| مقـالات
جمعية الهلال الاحمر السعودي جمعية ذات صبغة تطوعية اسعافية وانسانية، وقد أنشئت هذه الجمعية بموجب المرسوم الملكي رقم 1 في 16/1/1383ه ونصت المادة الثالثة من نظامها على ان هدف الجمعية السعي لتخفيف حدة المصائب والآلام البشرية دون اي تمييز او تفرقة في المعاملة لأي سبب. كما جاء في المادة السادسة فقرة أ: ان من أعمالها ان تقوم بالاستعداد للعمل في زمن السلم وفي زمن الحرب بصفتها مساعدة للادارات الطبية في القوات المسلحة على سبيل التعاون والتكامل.
وجاء في المادة ذاتها فقرة ج: ان تقوم بتوفير الاسعافات العاجلة الضرورية لضحايا الحوادث والكوارث والنكبات العامة. وجاء في المادة ذاتها فقرة ح: ان من اهدافها الاسهام في الخدمات الانسانية والاجتماعية بما يتفق ورسالة الهلال الاحمر. وجاء في المادة ذاتها فقرة )ي(: ان من مهامها توثيق الصلات وتبادل المعونات الممكنة بينها وبين جمعيات الهلال الاحمر الدولية وغيرها من الهيئات المماثلة. وجهود جمعية الهلال الاحمر السعودي جهود مباركة باذن الله وظاهرة للعيان غير انه من العدل ان يقال: ان الامل المعقود عليها اكبر من واقعها بكثير ولكننا نلتمس لها العذر اذا نظرنا الى الامكانات المتاحة لها والقاعدة العرفية تقول: )الجود من الموجود(.
للجمعية ممثلة في رئيسها معالي الدكتور عبد الرحمن السويلم مشاركة فاعلة في اللجان الاغاثية الرسمية والشعبية التي تشكلها الدولة لاغاثة المسلمين في مختلف بقاع الارض، وما اختيار معاليه مشرفا على الجهود الاغاثية الدولية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج سوى تأكيد على ما تقدمه هذه الجمعية ورئيسها من اعمال نافعة ومتعدية. والمشاركة في العمل الخيري سمة من سمات هذه الجمعية فلا عجب ان نرى معالي الدكتور السويلم رئيسا للجنة العلمية والاشرافية لمؤتمر الاعاقة الذي عقد بالرياض مؤخرا في رحاب مركز الامير سلمان لابحاث الاعاقة وجمعية رعاية وتأهيل الاطفال المعوقين والذي كنا نتمنى ان يولي الجوانب الدينية الشرعية في الاعاقة اهمية اكبر من حيث المشاركين ومن حيث الوقت المخصص لمناقشتها، ولكننا لحظنا في ذلك المؤتمر تركيزا على الجوانب الفنية للاعاقة اما الجوانب الدينية في الاعاقة فلم تطرح في المؤتمر بما يناسب خصوصية هذه البلاد تاريخا ومكانا واشخاصا، وهذه مناسبة للدعوة الى انشاء ادارة للشؤون الدينية في جمعية المعوقين وفي مركز الامير سلمان لابحاث الاعاقة ودعمها بالقدرات المؤهلة تأهيلا شرعيا! لابد من التأكيد على ان المملكة العربية السعودية ذات خصوصية دينية مكانية وتاريخية فمن حيث المكان فان المملكة العربية السعودية هي قبلة المسلمين في صلواتهم وفيها البقاع المقدسة التي لا تتم اركان اسلامهم الا بزيارتها في مواسمها الشرعية. ومن حيث الخصوصية التاريخية فان الدولة السعودية أسست على أساس ديني منذ بزغ فجرها، مؤكدة ذلك بالاتفاق التاريخي الميمون بين المحمدين الامام محمد بن عبد الوهاب والامام محمد بن سعود رحمهما الله. هذه الخصوصية الدينية ببعديها المكاني والتاريخي يضاف اليها الفطرة الاصيلة السليمة لدى افراد المجتمع السعودي، فمزيج ذلك كله هيأ المناخ الملائم والتربة المناسبة لنمو