| متابعة
*
* إعداد القسم السياسي بالجزيرة:
منذ الوهلة الأولى للتصريحات السعودية الإيرانية التي تواترت عن قرب توقيع اتفاق أمني بين المملكة والجمهورية الإيرانية الإسلامية والاهتمام الاقليمي والدولي بهذه التصريحات يتزايد نسبة للقيمة السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمثلها مثل هذا الاتفاق الثنائي عطفا على الثقل الراجح الذي تمثله الدولتان في منطقة الخليج العربية بالغة الأهمية لموقعها الجغرافي الاستراتيجي ولدورها الفريد في تغذية الاقتصاد العالمي بأساس حركته ونشاطه وهو الزيت الذي به تدور آليات الصناعات والزراعة وتطور الحياة الاجتماعية وتنامي العلاقة الدولية على منهج التعاون لخير الشعوب.. والاتفاق الأمني الذي سيوقعه سمو وزير الداخلية في طهران مع نظيره الإيراني يمثل فتحا لباب واسع من العلاقات التاريخية القديمة والوسيطة والحديثة المعاصرة بين الدولتين الخليجيتين الإسلاميتين الجارتين الكبيرتين اللتين ينظر الى تعاونهما في كل المجالات وخاصة المجال الأمني الذي يحقق الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي، ويؤمن للتنمية الاقتصادية أفضل مناخاتها، ينظر اليه على انه القاعدة الأساسية لبناء قوة أمنية ودفاعية واقتصادية عظيمة في المنطقة، ستكون دعما للأمة العربية والأمة الإسلامية العريضة، وتلعب دورها في تكريس الأمن والسلام الدوليين. وفيما يلي رصد للخلفية التاريخية للعلاقات السعودية الإيرانية، ومحصلة الاتصالات والزيارات التي تبودلت بين قادة الدولتين وكبار المسؤولين فيهما، بمناسبة زيارة سمو وزير الداخلية لإيران اليوم.
صفحة من تاريخ العلاقات الثنائية
تعتبر المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية الإسلامية من أهم دول الخليج والعالم الإسلامي لما تتمتعان به من موقعين استراتيجيين، من حيث المساحة الجغرافية، والكثافة السكانية، والمخزون الضخم من البترول كثروة وطنية تمثل عصب حياة ونشاط الاقتصادين الوطنيين وكذلك عصب حياة ونشاط الاقتصاد العالمي الأمر الذي يعزز من نفوذ الدولتين السياسي والأمني والعسكري في الساحتين الاقليمية لتأمين استقرار المنطقة الخليجية، والعالمية لتكريس الأمن والسلام الدوليين.
اعتراف متبادل ومعاهدة صداقة
وترجع بداية العلاقات السعودية الإيرانية الى عهد المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود وذلك عندما وجه جلالته يرحمه الله الدعوة لإيران لحضور أول مؤتمر قمة إسلامية في التاريخ الحديث والمعاصر والذي دعا لعقده من أجل بحث عدة مسائل هامة تتعلق بشؤون المسلمين وذلك عقب مبايعته ملكا على الحجاز عام 1344ه الموافق عام 1926م.
وقد أعقب ذلك المؤتمر الاعتراف الدبلوماسي المتبادل بين الدولتين والتوقيع على معاهدة صداقة في عام 1348ه الموافق عام 1929م.
أول زيارة سعودية رسمية لإيران
وإثر توقيع هذه المعاهدة بدأت سلسلة الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين الشقيقتين الجارتين، وبصفة خاصة الزيارة التاريخية الأولى التي قام بها المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز لإيران عام 1932م وكان يومئذ أميرا ووزيرا للخارجية.
وكان هدف تلك الزيارة تطبيق مبدأ السياسة الخارجية السعودية الداعي الى تدعيم العلاقات مع الدول الإسلامية بصفة خاصة.
تحصين الخليج والعالم الإسلامي
ضد الشيوعية
ومما لا شك فيه ان فترات التقارب بين المملكة وإيران بعد إقامة العلاقات الرسمية بينهما كانت فاتحة خير للمنطقة الخليجية وذات فوائد كثيرة للعالم الإسلامي خاصة وللعالم الخارجي بصفة عامة.
ولعل من بين أهم تلك الفوائد اتفاق الدولتين على التعاون السياسي والأمني لتحصين المنطقة الخليجية والعالم الإسلامي ضد المد الشيوعي ومواجهته باعتبار الشيوعية فكرة هدامة يريد بها معتنقوها بث الالحاد بالله، والكفر بالدين الإسلامي بين أبناء وبنات الأمة الإسلامية.
تحقيق التضامن الإسلامي
ومن الخيرات والفوائد التي تحققت للعالم الإسلامي أيضا الدعوة السعودية الإيرانية المشتركة بعد الاتفاق عليها لتحقيق تضامن إسلامي عريض، يكون قاعدة لاستعادة الوحدة بين أطراف الأمة الإسلامية عن طريق العمل المشترك بين قادتها وحكوماتها ومنظمات الدعوة الرسمية والشعبية للتقارب والتفاهم بين المسلمين.
استقلال البحرين وحماية عمان
ولعل من الفوائد التي تحققت في إطار التضامن الإسلامي نجاح الدور السعودي الذي حكم به الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله لانتزاع استقلال إمارات منطقة الخليج العربية مثل إمارة البحرين التي كان لشاه إيران الراحل أطماع فيها.
كما حقق نفس الدور السعودي دعم استقلال سلطنة عمان عندما تعرضت للخطر الشيوعي.
العلاقات الثنائية في عهد الملك فهد
ومنذ ذلك التاريخ والعلاقات الثنائية بين المملكة وإيران تسير في طريق النمو والتطور نحو طموحات القيادتين فيهما لتحقيق المزيد من التقارب والتفاهم والتعاون وتبادل المنافع لما فيه خير الشعبين الشقيقين وخير الأمة الإسلامية.
ورغم التقلبات التي اكتنفت هذه العلاقات عبر مسيرة عقود زمنية عديدة بما تفرضه المستجدات السياسية والمتغيرات الأمنية من توتر وبرود ونشاط ومودة، إلا أن هذه العلاقات لم تنقطع، كما أن مسيرتها نحو النمو والتطور لم تتوقف، حتى تسلم القيادة في المملكة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله وقيام الثورة الإسلامية في إيران حيث برزت عناصر ارتقت بالعلاقات الثنائية الى مستوى الخصوصية في إطار الأخوة الإسلامية وصيغة التضامن الإسلامي كقاعدة للتعاون والعمل المشترك.
ولعبت المتغيرات الاقليمية والدولية التي تهم الدولتين والعالم العربي والإسلامي، دورها في تعزيز التقارب السعودي الإيراني وتكريس لغة التفاهم العميق لما يتعين على الدولتين عمله بحكم ثقلهما الراجح في منطقة الخليج الاستراتيجية وفي العالم الإسلامي.
زيارات ولي العهد والنائب الثاني ووزير الخارجية
ومن أجل ترجمة هذا التعاون والتفاهم الى واقع محسوس في مسيرة العلاقات الثنائية زارها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وزارها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.
وقد كانت لهذه الزيارات الثلاث فعلها النشط وأثرها الطيب في تعميق أواصر الصداقة ووشائج الأخوة وروح التفاهم ووضوح الرؤية السياسية لأهداف الحاضر والمستقبل سواء بالنسبة لمصالح الدولتين الشقيقتين أو بالنسبة لمصلحة المنطقة الخليجية والعالم الإسلامي.
زيارات الجانب الإيراني للمملكة
وعلى صعيد الجانب الإيراني فقد شهدت المملكة زيارات رسمية متعددة من جانب القادة الإيرانيين.فقد زار المملكة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رافسنجاني.
كما زارها الرئيس الإيراني الحالي محمد خاتمي ولقائهما بخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني حيث أذابت هذه الزيارات بقية الجليد البارد في العلاقات الثنائية.
ما عبر عنه الجانب الإيراني عن العلاقات
وقال الرئيس خاتمي (إن الزيارات المتبادلة تكتسب أهمية كبيرة).
ومن ناحية أخرى قال وزير خارجية إيران عقب مباحثات له مع سمو وزير الخارجية سعود الفيصل (ان المحادثات عالجت بطريقة جوهرية مسائل الأمن والاستقرار في منطقة الخليج).
ومن جانبه صرح وزير الدفاع الإيراني ان التعاون في ميدان الأمن والدفاع كان من بين أهم الموضوعات في المباحثات السعودية الإيرانية.
اللجنة السعودية الإيرانية المشتركة
ومن أدلة ذلك التعاون وثماره، ما أكدته أعمال اللجنة السعودية الإيرانية المشتركة في ثالث وآخر اجتماع لها عقد يوم الثلاثاء 28 يناير 2001 في الرياض حيث عالجت المباحثات مجموعة متنوعة من الموضوعات التي ترمي الى توسيع مجالات التعاون المتبادل في ميادين الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية وقالت «واس» يوم الأحد 28 يناير 2001م : (إن اللجنة السعودية الإيرانية المشتركة قامت باستكشاف زيادة نوعية وكمية المبادلات التجارية وتهئية الأرضية لفرص الاستثمار وتنفيذ المشروعات المشتركة.
كما رسمت اللجنة أيضاً الاستراتيجيات العملية المناسبة لتبادل الخبراء والمعلومات في الميادين العلمية وعقد المناقشات الخاصة بالزراعة والاقتصاد الحيواني والمياه ومقاومة أمراض الأعشاب وتبادل المعلومات في مجال الأوقاف والتعاون على توسعتها والمشاركة في مسابقات ترتيل وحفظ القرآن الكريم التي تعقد في البلدين.
صياغة الاتفاق الثنائي في المجال الأمني
ومن بين المهام التي اضطلعت بها وحققتها اللجنة المشتركة صياغة الاتفاق الأمني الثنائي بحيث تعمل الدولتان معا للتغلب على المصاعب في هذا المجال الحيوي بالنسبة لاستقرارها واستقرار المنطقة برمتها.وفي اكتوبر الماضي تبادلت الدولتان زيارتين لتأكيد الاتفاق
زيارة سمو وزير الداخلية لإيران
وتأتي زيارة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز الآن للجمهورية الإيرانية تأتي تتويجا للجهود التي بذلتها الدولتان لصياغة الاتفاق الأمني بينهما والذي سيوقعه سمو وزير الداخلية مع نظيره الإيراني خلال هذه الزيارة.
الأمير سعود الفيصل في طهران
وفي شهر رجب من عام 1421 استقبل فخامة الرئيس الإيراني محمد خاتمي في طهران صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.
ووصف فخامة رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الاسلامية بأنها ممتازة وقال فخامته ان تقارب البلدين الاسلاميين الكبيرين على الصعيدين الاقليمي والدولي كان له تأثيرات ايجابية وساعد في رفع مكانة العالم الاسلامي والبلدان الاسلامية مشيرا إلى رغبة كبار مسؤولي البلدين في توطيد العلاقات الثنائية.
وبين خاتمي ان تضامن المملكة العربية السعودية وجمهورية ايران الاسلامية بإمكانه ان يكون بلسما لجراح وآلام ومعاناة المسلمين.
وأعرب الرئيس الإيراني عن أمله بتعزيز التعاون بين البلدين في مجال التعاون العلمي والفني والاقتصادي والتجاري.
وأكد خاتمي ان التفاهم بين المملكة العربية السعودية وإيران في إطار منظمة الأوبك يعد بلاشك أحد عوامل تعزيز هذه المنظمة على الصعيد الدولي.
وأعرب الرئيس خاتمي عن أمله في استمرار هذا التعاون وان تتمكن البلدان المصدرة للنفط في الدفاع عن مصالحها وان توفر اكثر فاكثر أرضية استقرار الاسعار في الاسواق النفطية.
وقد نقل صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية خلال المقابلة تحيات وتقدير خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني لفخامة الرئيس محمد خاتمي وتمنياتهم بدوام التقدم والازدهار للشعب الايراني.
وقال سمو وزير الخارجية وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية انه ناقش خلال المقابلة التعاون بين البلدين في منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك واصفا هذا التعاون بأنه يساعد في تحسين صورة هذه المنظمة.
وأكد سموه على المواقف المشتركة للبلدين بشأن القضية الفلسطينية.
اهتمام محلي واقليمي ودولي بالاتفاق
وسيتم توقيع الاتفاق الأمني بين المملكة وإيران في ظروف تشهد فيها منطقة الخليج تحديات أمنية حقيقية مثيرة للقلق وتتطلب اليقظة والحذر.
كما تتطلب تكثيف الاتصالات بين قادة دول المنطقة عموما، وقادة المملكة المعنيين بالشؤون الأمنية خصوصا.
وتجيئ زيارة سمو وزير الداخلية لإيران في هذا السياق مما جعلها وجعل هدفها وهو توقيع الاتفاق الأمني كل اهتمام محلي واقليمي وعالمي واسع ومتابعة سياسية وإعلانية لهذا الحديث التاريخي الذي يعد بكل أبعاده نقطة تحول جذري في العلاقات الثنائية بين المملكة والجمهورية الإيرانية الشقيقة.
سيكون نموذجا في العالم الإسلامي
والمتوقع حسب الخبراء والمراقبين أن يكون توقيع الاتفاق الأمني بين المملكة والجمهورية الإيرانية وتطبيقه على أرض واقع علاقاتهما الثانية، أن يكون نموذجا مثاليا للتعاون في هذا المجال بين دول العالم الإسلامي حتى يمثل هذا التعاون الأمني حلقة أساسية ضمن حلقات الوصل والتواصل والتعاون من أجل استعادة الوحدة العضوية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والأمنية والدفاعية بين الدول الإسلامية ومن ضمنها الدول العربية التي تمثل القلب النابض في العالم الاسلامي .
|
|
|
|
|