رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 15th April,2001 العدد:10426الطبعةالاولـي الأحد 21 ,محرم 1422

مقـالات

التربية الأخلاقية.. مَن يبني وَمن يهدم..؟!
حماد بن حامد السالمي
.. لا يكفي أن نتكلم على التربية والأخلاق؛ وأن نصرف كثير الجهد في تدبيج المقالات والمحاضرات والمناظرات والمقابسات؛ دون تطبيق فعلي لما ننادي به. الواقع وهذا شيء مؤسف إننا أمة نجيد الكلام؛ لكن لا نجيد ترجمة ما نقول إلى أفعال، ربما كنا نستمد هذه القدرة)الكلامية( الفريدة؛ من تراث أمة شعرية؛ ترى أن أصدق شعرها أكذبه..! لكن الناس غير الناس؛ والزمان غير الزمان؛ فهل يأتي اليوم الذي نترك فيه منبر الخطابة؛ وننزل إلى محراب العمل بما نقول..؟!
.. قضية الأخلاق والتربية قفزت في أيامنا هذه إلى قمة الذهنية في الأوساط العلمية والتربية والإعلامية والاجتماعية، وساد التفكير في المخاطر المحدقة بالناشئة، لما يتكرر بشكل شبه يومي؛ من حوادث شاذة غريبة؛ تأخذ طابعاً إجرامياً، وتهدد سلامة المجتمع وأمنه وركائز الخير فيه، ويرى المجتمع؛ أنها شاذة وغريبة فعلا، لأنه ربما لم يعهد مثلها من قبل، ولم يألفها في بدايات تكوينه، ولأن أخلاقيات الإنسان العربي المسلم؛ تستنكر اعتداءتلميذ أو طالب على أستاذه، وتأبى العدوان من ابن على أبيه أو أمه، وترفض التجاوز في الطريق العام؛ على نفوس الناس أو أموالهم؛ أو أعراضهم وحرماتهم. .. ومن أجل هذا وذاك؛ تنادي القياديون في أكثر من اثنتين وأربعين منطقة تعليمية في المملكة؛ إلى عقد لقاء في المدينة المنورة؛ للتباحث والتدارس، و)أتصور(.. أن هذا اللقاء تناول بالعرض والتشريح؛ الظواهر غير الأخلاقية، التي تنال من كيان التربية بصورة عامة، وليس التربية التعليمية وحدها، لأن المسؤولية في هذا الشأن بالذات، لا تنحصر في المدرسة أو المنهج والمعلم فحسب، ولكنها تتوزع على أطراف عدة؛ فتبدأ من البيت ولا تنتهي بالمدرسة. .. قلت: )أتصور(.. لأنه وبعد مرور أربعة أيام على اللقاء الذي تم في المدينة المنورة ما زلنا نجهل الكثير عن مسارات النقاش والحوارات، ومستوى الطروحات، ونتائج المداخلات والفضل في ذلك؛ يعود بطبيعة الحال؛ إلى إدارة الإعلام التربوي في وزارة المعارف؛ فهي التي تحرص على مشاعرنا؛ فلم تشأ ترويع المجتمع بما يدور بين المجتمعين في قضية التربية الأخلاقية، وفضلت الإبقاء علينا أفراداً وجماعات بعيداً عن جو اللقاء )التربوي( وسخونته، وكأنه لقاء بين أقطاب عسكرية؛ يحددون مصير العالم..! وتبين أن حكمة )السكوت من ذهب( عند هذه الإدارة الإعلامية؛ هي سيدة الموقف، وأنه ليس في كل حركة بركة كما يقال؛ فالسكوت يقود إلى السكون؛ وليس في الإمكان أفضل مما كان..! .. وهكذا بدأ اللقاء وانتهي؛ ولم يعلم به إلا قلة من الناس. فلا الإعلام التربوي على ما يبدو سعى إلى الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة؛ ولا هذه الأخيرة؛ أعطت هذا الشأن ما يستحق من العناية والاهتمام.
.. لا أدري حتى اليوم الخميس موعد ختام اللقاء ما نتائج هذا اللقاء، وماذا قال المجتمعون في شأن التحديات التي تواجه أخلاق الأمة..؟ كنا نتطلع إلى معايشة هذا الجو لحظة، ولكن ما باليد حيلة، وعندما تتحول الأفكار والحلول والمقترحات التي جهد الباحثون في التوصل إليها إلى أحبار على أوراق التعاميم الرسمية؛ فقل عليها السلام..! لأنه لن يقرأها أحد، للأسلوب الذي نعرفه، من تعميم في الطرح؛ وتدبيج إداري روتيني ممل. .. إن أخطر وأشنع ما يهدد التربية الأخلاقية في أيامنا هذه؛ هو بكل تأكيد؛ ما يظهر بين وقت وآخر؛ من تجرؤ مقيت على الوالدين والمربين والمعلمين، بالسب والشتم والضرب والإيذاء، وبمختلف أنواع التنكر للأبوة الحانية، التي جعلها الله سبحانه وتعالى فريضة مقرونة بعبادته وطاعته سبحانه وتعالى حيث قال عز من قائل: )وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا(. وقال : )فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما( . وكذلك إنكار فضل المربين والمعلمين، الذين يأتون بعد الوالدين في فضل التنشئة والتربية. أين أبناء وبنات هذا الزمان؛ من آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم؛ في الوفاء والبر اللذين هما قمة الأخلاق..؟ جاء من شعر العرب في هذا المعنى:


