| مقـالات
هذه الدعوة تتعلق بالفتاة السعودية في الواقع الاجتماعي المعاصر وما يلقاه هذا الواقع من تحديات عصرية منها: التقدم التكنولوجي، والتغير في خريطة النمو السكاني، والتوجه نحو الخصوصية في الوحدات الاقتصادية في ظل العولمة وتحت مظلة التكتلات الاقتصادية، والثورة المعلوماتية في رحاب ذلك الطوفان الهادر من الفضائيات وما تبثه من موجات ثقافية تحت مسمى الإبداعية وما تبعثه من توجهات اجتماعية تحت مطلق ما بعد الحداثة وتأثيرها فيما في حضن الأصالة من عادات وتقاليد متوارثة.
وفي ظل هذه الهوجة عبثية التطويع والدافعة لحتمية المطاوعة ليس لنا من بد إلا أن نتحدث بصراحة فنقول ان محو الأمية والتصدي لظاهرة التسرب من التعليم خاصة في تعليم البنات بحجة ان معيشتهن داخل جدران المنزل كفيلة بأن تؤهلهن لحياة منزلية مستقبلة، وأمومة متوقعة ومآل لحياة زوجية هي خير وأبقى.
ولكن في ظل ما ذكرناه من تحديات هل يعتبر هذا التوجه مساعداً لبناء شخصية الفتاة وتنمية قدراتها العقلية ويدعم من احترامها لذاتها، وتقديرها لقيم المجتمع، والانتماء المتوافق مع النسق الوطني المعاييري، وغرس روح المسؤولية الناهضة على أمارات الرضا والقناعة، وتأهيل الأم المستقبلية التي تضطلع بتربية الأجيال ذات القوة المنتجة، والقدرة التشاركية في العطاء، وبناء نهضة المجتمع ومؤسساته؟والإجابة المبنية على الادراك الواعي بالقطع ستكون لا وألف لا. لماذا؟ لأن الفتاة التي لم تدخل في رحاب التعليم في أيامنا هذه إنما تدور حياتها في دوائر مفرغة تنتقل من واحدة لأخرى انتقالاً عفوياً ينعدم فيه امكانات الوعي لأن عدم اقبالها على التعليم يمثل عائقاً أمام مخططات النمو وسياسات التطور والتقدم نظراً لأن مجتمعنا تتجه المؤشرات الاحصائية نحو كونه يضم فئتين متوازنتين من الذكور والإناث، وأن أكثر من 48% من نسائه لم ينلن قسطاً من التعليم، وأن 35% ممن يتعلمن هن خارج السلم التعليمي، وأن أعلى نسب التسرب من التعليم تحدث في المرحلة الأولى من التعليم فضلاً عن تلك الفجوة القائمة بين أساليب وظروف تعليم كل من الذكور والإناث وأن مواطن الأمية والتسرب من التعليم متوافرة وبقدر كبير في الريف والبادية على طول وعرض بلادنا، وكأن فرص التعليم وإمكاناته المتاحة لم تكن قاصرة إلا على المدن والعاصمة وحدها.
وإزاء ذلك يجدر القول صراحة إن الاستثمار المقدم في مجال تعليم الفتيات هو أفضل استثمار نظراً لانعكاساته على البيت والأولاد، وعلى البيئة المحيطة، وعلى المجتمع بأسره، حيث إن تعليم الفتيات يأتي بأمهات صالحات، وبأطفال أصحاء، وبناء أسري متوافق وسليم، وظروف حياتية أجدى وأفضل فضلاً عما يقمن به من مساهمات إيجابية في مخططات وبرامج تفيد تنمية المجتمع، والمشاركة في صيغ القرارات الاجتماعية والاقتصادية في محيط الأسرة باعتبارها مؤسسة اجتماعية وليس مجرد التواؤم والجمع في بيت واحد بين رجل وامرأة وإدارتهما من الأبناء، ولكنها بمثابة قاعدة أساسية قوامها التعاون والتفاهم في تحمل المسؤولية بين الطرفين قبل البيئة والمجتمع المحلي، بل وعلى مستوى المجتمع ككل وذلك بما تقدمه من رؤية، ومن ممارسة في حدها الأدنى هي متابعة أبنائها في التعليم، ومعالجة صعوبات التعلم، والدفع بهؤلاء الأبناء للمواصلة رقياً في السلم التعليمي والحيلولة دون التسرب من التعليم في أي مرحلة من مراحله.ولما كان تعلم الفتيات يمثل مدى ما يحرزه المجتمع من تقدم ومنافسة دولية، ولذلك فإن دولتنا ومن خلال هيئاتها ومؤسساتها التعليمية، ونخص بالذكر في هذا الصدد الرئاسة العامة لتعليم البنات، وخاصة في الوقت الراهن حيث تهتم اهتماماً بالغاً بتعليم وتدريب وتوفير احتياجات التعليم، وإعداد وتنفيذ برامج متطورة لمحو الأمية خاصة في المجتمعات الريفية والصحراوية حتي بدأ الاهتمام يتجه نحو تنميتها وتنشيط نواحي البرامج الاجتماعية المتضمنة بها.
ومع هذا الجهد المبذول الذي تشكر عليه هذه الجهات التي تضطلع به إلا أن الأمر ما زال في حاجة لمزيد من الجهد من قبل أجهزة الدولة المعنية لتحقيق المزيد من النجاح في هذا الصدد وإزاء ذلك نؤكد أن تعليم الفتاة ضرورة اقتصادية من أجل حياة أفضل، بل وتقديم نموذج للفتاة العصرية يتفق مع ما وصلت إليه السعودية من دور رائد في التعليم ومؤسساته.
|
|
|
|
|