً لتحقيق أغراضهم الشخصية ووسيلة لنشر أفكارهم المنحرفة التي لا يمكن أن تلقى أي قبول لو جاءت مجردة، فرفعهم هذه الراية البراقة التي ظاهرها الدفاع عن المظلوم ومساعدة الضعيف ورد الحقوق إلى أهلها يؤيده كل منصف، أما باطنها فوراءه ما وراءه من المكر والخداع والتضليل وإلباس الحق بالباطل.
إن صور الظلم الاجتماعي وقعت وتقع على كثير من فئات المجتمع من الضعفاء الذين يشتكون من قلة الناصر والمعين.
ونحن يجب ألا ننكر ما يقع من الظلم على المرأة من بعض فئات المجتمع من هضم لحقوقها واهدار لكرامتها وازدراء لشخصيتها حيث ظن البعض أن مهمتها في هذه الحياة تقتصر على الحمل والولادة ولا شأن لها بعد ذلك بشيء آخر فحرمت من حقها في التعليم وزوجت من غير إذنها أو رضاها ويأنف كثير من الناس من مناداتها باسمها. هذه وغيرها صور لإهدار كرامة المرأة المسلمة وهي بلا شك نظرة جاهلية تسربت إلى المجتمع الإسلامي كما تسرب غيرها من المفاهيم المنحرفة. استغل أعداء المرأة هذه الصور الاجتماعية القاتمة التي لا يرضاها الشرع فشنوا عليها الحرب وألحقوا بها الكثير من التشريعات الربانية الخاصة بالمرأة المسلمة وزعموا أنها جميعا تقاليد بالية فيها ظلم للمرأة وهضم لحقوقها فحاربوا الحجاب الشرعي ودعوا إلى السفور والتبرج وطعنوا في تعدد الزوجات وطالبوا بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وكل هذه تشريعات ربانية جاءت بنصوص الكتاب والسنة فليست من صنع البشر أو من انحرافات المجتمع أوتقاليد الناس.
إن تحرير المرأة عند هؤلاءأن تتحرر من عبوديتها لله تعالي لتكون أسيرة الهوى والشهوة ووسيلة للفتنة والغواية.
هربوا من الرق الذي خُلقوا له
قبلوا برقِّ النفس والشيطان |
)أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون(.
وخلط هؤلاء بين الأمرين، بين صور الظلم الحقيقي الذي وقع على المرأة من قِبَل بعض أفراد المجتمع والذي يجب السعي إلى إزالته وتصحيح الصورة ورفع الظلم وبين التشريعات المحكمة التي جاءت من عند الله تعالى والتي فيها الخير والفلاح والصلاح للمجتمع.
والله تعالى قد حرم الظلم على نفسه فقال جل وعلا في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».
فالظلم والجور في الانحراف عن شرع الله تعالى والخروج عليه ومعارضة أحكامه فالمدافع عن المرأة حقيقة هو الذي يسعى لاعطائها حقوقها التي ضمنها الله تعالى لها فهو سبحانه الذي خلقها كما خلق الأشياء كلها وهوتعالى أعلم بما يتناسب مع خلقها وطبيعتها وفطرتها.
والرسول صلى الله عليه وسلم هوالذي أعاد للمرأة حقوقها المسلوبة ورفع الظلم الواقع عليها حيث لم يكن لها حق الأرث وكانوا يقولون «لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة»بل أعظم من ذلك كانت تورث كما يورث سائر المتاع. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان الرجل إذا مات أبوه أو حموه فهو أحق بامرأته إن شاء أمسكها أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها أو تموت فيذهب بمالها، ولم يكن لها على زوجها أي حق وليس للطلاق عدد محدود ولا لتعدد الزوجات عدد معين وكانت المرأة تمسك ضرراً للاعتداء وتلاقي من بعلها نشوزاً أو إعراضاً وتترك أحيانا كالمعلقة وكان من المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الاناث، أما حداد المرأة على زوجها في الجاهلية فشر حداد وأقبحه، فقد جاء عن زينب رضي الله عنها قالت: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا «وهوالبيت الصغير المظلم داخل البيت» ولبست ثيابها ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر عليها سنة ثم تؤتى بدابة: حمار أو طير أو شاة فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره. وأعظم من ذلك كله ما كان عندهم من وأد البنات. قال تعالى: )قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم( وقال تعالى: )وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت( فجاء صلى الله عليه وسلم ورفع كل هذا الظلم عنها وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما النساء شقائق الرجال» فمن أراد أن يرفع الظلم عن المرأة فليستن برسول الله صلى الله عليه وسلم وليدع إلى شريعته، ففيها العدل والرحمة واعطاء كل ذي حق حقه.
ولتحذر المسلمة من دعاة التحرير الذين يصدونها عن سبيل الله ويدعونها للتحرر من عبوديتها لله تعالى حتى وقر في قلوب الناس وأذهانهم أن تحرير المرأة يعني محاربة شرع الله والخروج عليه ولذا لو نسبنا هذا التحرير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي حررها فعلاً مما وقع عليها من ظلم الجاهلية لأكبر الناس ذلك، لأنه يتبادر إلى أذهانهم لأول وهلة دعاة التحرير اليوم الذين يسعون لتحرير المرأة المسلمة من أحكام دينها.
جامعة أم القرى.
|
|
|
|
|