| مقـالات
«ها هي.. إنها قادمة..
تلك المرأة سليطة اللسان الساكنة في الدور الرابع.. ها هي الآن تهبط عبر درجات السلم بعربة طفلها محدثة ضجيجا مع كل خطوة طاخ.. دوم.. طاخ.. دوم.. والطفل يصرخ.. ثم تقف المرأة في الجوار من داري تصرخ بالأولاد ليهدأوا ويكفوا عن الضجيج.. لكن الطفل يصرخ بصوت أشدّ..حتى يخيل اليّ كأنما تأتي تلك الأصوات من المطبخ الخاص بي.. إن كان لي مطبخ.. فأنا اعيش في أصغر شقة في بروكلين، في الشقة الأرضية الأمامية وأسمع كل شيء من هنا، دوي عربات النفايات في الخامسة صباحا، زعيق أبواق السيارات.. نباح الكلاب.. وأسمع الأولاد يكتبون على الجدران «اقتل لتحيا»!!وفي المقابل من شقتي هناك شاب يعتقد أنه فنان، مطرب شعبي فهو يولول ويصرخ لساعات بلا نهاية، مثلما يعوي الذئب في ليلة مقمرة.. ولا يتوقف صوته أبدا.. وإذا لم يصرخ ويولول يقوم بالدمدمة والهمهمة كأنما يُخرج الصوت من أنفه فحين يلقي بالنفايات الى الخارج يدمدم.. وحين يعبر أمام باب شقتي يدمدم.. وعندها أسدُّ أذني. في مدينة كبيرة شاسعة يعيش الناس تحت جلد بعضهم البعض.. هذا أمر حتمي مسلَّم به مثلما هي انفاسك!!». كان ذلك مقطعاً طريفاً من قصة قصيرة ترجمتها بقليل من التصرف.. القصة بعنوان «لا أصدقاء كلهم غرباء» أوردتها هنا ليس للنقد ولا لاستعراض قراءاتي وانما بهدف مختلف تماما.. هو هذا الضجيج!!
ثمة سؤال ساخن يسكنني الآن..
هل تستطيع العمل وسط أجواء مثل هذه؟! هل تستطيع التفكير أو التأمل او التركيز او الكتابة.. أو حتى ممارسة الصلاة بخشوع؟!هل تستطيع حينئذ التأمل في المرآة ومعرفة الفرق بين ملامحك وملامح ذلك الانسان المجاور لك؟وهل تستطيع احتمال مثل هذه الاجواء طوال الوقت سواء كان ذلك في المنزل أو العمل أو الشارع؟!إن شاء لك حظك العاثر ان تحيا وسط أجواء مثل هذه فأنت في حال لا تحسد عليها، هذا اذا عرفنا بأن الضجيج هو احد مؤشرات تلوث البيئة وهو احد الاسباب المؤدية الى امراض العصر والذي يأتي في مقدمتها: التوتر والقلق..إن كنت تحيا وسط مثل تلك الاجواء فليس لك سوى واحد من امرين:
ايقاف هذا الضجيج فورا.
او الهرب والنفاذ بجلدك!
وإن لم تملك هذا ولا ذاك وكنت صاحب عين بصيرة ويد قصيرة فليس لك سوى تنهيدة بحجم السماء!! وكان الله معك..
E mail:Fowzj@hotmail.com
ص. ب 61905
الرياض الرمزالبريدي 11575
|
|
|
|
|