| شرفات
* * د. ملحة عبدالله أول امرأة في المملكة تتخصص في المسرح وتحصل على لقب الدكتوراه في هذا المجال، وأول امرأة تحترف الكتابة للمسرح أيضا فهي واحدة من أبرز الكاتبات المسرحيات )القلائل( في الوطن العربي كله. صدر لها مؤخراً الأعمال المسرحية الكاملة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وتضم اثنتين وعشرين مسرحية، ومنذ أشهر قليلة حصلت على جائزة أبها للمرة الثانية.
رحلة من العطاء والنجاح والجوائز كانت بمثابة المشهيات لهذا الحوار:
بين القاهرة ولندن
* دراستك للمسرح في أكاديمية الفنون بمصر ثم في لندن، هل أفادتك في احتراف الكتابة المسرحية... ؟
- الدراسة كونت الإطار المرجعي الخاص بي، لأن المبدع عبارة عن تراث هذا التراث هو ما يتراكم داخل الشخصية من خبرات ومعارف منذ الطفولة. بالنسبة للأكاديمية اخترت قسم النقد والدراما نظراً لاهتمامي بالتأليف المسرحي وبعملية النقد، على اعتبار أن الكاتب هو ناقد يطرح رؤيته النقدية في نص مسرحي.
في البداية عندما التحقت بالأكاديمية كنت هاوية لكتابة القصص ولكن التأليف المسرحي منذ أن دخلت الأكاديمية بدأ يجذبني للتخصص فيه رغم صعوبته، ربما لإحساسي بالحاجة الماسة إلى كاتبات مسرحيات وربما لوجود موهبة كامنة بداخلي، وقبل أن أتخرج كتبت نصا مسرحيا عنوانه "أم الفاس" وحاز على جائزة دول التعاون الخليجي وأيضاً مثل في الأردن وحفزني هذا إلى مواصلة الدرب وتكملة الدراسات العليا.
ورغم أنني خرجت من الأكاديمية كاتبة إلا أن لندن كانت بمثابة صياغة الهيولي بالنسبة لي ككاتبة لأنها أتاحت لي الفرصة للاطلاع على المسرحيات العالمية كما تعلمت فيها الدقة في البحث والأفق المتسع والبلورة والتركيز ويمكن القول إن خبرة الدراسة وكذلك السفر والترحال وذكريات الطفولة كل هذا كان أشبه بكاميرا لاقطة تختزن في الإطار المرجعي الذي يرشف منه أي كاتب تفجراته الإبداعية والدرامية.
احتراف الكتابة
* يلاحظ أنك تأخرت نسبيا في احتراف الكتابة المسرحية ثم فجأة توالت أعمالك المسرحية أكثر من 22 مسرحية في عشر سنوات..لماذا ... ؟
- لا أعتبر نفسي تأخرت، في البداية كنت أكتب القصص ثم تحولت إلى كتابة المسرح وظللت خلال سنوات الدراسة بالأكاديمية منهمكة في المحاضرات وإعداد الأبحاث ومشاهدة العروض المسرحية، لم يكن هناك متسع من الوقت سوى لكتابة بعض النصوص مجرد نصوص يكتبها طالب ثم كان أول نص حقيقي لي في سنة التخرج وهذا أفضل أن يبدع المرء عندما تنضج تجربته، لأن ثمة ضبابية في حياة أي كاتب تحتاج إلى أن تتبلور وتتكثف.
بالنسبة لأعمالي المسرحية خلال عشر سنوات، فلا أظنها كثيرة نظراً لوجود مسرحيات قصيرة ذات فصل واحد مثل التميمة أو سر الطلسم الذي لايزيد عن عشر صفحات، مثل هذا النص يمكن أن يكتب في ليلة واحدة، على حين تظل نصوص أخرى معلقة لسنوات. وعلى أية حال أنا أحب التنويع في القوالب المسرحية تبعاً للقضية أو الفكرة التي تحكم إطار النص وحبكته الدرامية.
ولابد أن يكون الحدث على قدر الحدوثة لأنه لو طال أو قصر أفسد البناء الدرامي.
* هناك إشكالية خاصة بالمسرح حيث يرى البعض أن النص لايكتمل إلا إذا عرض على خشبة المسرح.. فهل مسرحك ينتمي إلى المسرح المقروء أم الممثل ... ؟
- بحكم كوني كاتبة وناقدة استمتع بقراءة النص أكثر من مشاهدته لكن ما من شك في أن النص المسرحي لايكتمل إلا على خشبة المسرح، حيث ينبض لحماً ودماً هذه قضية مفروغ منها وكل النقاد العالميين يجمعون على أن حياة النص على خشبة المسرح، فإذا كان النشر أملا جميلاً للكاتب فإن العرض أمل أكبر وبالنسبة لتمثيل نصوص على خشبة المسرح أعتبر نفسي أكثر حظاً في جيلي حيث مثلت لي نصوص كثيرة في مصر والأردن وفي المملكة مثل مسرحية أم الفاس والمسخ وسر الطلسم وغيرها من النصوص.
المشوار والأعمال الكاملة
* منذ شهرين تقريبا صدرت لك طبعة الأعمال المسرحية الكاملة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.. فماذا يعني لك هذا الإصدار المتميز ... ؟
- الهيئة العامة للكتاب بؤرة إشعاع ثقافي على الوطن العربي ككل، وأعتبر نشر أعمالي الكاملة بها تتويجا لمشواري مع الكتابة المسرحية، كما أنه أعطاني ثقة في إبداعاتي فنظراً لإقامتي بالقاهرة منذ فترة تراكمت النصوص دون نشرها منفصلة مما حدا بي إلى نشرها في طبعة الأعمال الكاملة أو شبه الكاملة.
