| أفاق اسلامية
* تحقيق عبدالله بن ظافر الاسمري:
في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال )واما الرجل الذي اتيت عليه يشرشر شدقه الى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه الى قفاه، فان الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق( الحديث.
كم من متهاون بكلام يحسبه هيناً وهو عند الله عظيم، يكذب الكذبة تبلغ الآفاق ويصدقها الناس ويتناقلها الركبان، وقد يكون منشأها حديث لمتشدق او اشاعة لمغرض لهدف او لغير هدف، الامر خطير، ولا يحتمل التأويل او التماس العذر، فهي ارباك لوتيرة المجتمع، وارجاف الخلق ومسيرتهم اليومية، والاخطر عندما يطير بها جاهل لها، ليزيد جمرها لهيباً، ودائرتها اتساعاً، واخطر من ذلك كله عندما يتبناها قوم عارفون ببهتانها، ولكنهم يشعلونها وينشرونها لهوى في انفسهم او من باب الفضول ولرؤية مدى اثر وقعها بين عباد الله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال)كفى بالمرء كذباً ان يتحدث بكل ما يسمع( وفي هذا الموضوع نتناول باذن الله الشائعة )الكذب( ونرى مدى خطورتها وفتكها وضررها. فإلى الموضوع:
الحكم والعلة
في بداية الامر يتناول الموضوع فضيلة الشيخ سعد بن مطر العتيبي المحاضر بالمعهد العالي للقضاء مبيناً حكمها والاسباب التي ساعدت على تفشيها بين الناس قائلاً )قد يكون عرض الشيء وتصويره على حقيقته، كافيا في بيان حكمه، فاذا ما علمنا ان الاشاعة هي: الاحاديث والاقوال والاخبار التي يتناقلها الناس والقصص التي يروونها، دون تثبت من صحتها او تحقق من صدقها، لجهالة مصدرها او جهالة حاله او دوافعه، مما يؤدي الى اثارة البلبلة، وتحريف الحقائق، وتشويه الافكار، والتشنيع على الآخرين، دون وجه حق.اذا علمنا ذلك تأكد لدينا ان الشائعات على هذا النحو من الامور التي لا يخالف في حرمتها احد، ومن النصوص الدالة على حرمتها لما فيه من اشاعة الكذب والاضرار بالناس ما يلي:
1 قول الله تعالى:)انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون( )النحل:105( فالمنشي للاشاعة يخشى عليه من هذا الوصف وهذا الوعيد.
2 قوله تعالى:) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً واثماً مبيناً( )الاحزاب:58(، وهذا يدخل فيه مصدر الشائعة، وناقلها.
3 قوله تعالى عن المرجفين بإشاعة مالا يجوز اشاعته:) ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلاً( )الاحزاب:61(.
4 قوله صلى الله عليه وسلم:)ان دماءكم واعراضكم واموالكم عليكم حرام( متفق عليه.
5 قوله صلى الله عليه وسلم اوردها البغوي في شرح السنة :)ومن قفا مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال( وهو عند ابي داود بسند حسنه الالباني رحمه الله تعالى.
6 ان الاشاعة فيها ترويع للمسلم وتخويف له، وهذا مما لا شك في تحريمه.
7 ان فيها ضرراً، والاسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، مع ان تحريم الكذب معلوم من الدين بالضرورة، وهو مذموم الا في حالات معينة، لجلب مصلحة او دفع مضرة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:)لا اعده كاذباً: الرجل يصلح بين الناس يقول القول ولا يريد به الا الاصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها( رواه ابو داود بسند جيد، وله اصول في الصحيحين.
الاسباب والدوافع
يضيف فضيلته قائلاً: هناك اسباب تحمل على صنع الاشاعة، واخرى تحمل عى اشاعتها وتناقلها، وهذه نماذج منها:
1 جملة من المؤثرات الشخصية النفسية، مثل: الكراهية بحق او بغير حق لمن يشاع عنه، او الرغبة في شيء، او الخوف من آخر، او الفضول، او التسويغ والتبرير لأمر ما، او حب التحليل والتفسير لما يدار من اخبار، او بقصد المدح او الذم، او تخفيف التوتر النفسي والتسلية والتنفيس عن النفس فيما حُرمت منه، ويكثر ذلك ايام الازمات السياسية والاقتصادية والحربية حيث يكون الجو ملائماً لرواجها او اجتماع عدد من هذه الامور.