أقدم أستاذي على نفس والدي
وإن نالني من والدي الفضل والشرف
فذاك مربي الروح والروح جوهر
وهذا مربي الجسم والجسم من صدف

.. ويروى أنه قيل للإسكندر:) ما بالك تعظم مؤدبك أكثر من تعظيمك لأبيك..؟ فقال إن أبي سبب حياتي الفانية. ومؤدبي سبب حياتي الباقية(..!
.. هذا هو المعلم في سالف الزمان؛ يقدم على الوالد والوالدة؛ لما له من فضل في التربية وغرس الفضائل والأخلاق الحميدة. فهل حاضره مثل ماضيه..؟ لماذا تحول الحال؛ وأصبح العلم عرضة للأذى من تلاميذه وطلابه..؟
.. كان الناس في أزمنة مضت؛ يمجدون المعلم ويجلّونه، ويرون أنه السبب في التنوير والتطوير وإشراق الحضارات.. ولهذا قال شاعرهم:
إن المعلم شعلة قدسية


تهدي العقول إلى السبيل الأقوم
هو للشعوب يمينها وسلاحها
وسبيل أنعمها وإن لم ينعم
ما أشرقت في الكون أي حضارةٍ
إلا وكانت من ضياءمعلم

.. إن بعض ما يجري اليوم في الميدان التربوي؛ فيه إقلال من قيمة المعلم والمربي، وإهانة صريحة لوظيفته السامية؛ أقول هذا ونحن نستنفر القوى ونجهد؛ للبحث في أسباب التردي الأخلاقي؛ الذي استشرى في أوساط الشبيبة، ونبحث عن حلول تخرجنا من هذا المنزلق بسلام؛ ومن هذا البعض الذي يجري؛ ما يتخذ من إجراءات رسمية تسمى تربوية تعليمية تقضي بمعاقبة مديري مدارس وموجهين ومشرفين ورؤساء أقسام؛ بعقاب )شنيع(..! هو: )تحويلهم من وظائفهم؛ وإعادتهم إلى صفوف المعلمين(..! فهل بعد هذا إهانة لهذه المهنة التي نقول بأنها أشرف المهن وأقدسها..؟ ويزداد الأمر سوءاً؛ عندما نتهدد مجموعة من مديري المدارس في اجتماع عام؛ ونوجه مدير التعليم بالقول أمامهم:)إذا لم ينفذ أحد منهم تعليماتك وتوجيهاتك؛ امسكه بأذنه وأعده معلماً(.. !!! إلى هذا الحد ننظر إلى معلمينا ومهنتهم..؟ إذن.. لماذا لا نرجع بعض أسباب الخطرالذي يتهدد التربية؛ ومن أظهره العنف المتبادل؛ إلى مثل هذه الممارسات التي لا تمت للتربية بصلة..؟ وفيها من التعالي على المعلمين؛ والاستهانة بدورهم؛ والجهل بمسؤوليتهم العظيمة وخطورتها؛ الشيء الكثير. ومن نتيجة ذلك؛ اعتبار هذه المهنة؛ )مهنة معلم(؛ ذلك العقاب الذي ينتظر المقصرين والمغضوب عليهم من المديرين والموجهين والمشرفين..؟
فنصدر قرارات تنص على عقاب المذكور الذي كان مديراً أومشرفاً ذات يوم؛ بإعادته إلى )معلم( في مدرسة..! ألم يكن لقب )معلِّم( في أجيال مضت؛ أمنية عظيمة صعبة المنال؛ وحلماً جميلاً يراود الكبير والصغير على السواء..؟! قال الملك فيصل الأول:)لو لم أكن ملكاً؛ لكنت معلماً(.. وقال أحمد شوقي؛ وما أجمل ما قال:


