|
| وَرّاق الجزيرة
أحسن الأستاذ فايز الحربي كثيراً لتاريخنا حينما أصدر موسوعته «التنظيمات القانونية والقضائية لدى قبائل الحجاز قبل العهد السعودي» أقول أحسن لأنه في كتابه هذا أبان لنا عن منهج رائع وعلمي في التعامل مع الوثيقة التاريخية واستنطاقها بكل الصور الممكنة واستخراج الفوائد والاستنتاجات من نص الوثيقة من عدة جوانب منها الشرعي والقضائي والاجتماعي والاقتصادي.
وهذه الطريقة اعني تفكيك الوثيقة من كل جوانبها هي المسار الصحيح الذي لا يستطيع ان يسير عليه الكثير من الباحثين فبعض الباحثين مع كل اسف حينما تمر به الوثيقة لا يستخرج منها سوى فائدة واحدة ولا أكثر فتجد بعضهم يستخرج من الوثيقة ان فلاناً هو ابن فلان! مع عدم اهتمامه بألفاظها ولغتها وظروفها، وتجد بعض الباحثين لا يهمهم من الوثيقة سوى المعلومة التاريخية مثل ان فلاناً هو الحاكم في تلك المنطقة، مع انه قد يكون في الوثيقة معلومات أهم مثل اسم الناسخ وتاريخ النسخ، إذ ان هذه المعلومة لا توجد في غير هذه الوثيقة، مع ان معلومة ان فلان هو الحاكم متداولة في أكثر من مصدر آخر!.
اقول هذا الكلام بعد أن طالعت ما كتبه الأستاذ فايز الحربي في كتابه «التنظيمات القانونية والقضائية....» الذي جعل الوثيقة هي لب الكتاب وروحه لكنه تعامل معها بطريقة تضيء الطريق للباحثين بعده.
فهذا الكم الهائل من الوثائق التي استخرجها اخونا الحربي وعلَّق عليها لم يدع كل وثيقة تستقر في مكانها حتى يحاكمها محاكمة صارمة ويستخرج منها كل ما تملك من معلومة ظاهرة او مستترة، وحتى لا يكون الكلام نظرياً هاك عزيزي القارئ الكريم بعض النماذج:
قال عند وثيقة مؤرخة في سنة «1140ه» هناك الكثير من الإشارات والمعلومات التاريخية التي يمكن استفادتها من نص الوثيقة فيما يتعلق بالجوانب اللغوية والعملة النقدية السائدة.
وقال عند وثيقة أخرى مؤرخة سنة «1242ه«: ان مجاري عيون الماء في الخيف تتعرض احياناً للدمار بسبب السيول العظيمة او الحروب التي تشنها السلطة في الحجاز وخصوصاً في عهد تواجد قوات محمد علي باشا...
وعلى العموم هذه الدراسة بجزأيها تتضمن الكثير من المعلومات التي تتجاوز الموضوع الرئيس للكتاب إلى موضوعات متفرقة مهمة ومتنوعة، وأحسن الاستاذ فايز الحربي حينما جعل لكل جزء من هذا الكتاب تقدمة بقلم أحد الاساتذة الذين لهم حضور ملموس وهما الدكتور الحازمي والدكتور الردادي.
وختاماً لا نستطيع إلا ان نقول: ان مثل هذه الدراسات الجادة مطلب علمي وثقافي في زمن لا يقبل حديث أي باحث او مؤلف في أي فترة تاريخية دون التوثيق الدقيق والعبارة التي تؤدي الدور على أكمل وجه، هذا ما يجعل الآخر يحترم ما نقدمه في زمن لا يليق بأن يكون الحديث عن الماضي ترديد قصائد أو نقل أخبار تحتاج إلى إعادة نظر.
|
|
|
|
|