2 سعي الشخص المشيع حقيقياً كالافراد، او اعتباريا كوسائل الاعلام من صحف وقنوات فضائية ونحوها للظهور بالسبق الى معرفة مالا يعرفه غيره، والشعور بالنشوة عندما يرى المشيع اصغاء السامعين له مثلا وشخوص ابصارهم اليه، وتلهفهم لما يقول.
3 عدم تصور الناقل والمتلقي للنتائج السيئة التي قد تترتب على اشاعة هذا الخبر سواء كان صحيحاً، او في حالة بطلانه، ولا سيما مع ضعف الوازع في النفوس.
4 انعدام المعلومات او الغموض في بيان امر ما مما هو محل اهتمام المجتمع او شريحة منه، فان مثل هذه الحال يولد حباً عجيباً لكشف الغموض بأي وسيلة.
5 البث عبر موجات )يقولون(، اما ابتداءً او تسرعاً في الاجابة على تساؤل.
6 اعتماد مصادر غيرموثوقة والتسليم بما يصدر عنها دون تثبت، لاعتبارات مختلفة، كالوثوق بما يكون مطبوعاً في كتاب، لمجرد كونه طبع في كتاب او ما ينشر في وسائل الاعلام، لمجرد انه نشر في جريدة او سمع من اذاعة او شوهد قائله على شاشة او صفحة اكترونية، دون نظر المشيع الى مصداقية ذلك المصدر او تلك الوسيلة التي نشرت فيها تلك الشائعة، ولاسيما اننا في عصر كثر فيه الدجل والدبلجة.
7 وجود التخطيط المسبق المدروس للشائعات التي يراد من ورائها تحقق اهداف معينة، مما يجعل رواجها اشد انتشاراً، لسبق التخطيط لها واستشراف ردود الافعال ومن ثم دعم بقائها، وصد ما قد يرد من التشكيك فيها، فان الشائعات فن له منظروه، ومن النظريات السيئة في مجال الشائعات، ما يعرف بنظرية )جوبلز( في الاعلام، وهي:)اكذب ثم اكذب ولا بد ان يصدقك الناس(.
اشاعة الباطل ونشر للشر
ثم ينتقل الحديث للشيخ عبدالله بن محمد المرزوق امام مسجد التعاون بالدار البيضاء، فبيّن فضيلته قائلاً: قبل ان نتحدث عن حكم الشائعة والكلام عنها من منظور شرعي. نعرف الشائعة: وهي كما نقل في المنجد ان الشائعة )شاع الخبر شيعاً بمعنى اذاعه وافشاه(. وعلى هذا التعريف يتبين لنا ان الشائعة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر، ويعضد ذلك ويعززه قول الحق سبحانه )واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان الا قليلاً(.
قال الشوكاني عند تفسيره لهذه الآية في الفتح القدير )يقال اذاع الشيء واذاع به اذا افشاه واظهره وهؤلاء هم جماعة من ضعفة المسلمين كانوا اذا سمعوا شيئاً من امر المسلمين فيه امن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم او فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم افشوه وهم يظنون انه لا شيء عليهم في ذلك.
والذي يعنينا في هذا الجانب هو الحذر كل الحذر من اشاعة الباطل والشر خاصة لانه خطر على المجتمع المسلم وعقائده وثقافاته وتوجهه. كما اشيع قبل سنتين مضت عن )ثعبان مقابر المدينة( ولعل من اشاع هذه الشائعة اراد تخويف تارك الصلاة. ولكن ما ورد الينا من الادلة الصحيحة غنوة عن ذلك بل ماهو اشد من ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم )العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر(، وغير ذلك من الاحاديث الصحيحة. فانظر اخي المسلم الى هذه الشائعة التي تمس العقيدة لان عذاب القبر ونعيمه امر غيب ولا يعلم الغيب الا الله وهذا من اعظم الكذب، وقد قال تعالى)الا لعنة الله على الكاذبين(، وقال تعالى )قتل الخراصون( اي الكاذبون، وقال سبحانه )ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب(، وفي الحديث الذي في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم )وان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار، ومايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً(.
فعلى المسلم العاقل ان يتحرى الصدق ويتثبت في الامر قبل قوله او نقله كما قال الحق جل وعلا )يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين( وقد جاء في حديث سمرة بن جندب مطولاً في صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه وسلم )فأتينا على رجل مضطجع لقفاه، وآخر قائم عليه بكلوب من حديد يشرشر شدقه الى قفاه وعيناه الى قفاه، ثم يذهب الى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الاول. فما يرجع اليه حتى يصبح مثل ما كان، فيفعل به كذلك الى يوم القيامة، فقلت: لهما من هذا؟ فقالا: انه كان يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق//.