الشعور الديني في النفوس الذي لابد من استثماره الاستثمار الامثل وكان على مؤتمر الاعاقة ان يعطيه حقه من العناية. على أية حال يمكن القول: ان النشاط التطوعي يعد واحدا من اهم صور التعبير عن الشعور الديني المتنامي في المجتمع السعودي وقد قلت في مستهل هذا المقال: ان جمعية الهلال الاحمر السعودي مؤسسة ذات صفة تطوعية. بعد ذلك يمكن لسائل ان يسأل: اذا كانت جمعية الهلال الاحمر السعودي ذات صبغة تطوعية وهي مؤسسة سعودية نص نظامها على ان عملها مكمل لعمل القوات المسلحة على سبيل التعاون والتكامل وبما ان المملكة العربية السعودية ذات خصوصية دينية تاريخا ومكانا واشخاصا فلماذا لا يوجد في هذه الجمعية ادارة متخصصة للتطوع الدعوي او قسم للشؤون الدينية والارشاد والتوجيه اسوة بما هو موجود في القوات المسلحة والحرس الوطني ووزارة الداخلية؟ ووجود قسم للشؤون الدينية والارشاد والتوجيه في جمعية الهلال الاحمر ضرورة ملحة لأن اهم اعمال الجمعية الاسعاف وهذه تشهد حالات وفاة تتطلب وجود متخصص لتلقين المصاب الشهادة وتذكيره وتخفيف مصابه. الحقيقة انني لا املك جوابا ولكنني احمل في ذهني عددا من علامات الاستفهام والتعجب حول هذا الموضوع، لعل الايام القادمة تحمل جوابا لها والمأمول ان يكون في كل مؤسسة خيرية وتطوعية وكذلك في كل مبرة من المبرات قسم للشؤون الدينية او بتعبير علمي ادق )قسم للتطوع الدعوي( لانه من صلب متطلباتها وأهدافها. اذا قلت: انني لا املك جوابا فانني لن اعدم الامل بأن اجد الجواب الشافي في المؤتمر الثاني للتطوع الذي تنظمه جمعية الهلال الاحمر السعودي والمديرية العامة للدفاع المدني والغرفة التجارية الصناعية بالرياض بأمل وضع تصور لنظام تطوع وطني شامل لأن مراعاة خصوصية المملكة العربية السعودية ولاسيما في مؤسساتها الخيرية المنطلقة من دافع ديني ضرورة لا يصح تجاهلها تحت مظلة اي عذر ولاسيما في انظمتها العامة.
ما ارى انه حري بالتنبيه هنا هو ان مطالبتي في هذا المقال بانشاء ادارة للشؤون الدينية في جمعية الهلال الاحمر السعودي ليس معناها ان الجمعية تتجاهل اهمية الشؤون الدينية او انها مقصرة فيها. ليس الامر كذلك بل انني اتوسم في العاملين في هذه الجمعية وعلى رأسهم رئيسها ومساعدوه خيرا كثيرا وتوجها دينيا محمودا وليس ادل على هذا التوجه من سعي الجمعية الى تعيين ممرضات لاسعاف النساء في حالات الولادة وهو عمل رائع يستحق الاشادة والدعاء ويناسب خصوصية هذه البلاد وطبيعة حياة اهلها. وكل مخلص غيور يتمنى ان تطور هذه الخطوة الى الزام جمعية الهلال الاحمر السعودي وكل مستشفى حكومي وكل مستشفى ومستوصف خاص بتعيين طبيبات متخصصات للقيام بعمليات التوليد وقصر الاستعانة بالرجال في هذا المجال على الحالات التي تستدعي تدخلا جراحيا او علاجيا خاصا تتطلبه الضرورة وكما هو مقرر شرعا وعرفا فإن للضرورة احكاما تقدر بقدرها. المقصود من هذا المقال هو التنبيه الى ضرورة التنظيم في عملية التخطيط لأي عمل يراد له النجاح والعمل التطوعي في جمعية الهلال الاحمر السعودي ومثيلاتها من المؤسسات الخيرية كالمبرات هو من اهم الاعمال واشرفها فهو حري ان تحشد له الطاقات وان يخطط له التخطيط القوي الامين. ان ما تقوم به جمعية الهلال الاحمر السعودي من جهود اغاثية وتطوعية في الداخل وفي الخارج باسم المملكة العربية السعودية هو من الظهور بحيث لا يحتاج الى مزيد بيان، ولكنه في نطاق الجهود الخارجية تأكيد على محورين مهمين جدا اولهما: حرص القيادة السعودية على رعاية حق الاخوة الاسلامية وما يتبعه من التنزه عن المن والاستعلاء وثانيهما: ابتغاء الخير للمسلمين في جميع اقطار الارض وما يتبعه من السعي لرخاء المسلمين جميعا وتوحيد كلمتهم وصفوفهم. وهو قبل ذلك ومعه وبعده تأكيد على ان علاقة المملكة العربية السعودية بالعالم الاسلامي ليست علاقة مؤقتة بتطورات سياسية عابرة وليست علاقة يقصد بها بسط النفوذ والهيمنة باستغلال ظرف معين يعاني منه هذا البلد الاسلامي او ذاك وانما هي ضرورة وواجب عليها وعليهم جميعا. ان المأمول ان يحقق المؤتمر الثاني للتطوع الآمال المعقودة عليه بأن يتوصل الى تصورات مفيدة للعمل التطوعي والاغاثي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية وان يقام اساس هذه التصورات على الدراسات الميدانية الفاحصة من واقع الميدان وعقباته ومشكلاته مستنيرة بالحقائق العلمية النافعة ومستعينة بالتخطيط المحكم. ان تشتيت الجهود وبعثرتها من اشد الآفات فتكا بأي عمل مهما كانت اهدافه ومهما كان حجمه ولذا فان ما يعانيه سوق العمل التطوعي والاغاثي من عدم وجود آليات فاعلة لتنسيق جهود المؤسسات الاغاثية والتطوعية الرسمية والشعبية وبالتالي ضياع المؤسسات الصغيرة مقابل المؤسسات الكبيرة حري بالمعالجة الحاسمة والسريعة. لعل اقرب الطرق وصولا الى آلية فاعلة لتنسيق الجهود هو انشاء بنك معلومات وطني عن الجهود التطوعية والاغاثية الرسمية والشعبية في المملكة العربية السعودية يكون تابعا لديوان رئاسة مجلس الوزراء بحكم الاختصاص التنظيمي لانه المسؤول عن تنظيم هذه الجهود وهو الذي يملك الموافقة عليها او ان يكون هذا البنك تابعا لوزارة المالية والاقتصاد الوطني بحكم الاختصاص المالي والاحصائي. عن طريق هذا البنك يمكن حصر الجهود المبذولة في الداخل والخارج واعطاء صورة حقيقية عنها وتقديم احصاءات موثقة وارقام دقيقة للجهات العلمية المختصة والهيئات الدولية والباحثين. ويمكن عن طريقه تنسيق مواعيد الندوات والمؤتمرات العلمية التي تشهدها المملكة العربية السعودية والحيلولة دون حدوث تضارب في المواعيد بينها كما هو حاصل الآن بسبب عدم وجود قنوات رسمية مسؤولة عن تنسيق هذه المواعيد. ووجود هذا البنك سيتيح سرعة وفاعلية في الاجراءات الرسمية لعقد المؤتمرات والندوات العلمية في الداخل وفي الخارج بما يحقق وضوح رسالة وجهود هذه البلاد وقيادتها الرشيدة في المجالات العلمية والتطوعية والاغاثية ونحوها. العمل التطوعي في المملكة لن يكفيه عدة مقالات والمحاور المتعلقة به متشعبة جدا ولكن موضوع الاستفادة من المرأة في العمل التطوعي لم يأخذ حقه من الاهتمام وكذلك موضوع المباني الآيلة للسقوط، لذا فسوف اخصص باذن الله وبعد نهاية مؤتمر التطوع مقالا قادما عن «واقع التطوع النسوي والحاجة اليه والمباني السكنية والتجارية واثرها في عملية الحماية المدنية».
هذا وبالله التوفيق..
alsmariibrahim@hotmail.com
|
|
|
|
|