| محليــات
...... ولئن كان هناك من يستيقظ ضميره متأخراً، فهناك من لا يستيقظ فيه الضمير أبداً.... ولعل من يتساءل عن سرِّ يقظة الضمير، هل هو الخوف من الله تعالى؟ أم الخوف من العذاب، في شكله المطلق كي لا يمسَّه بأي شكل من أشكاله، سواء في الدنيا الفانية، أو الأخرى الباقية؟، فإن كان الأول، فلعلَّ العقل يفرض على من يخاف الله أن يتَّقيه منذ البدء، أي يكون الخوف من غضب الله وعقابه يتلازم مع الرجاء في عونه ومساعدته في اجتياز دروب تقوده إليه نوازعه الضعيفة، تلك التي تنطلق من بشريَّته ودوافعها ورغباتها... ولكي لا ينام ضميره فهو في متابعة أمر الحقيقة التي مفادها: إن الله يُمهل ولا يُهمل...، أما إن كان الخوف فقط من مجرد العقوبة فإن هذا المرء عليه مراجعة أمر «إيمانه» كثيراً... فالله يرى الإنسان وهو تعالى يتولى أمر سرِّه وعلانيته...فالنّاس جبلت على سلوك دروب الذات، وتحقيق كلِّ أمر يوفِّر لها ما يجعلها تتفرًَّد بما تريد،...
هناك من الضمائر ما تنام عن حق غيرها، ولا أصعب في هذا الجانب من انتهاك حق الآخر فيما يرتبط بأمر معاشه، وبقائه، وتوفير الحياة المطمئنة له.... فإن كان صاحب قرار، أو بيده أمرغيره، ورغب عنه، وكره أن يكون إليه فهو يتفنن في أمر إقصائه، وتضييق الخناق عليه، وسد المنافذ من حوله، وهو لكي يحقق هذا يسعى كل مسعى، لا يتردد أن يؤلف القصص التي تدين الآخر، ولا يتقاعس عن «لملمة» كافة المنثورات التي حوله كي يصمه بما لا يرضى، يطعن فيه ولا يدع له جانبا إلا وخزه...، يتتبع عوراته، ويجري وراء مثالبه، فإن لم يجد، طرز ثوباً مثقوباً من كلِّ جانب يحقق له اتخاذ قراره بشأن إقصاء هذا الأخير عنه،... فهو قادر على حماية نفسه، ذلك لأن صاحب الضمير النائم هو صاحب همَّة شيطانية يقظة في أمر كل أمر يحقق له مقاصده...
وكثيراً ما فقد الناس فرص معاشهم، وكثيراً ما تعطلت بهم أسباب الحياة، وكثيرون من يعانون من أذى ذوي الضمائر النائمة، ممن هم في سدَّة العمل، وعلى رأس ذوي القول فيه، وكثيرون من هُضمت حقوقهم، وكثيرون من ذهبوا ضحية أصحاب الجوخ اللامع الذين يربت عليهم من يعزف لهم الجوقات، ويلوّن لهم البسمات، وينمِّق لهم الكلمات، وهم في سبات... ضمائرهم في اجازات...كما أن هناك كثيرين ممن فقدوا فرص الدفاع عن أنفسهم، ومناكبة الكاذبين أو الوصوليين، أو الذين يجترئون على التقاط فتات اللقمات التي تؤود الآخرين...
ومن الذين تنام ضمائرهم من أَلحق بجاره الضرر، ومن ظلم زميل عمل، ومن انتهك حق قريب، ومن اعتدى على ما لا يملكه من إنسان لا يملك حجة القول، أو وثيقة الإثبات...
ولقد تخطى أمر النائم ضمائرهم... وتفشَّى أمرها... في زمن ضعف فيه إيمان الناس، وعلى وجه الخصوص لأن نوم الضمير ليس أمراً ملموساً، ولا هو مسجل على ورق اثبات، ولا شواهد له إلا نتائج تصل بالآخرين الواقع عليهم نتائج هذا النوم إلى أن يظلموا ولا يجدوا من يمنحهم فرص العبور، بالتخلص من هذه النتائج.... فكم من الزمن يبذلونه حتى تتضح هذه النتائج، وتستيقظ الضمائر؟
ألا تحتاج ضمائر الذين تنام في صدورهم إلى ما يوقظها؟ وبقوة، وبعنف، كي يأخذ كل إنسان فرص الحياة في منأى عن عراقيلهم؟!...
وكي يعي الناس كلُّ الناس أن الله خلق الحياة للتعمير لا للتدمير؟
وأن كلَّ إنسان مناطة به نتائج أفعاله، أسرعت إليه هذه النتائج، أم أُجِّلت له؟...أفسحوا الدروب للهواء النقي كي يتسلل إلى صدر الحياة في صدور أبناء الحياة...، أيها الناس... وليكن منطلقكم الإيمان الصادق بأن الإنسان لا يناكب الآخر إلا يوم يقف بين يدي خالقه فإما نعيم مقيم، وإما شقاء مستديم...
فإلى أي النتيجتين تريد أن تصل أيها المدير في ادارته، ورئيس المجلس في وظيفته، وراعي الأسرة في أهله، وصاحب العقار مع المستفيدين منه، والجار في موقعه، وصاحب القرار في مسؤوليته، ومن بيده مفاتيح الأبواب التي يفتحها للآخر أويوصدها.... وضميره على الحال التي تتيح له ذلك، أو تقصيه عنه.
فنوم الضمير وخيم العواقب.
ويقظته شعلة ضوء في دروب الخير، والحق، والصدق.
|
|
|
|
|