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) كفى بالمرء اثماً ان يحدث بكل ما يسمع(، وفي حديث ابي امامه )كفى بالمرء كذباً ان يحدث بكل ما يسمع(، وقد صححهما الالباني في صحيح الجامع.
تعددت الانواع
بعد ذلك يعود الحديث لفضيلة الشيخ سعد العتيبي ليوضح ان الشائعات في التقسيم العلمي للدارسين تقع في انواع منها: ومن تقسيمات دارسي الشائعات التي ينبغي التنبه لها، لما ورءاها من اهداف، اقسام الشائعات من جهة انتشارها، فانها تقسم الى اقسام، منها:
1 الشائعة البطيئة او الزاحفة، وهي التي يتناقلها الناس همساً، او بأي طريقة سرية الى ان تشيع وتنتشر، ولبطئها اسباب، كغرابتها وتوقع عدم تصديقها في البداية، او لكونها تخالف معتقدات المجتمع وشرائعه وعاداته.
2 والشائعة السريعة، لوجود ما يساعد على انتشارها والخوض فيها، كالشائعات التي تبث عبر )الساحات والمنتديات( على شبكة المعلومات الدولية )الانترنت( التي يمكن ان تسمى بحق )ام الشائعات(.
3 والشائعة الغاطسة او الغائصة، التي تظهر في ظروف وفي وقت ما، ثم تختفي، ثم تعود الى الظهور من جديد في الاحوال والظروف المشابهة التي ظهرت فيها اول مرة. ومنها شائعات الحروب، والقصص والاحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم التي يشيعها المتصوفة في اوقات وظروف معينة، كما يعرف برسالة الشيخ احمد خادم الغرفة النبوية زعموا.
وسبب هذا الغطس او الغوص قد يراد منه ابقاء تلك الشائعة في العقول لتقبلها وترسيخها في الظروف المشابهة حين ظهورها للمرة الثانية وما بعدها، او لتتمخض الحاجات البشرية في الظروف المتشابهة عن تولد اقاصيص مشابهة مع الزمن، او للتهيئة لامر ما يخدم مصدر الشائعة.وقبل هذا وذاك التربية الخاطئة من الاسرة او المدرسة او المجتمع، وذلك بنشوء الطفل في بيئة تردد اخبارا تقدم لها بمقدمة من مثل: سمعت ان..يقولون ان..اظن ان..يمكن ان فلاناً..فهذه المقدمات ونحوها مؤهلات لوجود الاشاعة واستمرارها.
اكتشاف الداء وحكمة الدواء
ويواصل فضيلة الشيخ سعد العتيبي حديثه عن السابقين وهم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم في ما يعترض لهم من مثل هذه الاحداث فيقول فضيلته: سأقتصر على ذكر ثلاثة نماذج لتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه مع ما يصل اليهم من اشاعات، ذكرها اهل التفسير والسير، فمن ذلك:
قصة عبدالله بن ابي بن سلول زعيم المنافقين لما قال قولته التي ذكرها الله تعالى في سورة المنافقين:)لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل( )المنافقون:8(، وهو يعني بالاعز نفسه وبالاذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقل زيد بن ارقم الانصاري رضي الله عنه هذا الكلام الى الرسول، فتغير وجهه واراد ان يتثبت من صحة النقل فقال:) يا غلام لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت( فقال:) والله يا رسول الله لقد سمعته(. فقال:) لعله اخطأ سمعُك( وفي رواية البخاري: فصدقهم وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله فجلست في بيتي فأنزل الله )اذا جاءك المنافقون..( فقال له النبي صلى الله عليه وسلم )ان الله قد صدقك يا زيد( وهذ الاجراء من النبي صلى الله عليه وسلم دليل على وجوب التحري والتثبت، حتى لو نقلت الاشاعة عن العدو.
قصة الوليد بن عقبة مع بني المصطلق، فانهم خرجوا ليتلقوه بالصدقة، وكان قد ذهب ليأتي بصدقاتهم، فلما رآهم قد خرجوا، رجع الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ان بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك، فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم كلامه، بل ارسل خالد بن الوليد للتحري والتثبت ونزلت الآية:)يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا(.
قصة ابي ايوب الانصاري وزوجه رضي الله عنهما لما سمعما ما اشاعه المنافقون من حادثة الافك، ذلك ان ابا ايوب خالد بن زيد الانصاري رضي الله عنه دخل على زوجه رضي الله عنها ، فقالت له: يا ابا ايوب اسمعت ما قيل في عائشة؟ تعني ما رمى به المنافقون عائشة رضي الله عنها فقال: نعم، وذلك الكذب، اكنت انت يا ام ايوب تفعلين ذلك؟ قال: لا والله. قال فعائشة والله افضل منك، قالت ام ايوب: نعم..فهذه نماذج لكيفية التعامل مع الشائعات.
