| مقـالات
يظن كثير من الناس أن الكتابة سهلة، وأن الانسان إذا أراد الكتابة عن موضوع ما فما عليه إلا أن يمسك القلم ثم يكتب ليقال فيما بعد لقد كتب فلان، ولكن الصحيح أن الكتابة من أصعب الأمور فالكتابة على أنواع كثيرة، وأحيانا يكتب الكاتب ثم يجد أنه لم يأت ببعض ما في خاطره خصوصا إذا كان يكتب عن موضوع كان له شأن كبير في حياته، فقد لا يستطيع أن يعبر عن كل ما في قلبه، ومثل ذلك الشاعر المبدع فإنك تجده يجيد الوصف والتشبيه ويجيد المدح كما يجيد الرثاء إلا أنه في هذا الأخير وأعني الرثاء لا يستطيع أن يحرك شفة أو ينظم بيتا إذا كان يريد رثاء شخص له المكانة الكبرى في قلبه، ومهما حاول من ترتيب أبيات فإنه لن يستطيع أن يأتي بذلك النظم المجيد الذي كان يقوله في الماضي، ولا لوم عليه في ذلك. ومهما حاولت هنا من كتابة فإني لن أستطيع أن أفي بما أريد الحديث عنه، لأنني لست أتحدث عن شيخ فقط بل هو في مقام أب، لست أتحدث عن معلم فقط بل هو أعظم من ذلك فقد كان بمثابة المربي، والوالد المربي هما أعظم شخصين يؤثران في حياة الانسان مهما كان. مهما حاول الانسان من حديث فإنه لا يستطيع أن يفي بما يختلجه من مشاعر خصوصا إذا كان الفقيد يمثل ركنا أساسيا في حياة الكاتب، فكيف إذا كان هناك أمور أخرى تجتمع لتزيد من الحاجة إلى الحديث. أكثر من عشر سنوات متواصلة وأنا ألازم شيخي الشيخ: عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم بن عثمان بن زاحم، كانت لي معه علاقة فوق كل علاقة، ليست علاقة شيخ بطالب عنده بل ارتقت إلى أعلى من ذلك، فلقد كان لي خلال تلك الفترة شيخا معلما ووالدا ناصحا، تواصلت العلاقة بيني وبينه حتى انني إذا غبت عن موعد الدرس بدون سابق علم فلا استغرب أن يتصل بي على جلالة قدره وكبر سنه ليسأل عني عسى أن لا يكون حصل لي عارض من عوارض الدنيا، كنت أستشيره في خواص أموري فما أجد منه إلا النصيحة الصادقة التي أجد مصداقها فيما بعد، ومهما ذكرت في وصفه وترجمته فما أظن أني أفي بجزء من حقه عليّ؛ لكن حسبي أنني أبذل جهدي، وكنت قد طلبت منه أثناء حياته أن يملي عليّ شيئا من ترجمته فأبى، وقال لي: هذه أمور الفائدة منها قليلة ولكن أشغل نفسك بما ينفع. وفي آخر حياته قبل ما يقارب سنتين حين بدأت صحته تتغير بدأ يتكلم بين الفترة والأخرى عن بعض حياته، يقطع بها الدرس، فبدأت من ذلك الحين أقيد كل ما يقول حتى اجتمع لدي الآن بعد وفاته ما يفي بالغرض، وأنا حين أذكرها لم آت بشيء جديد من عندي إنما هي معلومات تتبعتها من كلامه رحمه الله، سأذكر هنا بعضها، ولعلي أن أصدر كتابا في ترجمته أضم اليه ما خلفه من آثار، فأقول:
هو فضيلة الشيخ: عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم بن عثمان بن زاحم، من أسرة آل زاحم المعروفة التي قدمت أول ما قدمت من تربة ثم استقرت في القصب ثم تفرقت بعد ذلك في أماكن شتى، ولد شيخنا عام 1345ه في القصب، وتربى عند والديه وحفظ القرآن في صغره، يقول لي رحمه الله : حفظت القرآن عند الشيخ عبدالعزيز بن محارب رحمه الله في القصب وأنا صغير. بعد ثلاثة عشر عاما من ولادته عليه رحمة الله فقد بصره بسبب مرض يسمى الرمد الصديدي، ولكن ذلك لم يثنه عن السعي في طلب العلم، قال لي رحمه الله في عام 1363ه قدمت إلى الرياض وبدأت في طلب العلم، والتحق بمعهد الرياض العلمي ودرس فيه وتخرج سنة 1374ه وكان ترتيبه الرابع بين اثنين وعشرين طالبا، ثم التحق بكلية الشريعة وتخرج فيها عام 1378ه وكان ترتيبه السابع بين أربعة وأربعين طالبا واستفاد كثيرا أثناء دراسته في المعهد والكلية من علماء درسوه فيهما كما ذكر لي غير مرة وسيأتي ذكر لبعض العلماء الذين استفاد منهم في بيان مشايخه، وكان أثناء الدراسة يطلب العلم على مشايخ الرياض، كما كان يؤم بعض المساجد في الرياض أثناء دراسته في المعهد والكلية، وسيأتي الحديث عنها.