قم للمعلم وفِّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولا..؟

.. فماذا حدث لنا في هذا الزمان يا ترى..؟
.. إن الحرص على الناشئة؛ الذين هم قوام هذا المجتمع؛ وعصب حياته واستقراره، هو الدافع للخوف عليه، والعمل بكل قوة لحمايته وتجنيبه كافة المخاطر.. إن أمة بلا أخلاق؛ تشبه سفينة تمخر في عباب البحر بلا ربان ولا دليل، تتقاذفها الريح وتتربص بها المنايا وإذا وصل الخطر إلى الشبيبة وهم في سن مبكرة؛ فهل نقف مكتوفي الأيدي..؟قال حطّان بن المعلي:


وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الإرض
لو هبَّت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني من الغمض

وقديماً قيل:) ضُرب رجل وطولب بمال؛ فلم يسمح به. فأُخذ ابنه وضُرب، فجزع فسألوه عن سبب ذلك. فقال: ضرب جلدي فصبرت؛ وضرب كبدي فلم أصبر(..! ومما يؤثر عن عبدالعزيز البشري قوله في حب البنين والبنات والخوف عليهم:)كيف لا وهم زينة الحياة الدنيا؛ أحبهم لأني أحب نفسي؛ وهم بعض نفسي، بل إنهم عندي لخير ما في نفسي، هم عصارة قلبي، وحشاشة كبدي، وأجمل ما يترقرق في صدري(. .. أما الأخلاق التي يريدها المجتمع في ذاته؛ فهي تلك التي نادى بها دينه الحنيف منذ مئات السنين، والتي تشربها الآباء عن الأجداد؛ فشكلت عبر قرون مضت؛ عواصم متينة؛ من قواصم مهينة. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق(، فهو المعلم الأول الذي قال أيضاً: )أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه(.. وربض الجنة: هو ما يحيط بها خارجاً. والمراء الجدال. .. وهكذا تظل الأخلاق الحسنة، والتمثل بالفضيلة، غاية كل الأجيال؛ وهاجس كل المصلحين والمربين في كافة المجتمعات. .. نقل عن الزعيم سعد زغلول قوله:) نحن لسنا محتاجين لكثير من العلم، ولكننا محتاجون لكثير من الأخلاق(. فما قيمة العلم المجرد من فضيلة الأخلاق..؟ لقد كرَّم الله بني آدم ففضلهم على سائر خلقه، وجعل الفضيلة ميزة لهذا المخلوق العجيب لا يشاركه فيها غيره. فمن حكمة الهند في هذا المعنى قولهم:)يشارك الإنسان الحيوان في الأكل والنوم والخوف وإحياء النسل، إنما يمتاز بالفضيلة التي إذا تجرد منها جاراه في كل شيء(. .. لقد ثبت أن الحياة لكي تستقيم وتطيب؛ تحتاج إلى تربية سليمة؛ من نتاجها سمات خلقية سامية. وهذه هي الفضيلة التي تحرس المجتمع من مستنقعات كل رذيلة. قال الشاعر أحمد شوقي محذراً:


وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ثم قال أيضاً:


وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا

وهو القائل في المعنى ذاته؛ وما أروع هذا البيت:


وليس بعامرٍ بنيان قومٍ
إذا أخلاقهم كانت خرابا

assahm2001@maktoob
fax 027361552

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved