| الاخيــرة
أتيح لي إقامة ندوتي حوار فكري في منزلي على مدى يومين متتاليين ضمت نخبة من العلماء والمفكرين الصينيين المستعربين، منهم البرفسور تسنغ جيكون رئيس مجمع الأدب العربي بالصين والمشرف على دكتوراه اللغة العربية والذي ألَّف أكثر من عشرين كتابا وترجم مثلها.. والبرفسور جولتا نائب رئيس جامعة الدراسات الأجنبية ببكين وصاحب المؤلفات الكثيرة في النحو وغيرهما من الأساتذة الكبار مثل يانغ خون، وزانق هونغ، وزوكي، ولي ون يان والخطاط المشهور شيشن قوي وهم أصحاب مؤلفات كثيرة.
وتناول الحوار في الأمسيتين الأدبيتين محاور عدة، كان فيها الحديث عن المملكة تجسيدا للصورة الحقيقية لواقع المملكة الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومما زاد الصورة بهاء أن بعضا من هذه النخبة الكريمة قد زار مهرجان الجنادرية أو سوق عكاظ الحديث كما يسمونه في الصين، وفي ظل هذاالحوار كان الحديث عن اللغة والشعر والتاريخ وتفاعل الحضارات، ومنهجية العمل والتفكير.
وفي الحديث عن اللغة أوردت ذلك التباين بين اللغات من خلال التباين في غناها بالمفردات ذات الدلالات عن المراحل المتباينة في المناحي المختلفة من تذكير وتأنيث، وتعبير عن الأحاسيس.
فاللغة الانجليزية مثلا ليس بها تمييز في صيغة الأمر للجمع والمفرد، والمؤنث والمذكر، بينما تجد ذلك في اللغة العربية واللغة الفرنسية مثلا، كما ان اللغة العربية تجسد تلك الأحاسيس الانسانية فهناك وئام، وحب، وعشق، وغرام، وهيام بينما تخلو كثير من اللغات من مثل تلك التعابير للدلالات المختلفة للأحاسيس البشرية، اضافة الى مفردات اللغة العربية التي بزَّت بها أقرانها.
وفي الوقت ذاته تبقى اللغة العربية اللغة الفريدة من لغات العالم التي تنفرد باشتقاقاتها الكثيرة التي يمكن من خلالها تغطية ما قد تجلبه التقنية من منتجات تحتاج الى مسميات، وفي رد على ما طرح عما ذكر من ان كتابة اللغة الصينية برسوماتها التعبيرية دلالة على بدائية اللغة، وهل اللفظ الصوتي للغة ذاتها كذلك، كان التعليق منصبا على ان هذا الطرح قد جانبه الصواب ودلالته استيعاب التقنية الحديثة للغة الصينية، وان تعامله معها أيسر من تعامله مع اللغات الأخرى.
وعن الشعر، اتفق الجميع على ان الشعر في اللغة العربية شعر موسيقي جميل، يستهوي الألباب ويسوق المعنى بألفاظ تسبك بمعين من ذهب فريد، وان هذه النغمات الشعرية التي قننها الخليل بن أحمد ومن بعده في ستة عشر بحرا، كانت زاد البدوي في الصحراء وهو على ظهر البعير يحدو به بين الفيافي والقفار، فيترنم على اهتزازات ذلك المخلوق البديع. أما الشعر في اللغة الصينية فهو شعر مغنىً توارثته الأجيال من نغمات موسيقية بدأت مع بدء الانسان الصيني بالتعامل مع الآلة الموسيقية القديمة وقلما تجد تلك الموسيقى الشعرية في كثير من اللغات في العالم.
وذكر البعض ان الشعر العربي عابه ذلك التجسيد المادي للمرأة في وصفه لمفاتنها وصفا تجاوز العينين والأنف والخدين الى ما هو أعمق من ذلك، بينما لا يتعدى وصف المرأة في الشعر الصيني التشبيه بكل ما هو جميل في الحيوان أو الطبيعة. وقد اختلف الجمع في ذلك، وأرى انها لا تخلو لغة في العالم من ذلك التجسيد غير ان هناك تفاوتاً في الكم والكيف، وفي نظري ان التجسيد المادي للمرأة في الشعر العربي محدود ولا يتعدى الوصف الظاهر فحسب، لتعلق العربي بكل ما هو جميل في الطبيعة والحيوان والانسان فهو قد وصف جمال الطبيعة فذكر الربيع، وخرير الماء، وعبق الخزامى ووصف الفرس والأسد والغزال والبقر الوحشي وسواها. كما وصف من المرأة كل ما يظهر له من مفاتنها ولم يتجاوز ذلك، بينما حمل الشعر في لغات أخرى ما هو أعمق من ذلك.
والتاريخ باب واسع لاسيما عند الحديث عن أمتين عريقتين كالأمة العربية والأمة الصينية، وتمازجها العجيب منذ ألفي عام عندما كان خطا الحرير البري والبحري قائمين لنقل البضائع بينهما رغم بعد المسافة وعناء السفر، ولذا فأي زائر للصين سيجد كتابة الآيات القرآنية الكريمة والمساجد والنقوش على الصخور وكذلك المراصد القديمة والأسماء وبعض الأسر وشيئا من الأعشاب الصالحة للتداوي.
|
|
|
|
|