أما مشايخه الذين أخذ عنهم فمنهم:
الشيخ عبدالله بن عبدالوهاب بن زاحم رحمه الله : قال لي رحمه الله : لما قدمت إلى الرياض قرأت عند الشيخ عبدالله أنا وابن خيال كنت أقرأ عليه في الآجرومية حفظا والشيخ ابن خيال يقرأ عليه شرح ا بن عقيل على الألفية، ولكن ما لبث الشيخ عبدالله بن زاحم ان انتقل قاضيا في المدينة.
ومنهم: الشيخ عبدالرحمن الأفريقي، يقول شيخنا: استفدت من الشيخ الأفريقي كثيرا أثناء تدريسه لنا في المعهد العلمي في عام السبعين وما بعده قرأنا عليه عمدة الأحكام وقرأنا عليه في المصطلح.
ومن مشايخه الذين استفاد منهم بل ورأيت ذلك واضحا في كثرة كلامه عنه:
الشيخ العلامة: محمد الأمين الشنقيطي، يقول: درست عليه في التفسير وأصوله وأصول الفقه، وكان كثيرا ما يتكلم عن شيخه الشنقيطي ويذكر نصائحه للطلاب وقصصا كثيرة عنه.
الشيخ عبدالعزيز بن باز، يقول شيخنا: درست عليه عام الثمانين أول مقدمه من الدلم في التوحيد ثم قرأت عليه قليلا بعد ما قدم من المدينة.
الشيخ: عبداللطيف بن ابراهيم: درس عليه الفرائض وعلم المواريث.
أما شيخه الكبير بلا منازعة فهو مفتي الديار السعودية في وقته الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم عليهم جميعا رحمة الله تعالى فمنذ أن قدم الرياض عام 1363ه وهو ملازم للشيخ محمد بن ابراهيم إلى أن توفي رحمه الله، قال لي غير مرة: قرأنا عليه في التوحيد والفقه، وكنت بعد ما تعينت في القضاء أزوره دائما خصوصا بعد الفجر فإن لم أتمكن أزوره في بيته بعد طلوع الشمس لأسأله عن بعض ما يشكل من القضايا، وعلاقة شيخنا بشيخه الشيخ محمد كانت متواصلة لأن شيخنا عمل في الرياض سواء في التدريس أو القضاء مما جعله قريبا من الشيخ، وذلك بخلاف غيره من طلاب الشيخ الذين تفرقوا في أرجاء هذه البلاد للعمل والدعوة.. وكان الشيخ يقول: استفدت من الشيخ كثيرا في التوحيد والفقه، وكان الشيخ يهتم بطلابه ويسعى إلى كل ما يريحنا رحمهما الله تعالى . كان أثناء دراسته في المعهد والكلية يسكن مع الإخوان: قال لي مرة: كنا نسكن في بيت واسع فيه ما يقارب ثلاثين غرفة، ثم استؤجر للإخوان بيت أو بيتان في الوسيطا كانت ملكا للطبيشي تكون محلا للمذاكرة في الليل، ثم استؤجر بيت آخر خارج الوسيطا، يقول رحمه الله: كنت مع الإخوان في كل هذه البيوت، والناس قليلون ليسوا مثل حالهم اليوم زحام وضيق، كان يكفينا القليل بخلاف اليوم، ثم نزل الإخوان بيتا للشيخ عبداللطيف كان قد اشتراه من احدى بنات الملك سعود، ثم خرج منه الإخوان، كان الناس لا يرغبون في تأجير منازلهم للإخوان، وكانوا يقولون: إنهم يوسخونها ولا يهتمون بها والله المستعان.أ.ه. كان أيام الطلب مغرما بالقراءة وكان يجتمع هو والشيخ حسن بن مانع والشيخ حمود بن سبيل عليهم جميعا رحمة الله كانوا يجتمعون في المساء ويقرأ عليهم أحد زملائهم ويقرأون إلى ان يمضي جزء من الليل، يقول عبدالله بن الشيخ عبدالعزيز بن زاحم: كنت أذهب بالشيخ وأنا صغير وكنت أنام عندهم فإذا انتهوا من القراءة أيقظوني فنرجع إلى البيت، وقد غرم الشيخ رحمه الله من صغره بالقراءة وبدا ذلك واضحا في سعة علمه وكثرة اطلاعه.
بعض وظائفه التي تقلدها:
وبعد تخرج الشيخ من الكلية عين مدرسا في المعهد العلمي بالرياض أي في سنة: 1379ه ومكث فيه سنتين ثم انتقل إلى التدريس في كلية الشريعة في عام 1381ه، ومكث فيها أربع سنوات، وكان مجيئه إلى الكلية بعد بداية العام الدراسي أي بعد ان وزعت الحصص والمناهج فلم يجدوا إلا جدولا واحدا تغطي مواده مراحل مختلفة من المتوسط والثانوي، ويشتمل على مناهج مختلفة من المواد الدينية واللغة العربية فما كان بد من أن يسند الجدول إلى شيخنا رحمه الله، ومن الطرائف هنا: ان هذا الجدول كان قد أسند إلى مدرس لم يكن في وسعه القيام به على الوجه اللائق وحينما أحس الطلاب بعدم قدرته، كتبوا على السبورة قبل حضوره هذا البيت من الشعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع |
عند ذلك اعتذر المدرس عن هذا الجدول فوافق تعيين الشيخ ابن زاحم في المعهد فوكل اليه تدريس هذه المواد المتعددة، فكان فيه شيئا لا يوصف، يقول الدكتور عبدالعزيز الربيعة عضو مجلس الشورى جاءنا الشيخ في ذلك العام فدرسنا مادة الأدب فتكلم لنا عن أمور ما كنا نعلمها من قبل، وكان يطلب منا قراءة كتب موسوعية في الأدب مثل: العقد الفريد والموازنة وغيرها من الكتب الكبيرة، حتى إنه أملى علينا أسماء كتب لا زلت أحتفظ بورقة كتبت فيها أسماء تلك الكتب، وكان له اهتمام كبير بالأدب والتاريخ وفي الحقيقة فقد انتفعنا بالشيخ كثيرا أثناء تدريسه لنا تلك السنة.أ.ه كلامه.
وكما سبق أن قلت فقد درس رحمه الله خلال مكثه في الكلية عدة مواد، وقد استفاد منه طلبة كثيرون حال تدريسه لهم في المعهد أو في الكلية وهم الآن في مناصب علمية وشرعية وإدارية في الدولة، وسيأتي اشارة إلى بعضهم، وأظن أن تدريسه في المعهد ثم في كلية الشريعة أكسبته بعد توفيق الله تعالى قوة علمية ظهرت عليه يعرفها المقربون منه، كما كان لكثرة اطلاعه وحبه للقراءة حتى قبيل وفاته رحمه الله دور في ذلك. وكان الشيخ محمد بن ابراهيم يبعث ابن زاحم أثناء دراسته في الكلية إلى بعض المحاكم قاضيا مؤقتا خلال العطلة الصيفية، مما أوجد عند الشيخ قدرة وملكة على القضاء بين الخصوم. ثم في عام 1385ه استدعاه الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله وقال له: نريدك أن تكون قاضيا، فالتدريس ليس مثل القضاء، القضاء حاضر بحاضر يعني أن النتيجة تظهر بسرعة فنحن نريد منك أن تكون قاضيا، يقول شيخنا رحمه الله: قلت للشيخ: التدريس يطلب الجواب في الحال، أما القضاء فإن القاضي يؤجل القضية ويبحث عنها على مهل، فالتدريس أنفع للانسان، فقال لي الشيخ محمد: ولو.أ.ه. وقال شيخنا رحمه الله : كنا في محكمة الرياض أربعة قضاة: ابن هويمل وابن مهيزع وابن فارس وأنا، ومع ذلك كنا نشتكي من قلة القضاة وكثرة القضايا، رغم قلة الناس، وكنا مع ذلك ننجز جميع القضايا، ولا نؤجل منها إلا القليل، وتنتهي أمور الناس بسرعة. واستمر في العمل في محكمة الرياض قرابة ثنتين وعشرين سنة نقل بعدها إلى محكمة التمييز في الرياض في عام 1407ه، وكان رحمه الله حازما مع الخصوم هادئا متواضعا، أمضى حياته في هذا العمل في نزاهة وحزم يشهد له بذلك جميع من