1 ويتطرق فضيلته للامور والحلول التي تعالج باذن الله هذه القضية قائلاً: وجوب التثبت من الاخبار وعدم المبادرة بتصديقها دون روية وفكر وبحث، اذا صدرت من فاسق او من في حكمه، وفي وجوب ذلك يقول الله تعالى )يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين( )الحجرات:6( طلب البرهان من الناقل لها، كما قال تعالى في حادث الافك:)لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون( )النور: 13( فان ذلك مما يحد من انتشارها، ومن ثم يدفع ضررها.
2 تربية النفس على الامتناع عن الكلام فيما لا نفع فيه، ويدل لذلك نصوص منها:
قوله صلى الله عليه وسلم:)من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً او ليصمت( وفي رواية )او ليسكت( متفق عليه، فشأن المؤمن قول الخير وما يوصل اليه، والسكوت عن الشر وما كان وسيلة اليه، لان القول كله اما خير او شر او وسيلة الى احدهما، فان كان خيراً او وسيلة الى الخير فليقله، وان كان شراً او وسيلة الى الشر فليصمت.
وقوله صلى الله عليه وسلم:) ان الله حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال( رواه البخاري، فان المراد هنا الاشارة الى كراهة كثرة الكلام، لانها تؤدي الى الخطأ، سواء كانت من اقوال الناس واخبارهم والاستكثار من ذلك او من حكاية الاختلاف في امور الدين، ومحل كراهة ذلك: ان يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الاكثار من الزلل والتلبيس على الناس، ولاسيما ممن ينقل ذلك دون تثبت. وذهب بعض العلماء الى ان المراد بكثرة السؤال: السؤال عن اخبار الناس واحداث الزمان، او كثرة سؤال انسان بعينه عن تفاصيل حاله، فان ذلك مما يكره المسئول غالباً.
وقوله صلى الله عليه وسلم )كفى بالمرء اثماً ان يحدث بكل ما سمع( رواه مسلم، فان الحديث المسموع من الناس فيه الكذب والصدق والحق والباطل، فمن يحدث بكل ما يسمع سيحدث بالكذب والباطل قطعاً.
ومما يؤكد معنى هذه الاحاديث، ان كثيراً من الدراسات التي اجريت على مجموعات من الناس، قد خلصت الى ان 70% من تفاصيل الاخبار تسقط من خلال خمسة او ستة تنقلات من فم الى فم، حتى وان لم يكن بينها فترة زمنية فاصلة، ويبدأ سقوط التفاصيل في نزول مطرد حتى ينتهي الخبر الى خبر مقتضب، مضافاً اليه كثير من المبالغات والتفاصيل التي لم يرد لها اي ذكر.
3 الامتناع عن استماع الكذب، فان استماعه من صفات اليهود:) سماعون للكذب( )المائدة:51(.
4 امتناع المسلم من اتباع ما لا علم به، ومن ذلك عدم ترديد الاشاعة وحصرها في اضيق الحدود حتى لا يكثر من يساعد على نشرها، قال الله تعالى:)ولا تقف ماليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولاً()الاسراء2(.
5 عدم نسبة المستطرف من الحديث والفكاهات الى اشخاص معينين او اهل بلاد او اقليم او نحو ذلك، ولو سمعها الناقل منسوبة اليهم، لما في ذلك من الحاق الاذى بالامم والجماعات، دون وجه حق، مع علم كل احد ان اقل مجتمع كان، لابد فيه من محاسن ومساوئ، وخير وشر.
6 احسان الظن بالمؤمنين مهما كان الخبر عنهم قابلاً للتصديق، فعلى المسلم ان يستبعد وقوع ما اشيع عن اخيه، كما يستبعد وقوعه من نفسه، ثم ان للناس احوالاً لو اطلع عليها الآخرون لعلموا انهم قد اساؤا الظن بهم، ومما يؤكد هذا الاصل قول الله تعالى:)لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنين والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا افك مبين()النور:12(.
7الوضوح والامانة في وسائل النشر والاعلام، ونقل الاخبار والفتاوى ونحوها، كما هي دون تصرف، وعدم صياغة عناوين مثيرة بعيدة عن حقيقة الخبر او نص الفتوى وحدودها، والبعد عن كل ما قد يوهم التناقض او اللبس، ويفتح مجالاً للتحليلات والتفسيرات الباطلة والاشاعات المشبوهة، فالشائعة وليدة الغموض والتناقض للمواقف والاحداث الامر الذي يتيح الفرصة لاطلاق التفسيرات التي تؤيد او تعارض الواقعة ومما يزيد من حدتها.
8 الرجوع الى جهة الاختصاص لمعرفة الحق في الاخبار الشائعة، من اشخاص او مصالح حكومية او هيئات رسمية او غير ذلك، قال تعالى عن المنافقين الذين كانوا يتلقون اخبار السرايا ويشيعونها قبل ان يتحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهو جهة الاختصاص:)واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم()النساء:83(.
9 المقاومة الفعلية للاشاعة بطريقة عملية ايجابية، تقوم بها الجهات المسئولة كالبلاغات والبيانات التي تفندها، ومعاقبة المروجين لها، كما قال تعالى:) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلاً، ملعونين اين ما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلاً()الاحزاب:60،61( وقد اخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد وابعدهم عن المدينة، ثم قاتلهم لاستمرارهم على ايذاء المسلمين بشتى الوسائل، وذلك في غزوة بني قينقاع وبني النضير، وبني قريظة، وقد حدد الاسلام عقوبة للاشاعة التي تتعلق بالاعراض، وهي حد القذف الذي يتهم في البرآء بالفاحشة، قال تعالى:)والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً ابداً واولئك هم الفاسقون()النور:4(.
زيادة للقلق وشعور بالنقص
بعد ذلك كله، يحسن الانتقال بالحديث للجانب النفسي عن هذه المشكلة، حيث تحدث ل الرسالة الاخصائي النفسي بمستشفى الصحة النفسية بالرياض الاستاذ هلال بن احمد الغامدي الذي بدوره اوضح المشكلة وتناول اطرافها قائلاً: تسري الشائعة بين الناس كاللهب وتعاني المجتمعات من ويلاتها والشائعة لها مضار في ايام الحرب والسلم.
فهي تثبط من عزيمة المقاتل وقت الحرب وهي تقلل من كفاءة الانسان في العمل ايام السلم، وتعرف الشائعة انها كل قضية او عبارة نوعية مقدمة للتصديق وتتناقل من شخص الى شخص عادة بالكلمة المنطوقة دون ان يكون هناك معايير اكيدة للصدق، واحياناً تظهر في الصحف والمجلات، او تجد طريقها الى موجات الاذاعة وتدور الاشاعة حول احداث او حول شخصيات وتنتشر الاشاعة اذا توفر لها الاهمية والغموض وتتعدد الاشاعة في انواعها من حيث تصنيفاتها واسبابها المختلفة.
ومن الآثار التي تتركها الاشاعة على المجتمع:
1. تدمر الروح المعنوية لافراد المجتمع بشكل مباشر.
2. تؤثر على الكفاية الانتاجية للانسان وبمستوى انتاجيته.
3. تحدث الاشاعة تفككاً بين افراد الجماعة الواحدة.
4. إن تفشي الاشاعات في مجتمع يؤدي الى حجب الحقيقة عن الناس فيصعب على الناس ان يتبينوا الاخبار وحقيقتها.
5. قد تؤدي الشائعات الى اضعاف موقف المجتمع في الظروف العصيبة.
اما الاثر النفسي لمن يهتم بالاشاعة سماعاً ونقلاً:فان انتشار الشائعات لدى الافراد يزيد لديهم مقدار القلق ويزيد من معدل انفعالاتهم بمحتوى الشائعات، وبالتالي يصبحون هؤلاء الافراد اقدر من غيرهم على نقل الشائعات وترديدها وتضخيمها بدرجة كبيرة ومن ثم يصبحون خطراً على المجتمع.ومن الآثار النفسية لمن يهتم بالاشاعة سماعاً ونقلاً: انه شخص غير مشبع في كثير من حاجاته اي ان لديه شعوراً بالنقص في كثير من جوانب حياته، وانه شخص لا يثق في نفسه لما ينتابه من خوف فيتوهم اشياء كثيرة لا تستند على اساس صحيح فتصبح الشائعة اسقاطا فيشعر ناقل الشائعة في هذه الحالة انها تبعده عن المخاوف وتكون الشائعة ذات طابع عدواني ضد الآخرين، وان الشخص الذي يهتم بالاشاعة تعكس ان لديه عدم الشعور بالامن وتشويش بالادراك للاشياء.
|
|
|
|
|