* كان لك تكريم آخر هذا العام، ويتمثل في حصولك على جائزة أبها للمرة الثانية ... ؟
- هذا التكريم أو تلك الجائزة تعني لي الكثير، فهي جائزة مرموقة على مستوى دول التعاون الخليجي والمقيمين فيها وتقام تحت رعاية سمو الأمير خالد الفيصل. وأصابتني الجائزة بنوع من الاشباع والتوتر في نفس الوقت. ولعلني أصبت بحالة من الخوف إذ تزامن حصولي على الجائزة مع حصولي على لقب سيدة المسرح السعودي، وقد فوجئت بهذا اللقب في جريدة البلاد وأسعدني كثيراً وربما في هذه الأخبار السارة لي الرد الكافي على من يقولون بأنه لايوجد مسرح سعودي، كما أنها تحفزني إلى مضاعفة الجهد مستقبلاً.
سيدة المسرح.. كاتبة
*هذا التكريم لك كسيدة المسرح في المملكة وصدور أعمالك الكاملة يجعلنا نقترب أكثر من أسباب الهجوم على المسرح في المملكة وما سر تلك الأزمة في رأيك ... ؟
- ربما يكون سبب الهجوم اعتماد مسرحنا على المهرجانات الدولية أكثر من التواصل الجماهيري مع سائر البلاد العربية الأخرى وخاصة في غير أوقات المهرجانات.
* لكن البعض يرى أن أسباب الهجوم ترجع إلى عدم وجود دراسة مسرحية متخصصة! ...
- لا.. لا أظن.. بالطبع المسرح يحتاج إلى العلم بجانب الموهبة.. والدراسة الأكاديمية موجودة بالفعل، فهناك قسم للمسرح في جامعة الملك عبدالعزيز منذ بداية التسعينيات، علاوة على البعثات التي سافرت ودرست المسرح بالخارج، وهناك أكثر من أستاذ أكاديمي في هذا المجال حاليا كما أنه لا بد من أن نشير إلى هواة المسرح الذين استطاعوا بجهدهم الفردي تحقيق النجاح إذن المشكلة كما قلت آنفاً تكمن في عدم التواصل مع القاعدة العريضة من الجمهور خارج المملكة.
المسرح والهوية:
* سبق لك أن رصدت في بعض الدراسات علاقة المسرح في المملكة بالهوية الإسلامية.. فهل لهذه العلاقة دور في أزمة المسرح ... ؟
- المسرح في المملكة يمتاز بخصوصية شديدة عن أي مسرح في الوطن العربي وفي العالم كله.
ربما يوازيه مسرح النو والكابوكي بمعنى أنه مسرح له طقوس خاصة سواء في حرفية الكتابة أو الأداء أو عدم ظهور المرأة. كذلك له خصوصية في استلهام التراث، ولذا لا بد أن يكون مسرحاً "مسعوداً" نصا وممثلا وأن يكون منحوتا من تربة هذا الوطن. وهذه الخصوصية في اللغة وفي الهوية ربما تكون ثقيلة عليه وربما تكون سلاحا ذا حدين، فقد تجذب الباحثين من مختلف أنحاء العالم لدراسته والوجه الآخر إن هذه الخصوصية قد تحجمه من الانطلاق في العالم العربي.
بالنسبة لمسألة الهوية الإسلامية، أعتقد أن كلمة هوية ربما لاتنطبق إلا على المجتمع السعودي فقط، لأن كلمة هوية من خلال البحث تعني أن الهو هو أي الشيء ذاته، فالمجتمع السعودي هو الوحيد الذي لايوجد فيه تعدد لغة أو تعدد أديان، علاوة على وجود الحرمين الشريفين ووجود خصوصية دينية معينة.. ويصبح التساؤل هل هذه الهوية تقف ضد المسرح فعلا ... ؟!
الحقيقة أنه لايوجد أدنى تعارض إلا فيما عدا الأعراف والتقاليد، لأن المسرح في المملكة يصطدم من وجهة نظري بالأعراف والتقاليد أكثر من اصطدامه بالهوية الإسلامية.
* رغم أن الأعراف والتقاليد قد تقف في جبهة مضادة للمسرح إلا أنك اهتممت برصد العديد من التقاليد والعادات في المملكة.. فلماذا؟ ...
- لكوني دارسة مسرح اهتممت باستلهام التراث، لأن الكاتب حينما يبدع لا بد أن يكون له تراث يتكئ عليه واكتشفت أن كل الموروث الشعبي في الوطن العربي استهلك تقريبا مثل الأراجوز وصندوق الدنيا والمحبظاتية وبدأنا نلجأ إلى الإرث الإفريقي..
أما الوضع في المملكة فثمة منجم من التراث لم يكتشف بعد وقد حاولت أن أبرز هذا التراث والعادات والتقاليد أولا لتدوينها وحفظها وثانيا لأنها أشياء دقيقة تفوت كثيراً من الباحثين مثل السراري والهود والنقش على الحوائط فكتابي عن العادات والتقاليد في المملكة تركز بالدرجة الأولى على تفاصيل منسية وبدائية تسبق قيام المملكة ولكن للأسف لم أستطع أن أكمل الجزء الثاني لضعف إمكانياتي الفردية وللحاجة إلى فريق عمل متكامل وأرجو أن يتوافر هذا مستقبلاً!
شريف صالح
|
|
|
|
|