لازمه أو احتاج اليه، واستمر في القضاء إلى عام 1415ه أحيل إلى التقاعد، فانقطع في بيته عن الناس. ومن الأعمال التي قام بها أيضا كما حدثني بذلك: أنه اشترك في توعية الحجاج لمدة أربع سنوات ابتداء من عام 81ه كان يجلس بالمسجد الحرام يجيب على أسئلة الحجاج واستفتاءاتهم. كما تولى رحمه الله إمامة عدة مساجد: ففي عام 1375ه صلى إماما لمسجد القري المجاور لكلية الشريعة قديما وحتى عام 1385ه، وكان يجلس في هذا المسجد لبعض الطلبة للقراءة في التوحيد والتفسير، وفي عام: 1381ه تقريبا اختير ليكون خطيبا لجامع الحسي المجاور لبوابة الثميري ومكث فيه خطيبا ثلاث سنوات، وكان يصلي بالناس في هذا المسجد للفرائض الشيخ: صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله وكان الشيخ صالح خطيبا لجامع المطار في نفس الوقت، هكذا حدثني شيخنا رحمه الله. ومن العجيب هنا ولعله مما يعد نادرة لشيخنا رحمه الله: أنه أثناء خطبته لهذا الجامع جاءه طامي صاحب الاذاعة المعروفة فاستأذنه في أن ينقل خطبته الجمعة في إذاعته، فأذن له فصار الناس يستمعون إلى خطبة الجمعة عبر إذاعة طامي، فأقول هنا: فلعل شيخنا رحمه الله يكون أول خطيب تنقل خطبته عبر الاذاعة.
صفاته وسجاياه:
كان رحمه الله متوسط القامة كثيف اللحية حنطي اللون عليه مهابة، يقدر من أمامه ويجله.
كان رحمه الله مغرما بالقراءة أيما غرام؛ ويندر أن أسأله عن كتاب إلا وأجد عنده علما عنه وفي أغلب الأحيان يقول قد قرأنا هذا الكتاب، بل كان يقرأ في كل أوقاته وحتى وهو في مكتب القضاء، وقد سألته عن أحد الكتب الستة في الحديث فقال قرأناه في المكتب، فقلت له: من العجيب يا شيخ أنك في مكتب القضاء ويقرأ عليك كتب الحديث، الغالب على القضاة أنهم إن قرأوا فيقرأون كتب الفقه، فقال: أحيانا يأتي وقت في اليوم لا يأتي فيه خصوم، فنستفيد منه في القراءة، ثم بدأ يعدد لي أسماء الكتب التي قرأها في المكتب. كان شيخنا رحمه الله آية في الحفظ، كان يأمرني أن أقرأ عليه فهرس كتاب معين، ثم إذا انتهيت قال: افتح صفحة كذا صفحة كذا لمواضيع يريدها حفظ مواضعها، وليت الأمر يقف هنا؛ بل إنه رحمه الله يأتي بعد فترة طويلة فيطلب مني أن أفتح صفحات في هذا الكتاب لا زال يحفظها، وقد قرأت عليه مرة فهرس الجزء الأول من كتاب المغني وبعد شهرين طلب مني أن أحضر الكتاب وأمرني بصفحات معينة لم تذهب من حفظه، وما أظن قوة الحفظ التي عنده إلا بتوفيق الله عزوجل ثم لصفاء ذهنه وانقطاعه عن أمور الدنيا. وكنت أمضي معظم الوقت معه في القراءة فإذا انتهينا صار حديثنا عن الكتب الجديدة التي طبعت ومن أخرجها، وكان يحزن كثيرا إذا حدثته عن الاختلافات التي تقع بين طلبة العلم ويقول: لو أشغلوا أنفسهم بالعلم كان أولى، ولا يتكلم في مجلسه عن أحد من الناس أبدا. وقد برز رحمه الله في الحديث والعقيدة والتفسير، وأسماء الرجال من رواة الحديث فقل أن يمر به رجل إلا ويخبرني به جرحا وتعديلا، ثم نقرأ ترجمة الرجل في خلاصة تهذيب الكمال فنجده كما قال، كما أنه رحمه الله قرأ عليه كتباً ما أظن أنها قرأت على أحد مثل كتاب: تحفة الاشراف في معرفة الأطراف للحافظ المزي.
آثاره العلمية وتلاميذه والمستفيدون منه:
لم يؤلف الشيخ رحمه الله كتابا، وإنما كان أيام شبابه يكتب بعض الردود المختصرة على بعض الكتاب وقد كتب ردا على قصيدة وزعت في حج عام 89، ونشر هذا الرد في جريدة المدينة، كما كتب ردا على أبي تراب الظاهري في أباحته للغناء ونشره في مجلة راية الاسلام التي كانت تصدر في عامي 80 و1381ه ويرأس تحريرها الشيخ صالح بن لحيدان، وغيرها مما سأخرجه مجموعا في كتاب مضموما اليه ترجمة مطولة له، ابقاء لعلم الشيخ ووفاء بحقه. أما الطلاب فكما سبق في تفاصيل حياته فإنه لم يجلس للطلاب إلا قليلا جدا، لكن بعدما انتقل إلى مسكنه الأخير في العليا قرأ عليه إمام الجامع القريب منه أخونا الشيخ: عبدالله الخضير كتبا كثيرة جدا، وكان الوقت من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كل يوم، وكنت أنا جاره في السكن فكنت آتيه بعد صلاة المغرب ثلاثة أيام في الأسبوع أيام الاجازة قرأت عليه فيها في التوحيد والفقه والحديث فمما قرأنا حاشية الروض المربع كاملة والدرر السنية لم يبق منها إلا أجزاء قليلة، وشرح عمدة الأحكام وبعض فتاوى شيخ الاسلام، ثم ابتدأنا في قراءة سنن الترمذي ثم انقطعنا عن قراءته قبل وفاة الشيخ بأشهر لظروفه الصحية وقد قطعنا من الكتاب شوطا كبيرا، أما الشيخ عبدالله الخضير فقد فاز بالحظ الكبير من القراءة على الشيخ، وكان شيخنا يقول: لو حملت الكتب التي قرأها الشيخ عبدالله في سيارة لملأتها، فقد قرأ عليه كثيرا من كتب السنة وفتاوى شيخ الاسلام وكتباً في الفقه والعقيدة كلها من المطولات. وقد سبق أن استفاد منه طلبة كثيرون أيام تدريسه في المعهد ثم في كلية الشريعة منهم: الدكتور عبدالعزيز الربيعة والدكتور صالح السعود العلي والدكتور عبدالعزيز السعيد والشيخ محمد بن حمود والشيخ عبدالله بن حرقان وغيرهم كثير من الصعب الاحاطة بأسمائهم جميعا.
وفاته: أمضى الشيخ حياته متمتعا بكل حواسه وقدراته، وقبل وفاته بسنة ونصف بدأ يحس بضعف في بنيته من غير مرض فنحل جسمه شيئا فشيئا إلى قبل وفاته بأشهر بدأ صوته في الضعف شيئا فشيئا فمكث مدة في المستشفى إلى يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان عام 1421ه، في صبيحة ذلك اليوم فاضت روحه وقد مد أصبعه على التشهد ثم صلي عليه من الغد في جامع الراجحي ثم دفن في مقبرة النسيم رحمه الله، غادر الدنيا محمود السيرة محبوبا من كل من يعرفه، رفع الله درجته في عليين. خلف وراءه ثلاثة أبناء وبنتا واحدة هم: عبدالله ومحمد وابراهيم بارك فيهم ونفع بهم.
|
|
|
|
|