| مقـالات
بالأمس القريب هدأ روعنا من مرض جنون البقر وبدأنا نلتقط أنفاسنا في العودة الى الحميمية مع الأبقار التي نربيها بمزارعنا ويعتمد معظمنا في ميزانيته السنوية بعد الله على ما تنتجه من خيرات وفيرة.
واليوم بدأنا والعالم نعيش حالة ذعر شديد بسبب إصابة هذا الحيوان الخدوم مع أقرانه من الماشية بمرض الحمى القلاعية التي بدأت مرة أخرى في بريطانيا ليتوالى بعدها اكتشاف المزيد من الحالات في مختلف الدول ومن بينها المملكة العربية السعودية والتي أعلنت عن اكتشاف بعض الحالات وصدر الأمر السامي بتشكيل لجنة لاتخاذ الإجراءات الوقائية لتمنع انتشار هذا المرض الذي جعل القارة الأوروبية ذات القطعان الكبيرة تعيش حالة هستيريا بعد أن بدأ سكانها محاربة اللحوم والاعتماد في أكلهم على الأغذية النباتية فقد أجرت إحدى المجلات الأسبوعية مؤخرا استطلاعا أكدت فيه أن 15% من المستهلكين الألمان بدءوا يتخلون عن تناول اللحوم في حين رفض 9% منهم شراء وتناول الأسماك، كما أظهرت النتائج أن 5% من بين 1057 شخصا رفضوا شراء الحليب ومشتقاته احترازا من فيروس الحمى القلاعية الذي ينتقل من دولة لأخرى دون أن يحمل تأشيرة الدخول على جواز سفره تساعده في ذلك الرياح والطيور وحتى إطارات السيارات وملابس الإنسان.
ولأن بريطانيا هي الأم المعلنة لاكتشاف هذا المرض فقد اشتط الغضب الدولي عليها وحرم الاستيراد من منتجاتها الحيوانية مما سبب شللا في حركة تصدير عوائد ثروتها وتبعتها بعض الدول المعلنة لانتشار المرض، فيما قام بعضها ببناء السواتر لمنع وصول الغبار الملوث من المزارع الى الشوارع وأماكن التجمع الكبيرة بالإضافة الى إخضاع المؤسسات المعنية لمراقبة بيطرية دقيقة وتوصية المسافرين العائدين بعدم جلب اللحوم والألبان الى الدول القادمين إليها بعد أن تأثرت أسواق الماشية والمطاعم تأثرا كبيرا ومن بينها شركة مكدونالدز أضخم شركة عالمية لإنتاج اللحوم الجاهزة التي أعلنت عن انخفاض إيراداتها خلال العام الجاري بسبب العزوف عن تناول اللحوم بعد ظهور الحمى القلاعية وقبلها جنون البقر.ولم يكن التخلي عن اللحوم والاتجاه الى الاستهلاك النباتي هو المشكلة الوحيدة بل ان المخاوف تكمن من تأثير الفيروس على الحليب ومنتجات الماشية لأن هناك شبهات حول الشيكولاته التي يدخل الحليب في صناعتها باحتمال تأثر الأطفال بهذا المرض والذي يؤكد الأطباء أن له تأثيرا كبيرا على الحيوان فهو يقلل من إنتاجية الأغنام والأبقار الحلوبة بالإضافة الى أنه يتسبب في موت بعضها وخاصة العجول الصغيرة قبل فطامها، وتتمركز الخطورة في نقل العدوى من الحيوانات المصابة الى السليمة لأن المرض ينتشر بينها بسرعة مذهلة مسببا بثورا بأفواه وأرجل الحيوان ذات الحوافر والأظلاف وقد يكون قاتلا لها بل انه لابد من إعدام الحيوان المصاب وإحراق جثته وعدم أكل لحمه أو شرب حليبه منعا لنقل العدوى وخوفا من انتشار المرض ومع ذلك لا تستطيع أي دولة أن تكافح هذا المرض بمفردها وإنما يكون ذلك من خلال التعاون بين دول المنطقة فالتعاون هنا مطلوب من أجل المحافظة على النفس قبل مساعدة الصديق. كما أن الصرامة في الشروط الخاصة بمنح الرخص لشحن المنتجات الحيوانية والتحرك الدقيق والمنظم المصحوب بالمراقبة الشديدة ستساعد على ضمان عدم تزويد المتاجر باللحوم المصابة، وبذلك يستطيع المزارعون والتجار والقائمون على صناعة اللحوم استعادة ثقة المستهلكين بهم بعد المخاوف من جنون البقر والحمى القلاعية وغيرهما من الأمراض التي جعلت بني البشر يحجمون عن شراء اللحوم وأصبحت الجهات المتضررة تسعى لإقناعهم بكل ما تملك وبشتى الوسائل والطرق ومن بينها السويد هذه الدولة التي لم تكتشف فيها حالات إصابة بجنون البقر إلا أنها تضررت وارتعدت فرائصها من شدة الخوف فأنشأت جمعية إعلامية لتشجيع لحوم الأبقار وبدأت هذه الجمعية بتزويد طلبة المدارس بالكتيبات والألعاب والأقلام التي تدعوهم لاستهلاك اللحوم البقرية وترشدهم الى إعداد الوجبات المميزة والوصفات الطبية للاستفادة من اللحوم وما زالت الإحصائيات تقول ان عدد النباتيين في ارتفاع مستمر وان نسبتهم قفزت في المدارس الثانوية من 5% إلى 11% ولا حياة لمن تنادي!! ورغم كل هذه الجهود في إقناع المستهلك بسلامة وجودة اللحوم إلا أنها باءت بالفشل، مما سبب أزمات عالمية في الأمن الغذائي أرى أنها ستبقى مستمرة ما لم يتم تطبيق نظام جديد لتربية المواشي يكون اعتماده على الطبيعة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى بعيدا عن العادات الصناعية السيئة لغذاء الحيوانات والطمع في تسمينها وزيادة إنتاجها من خلال هرمونات النمو والمضادات الحيوية، لأننا إذا نجحنا في القضاء على هذا الوباء ستظهر لنا أمراض جديدة تكون أكثر فتكا بالحيوان وربما تقتل الإنسان الذي يعتبر أغلى ثروات العالم.
|
|
|
|
|