أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 14th April,2001 العدد:10425الطبعةالاولـي السبت 20 ,محرم 1422

محليــات

لما هو آت
في معيِّة الضمير (2)
د. خيرية إبراهيم السقاف
يقظة الضمير المتأخرة.. ليست درساً، وإنما هي نتيجة...، وغالباً ما تكون الجزاء عقاباً من ألم، وندم، وحسرة...، قد تأتي هذي النتيجة في وقتٍ يمكن أن يُتاح فيه شيء من فرص التطهير..
وقد لا يُتاح الوقت بشيء فيُلاحَق المرء بآلامه، وندمه.. ولا أشد جلْداً من ألم يقظة الضمير...، على النقيض من فرح يقظة الضمير منذ البدء...
والمواقف، والأحداث، والقصص التي مرَّت، ولا تزال تمرُّ في سلسلة متلاحقة مع حركة دورة الزمن المستمرة في الحياة مع تغيُّر الناس، واستبدال الله فوق الأرض ناساً بآخرين، إلا أنَّ الإنسان يظلُّ يتمتَّع بصفاته البشرية التي لا تتخلَّص من شوائب رغباته، ونزعاته المؤدية إلى نوم ضميره... فكم هم الذين لا تستيقظ ضمائرهم إلاَّ في النهاية لحركة سيره على الأرض؟!، وكم هم أولئك الذين لا تستيقظ أبداً؟!! مقارنةً بمن يطمئنُّون منذ البدء إلى ضمير يقظٍ، حذرٍ، واعٍ؟!..
قبل أسابيع قليلة مضت، هاتفتني قارئة، بعثت لديَّ الرغبة في تناول موضوع الضمير يقظاً ونائماً...، بما ذكرته من قصتها التي يمكن أن تُحوَّل إلى قصة درامية قابلة للعرض كي تكون عبرةً لكلِّ موقف مماثل.. تقول: «كنتُ أتلقَّى دراستي الجامعية، طامحة، متأملة، حالمة أن أحمل درجة علمية تقودني إلى أخرى، حتى أصبح في الجامعة ضمن أعضاء هيئة التدريس فيها، إذ حلمي منذ طفولتي، ولي أبوان يشجعانني، ويبذلان من أجلي كلَّ ما يجعلهما من النُّدرة بين الآباء والأمثل منهم...، وفي المرحلة ما قبل الأخيرة تقدَّم شاب لخطبتي، وحيث هو من أسرة عريقة، وله من العلم والشخصية والرغبة الأكيدة في تكوين أسرة تقوم على أسس جوهرية، قبلت، غير أنني وضعت لقبولي شرطاً واحداً وهو أن يتمَّ الزواج بعد أن أنهي دراستي، أي بعد ما لا يقل عن عام ونصف، ولا يزيد عنهما... فوافق، وبرَّر لموافقته بأنه أيضاً يرغب لي في أن أتمَّ دراستي كي أفرغ لتأسيس حياتنا الزوجية من جهة، ولأنه يحرص على الزواج من امرأة متعلمة تحمل درجة علمية. ولا أتخيل أن زمناً مثل هذا من (الطول) بحيث أجد أنه قبل تخرجي بشهر واحد فقط، هاتف كي يعتذر عن إتمام ما بيننا من اتفاق زواج، حيث إنه كما قال: قد صرف نظره عن فكرة الزواج في مرحلته تلك.
لم يحبطني هذا الموقف، على الرغم مما سبَّبه لي من ألم شديد، وعلى وجه الخصوص لأنَّ الجميع من أهلي ومعارفي وصديقاتي كانوا على علم بالأمر، كما كانت والدتي قد استعدت للزواج بشراء كلِّ ما يخطر لكِ ببالٍ من احتياجات عروس...، أقبلتُ بكلِّ قوة على مواصلة دراستي العليا، سجَّلت في التخصص الذي رغبت فيه، ويسَّر الله تعالى لي أموري عوضاً جميلاً منه تعالى، أنهيت دراسة المقررات المطلوبة، وسجَّلت موضوع الرسالة وعملت عليها بكل حماس وتميُّز...، وفي ذلك تقدم لي شخص آخر، له من الصفات ما تحلُم به كلُّ فتاة، قبلت به، واتفقت معه على أن يتمَّ الزفاف في اليوم التالي لمناقشة الرسالة، ولم يكن بين خطبته والمناقشة أكثر من عشرة شهور، خلالها كان متفهماً راضياً حيث هو أيضاً شجَّع الفكرة، غير أنه أيضا تنصَّل عن موقفه قبل المدة بثلاثة شهور بحجة أنَّه يريد الزواج وإلا ينتهي كلُّ شيء، ولكِ أن تتصوري كيف يمكنني تحقيق ما يريد ولم يبق لي في معمعة الرسالة إلا أشهر لا تزيد عن تسعين يوماً؟!... ولم أجد له أي مبرر...، وانسحب وترك لي آلاماً مضاعَفة، وشعوراً بالفجيعة في شباب مجتمعنا الذين رأيتهم غير مسؤولين، ولا يدركون حجم نتائج استهتارهم..، مرَّ على هذا الأمر أربع سنوات كنت خلالها قد تكوَّن لديَّ من الرفض ما جعلني لا أوافق على من أتى من بعدهما.. خوفاً من تكرار الأمر. حتى جاءني هاتف من الأخير، يعتذر عن انسحابه، وأخبرني أنَّه كان في كلِّ مجلس يتحدث عني بأنني مغرورة بعلمي، وبأنَّني بشرطي أؤكد له وللشباب أمثاله بأن الفتاة عندنا لا يصح لها أن تدرس لأنها «ستتعالى» ولن تفلح زوجة ولا أماً، وبأنَّه يقدم لي كافة الاعتذارات عن تشويه موقفي على ما ذكر... وبأنه يرغب في العودة إلى طلبه...، غير أني اعتذرت له... وزدت خوفاً من الزواج، كي لا أواجه مثله...، وعدم ثقة في أقرانه...»
وهي الآن تواصل رحلة الدكتوراة...
أما هو فيلعق نتائج يقظة ضميره المتأخرة...
في ضوء ما سبق... كيف للإنسان أن يجعل ضميره خارج أسواره الحديدية، في منأى عن سريره المرفَّه...، ويهزَّه هزَّاً كي يستيقظ فلا ينام أبداً؟
ومتى يضع الإنسان ضميره بوصلةً نحو أبواب دروبه؟... في كافة لحظات الحياة؟... كي لا يؤذي، ولا يتأذَّى؟!...
ويكون برداً وسلاماً على الحياة ومن فيها؟...

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved