| الثقافية
(2) الصندوق المغلق..
** قلت في الأسبوع الماضي، إن هناك قضايا كثيرة تستحق الكتابة ليس آخرها الحب والعمل والفقر والغنى والكرم والبخل.. الى آخره، وهذه الأخيرة البخل تستحق فصلا كاملا، لأنها عالم قائم بذاته وله عشاقه، إنها صفة غريبة لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، نقطة سوداء في السلوكيات الانسانية وهي سبب تفكك بعض الأسر وانحراف الأطفال، بالاضافة الى حرمان أصحابها من نعم عديدة، وهي صفة تحتاج الى فصل كامل لأن أدباء سابقين ألفوا عنها كتبا وليس فصولا، لأنها بالفعل تدعوك للتساؤل كيف يمكن لانسان أن يعاقب نفسه بالبخل وهو يظن أنه يكافىء نفسه، وأصحاب هذه الصفة دائما ما يهربون من الواقع بكل زخمه وسلبياته وايجابياته الى (المجهول) الذي لا نعرف عنه شيئا. ولهذا تلاحظ أنهم يمشون على هذه الأرض بكل بطء واتكالية وسوء فهم، ترى هيئاتهم على وشك الستين عاما وهم بعد في الأربعينات لكن هذا لا يهم طالما أن الريال ينام بجانب شقيقه آمنا مطمئنا.
وهنا، في هذه الحياة / النص المسرحي المميز، نماذج كثيرة و(كاركترات) عظيمة تستحق التوقف كثيرا وتدعو للكثير من الأسئلة العظيمة أيضا وهكذا هي الحياة منوعة ومثيرة ووجوهها كثيرة، وصناديقها المغلقة كثيرة مثل صناديقها المفتوحة.
** الطفولة، الحب، العمل، الفقر، الحرمان، الغنى، الغيرة، التي تجعل الكثيرين لا يقنعون بما لديهم.. كل هذه الأشياء موضوعات تصلح لكتب كثيرة ولكنها قبل كل شيء هي حياتنا التي يجب ان نتفهمها قبل أن نكتبها، وأن نعايشها قبل أن نكتبها، نعيشها بكل جمالها ومرارتها أولا وقبل كل شيء.
لقد كنت أفضل أن يكون أصدقائي من عامة الناس، هذا أفضل كثيرا، لسبب بسيط إنك من الممكن أن تعرف الآراء صريحة في كل شيء، هنا تعرف أيضا كل شيء صغير وجديد في محيطك، التفاصيل الصغيرة جدا التي لا يعرفها المثقفون ممكن ان تعرفها من هؤلاء الأصدقاء ومن زملاء العمل ومن ناس كثيرين تصادفهم هنا وهناك، كيف يتعرفون على بعض، كيف يتزوجون، ماذا تعني لهم أشياء اجتماعية مهمة، مثلا زواج المسيار، حالات الطلاق المرتفعة، علاقة الرجل بالمرأة، الحياة الحديثة كيف تؤثر على أرواحنا الآن، الظروف المادية الصعبة لبعضهم ماذا تفعل بهم، وهناك الكثير من المفردات والأفكار والأحلام الاجتماعية الجديدة التي يفترض ان يقترب منها الجميع ليس الكاتب فقط ومن مصادرها الأصلية.
هل أستطيع القول إنني من هؤلاء استقي مادة الكتابة، أظن ليس كثيرا، لكن المجتمع بكل ظروفه مادة ضخمة ومهمة للكاتب، والنقطة المهمة هنا هي في عفوية الطرح وفي الأفكار الجديدة والطازجة التي تخرج بها، أما (الناس) الآخرون الأكثر تفاصحا فإنهم نادراً ما يتحدثون عن أشياء حميمة مثل تلك اللقطات الاجتماعية التي يصطادها رسامو (الكاريكاتير) الموهوبون والمميزون في صحفنا المحلية ويقدمونها للقراء، أظن ان مثل هذه الرسومات نتاج صداقات وتماهي هؤلاء الرسامين مع عامة الناس، هناك في كل مجتمع غير حقيقية وغير مفيدة، وغالبا هم أبطال رسومات (الكاريكاتير)، انهم أولئك رجال ونساء الذين يبهرجون كل شيء، يبهرجون أنفسهم ويضعون الأصباغ الكثيرة على وجوههم حتى يكونوا في صورة حضارية لائقة، انهم يتحدثون عن حقوق الانسان وحقوق المرأة لكنهم لا يعرفون هذه الحقوق في حياتهم الشخصية، كما أنهم لا يعرفون أن الناس يكتشفون الأشياء المغشوشة بسرعة البرق، لهذا لا يطول تصديق تمثيلياتهم غير الناجحة، وتظل تلك الوجوه الأخرى المقابلة لهم في الصورة الاجتماعية الكبيرة لأي مجتمع، أكثر براءة وحميمية وصدقا، وجوه تمنح الحياة فينا دفعة قوية الى الأمام والى الابداع والتجدد.
لا أقصد أن على الكاتب أن يختار فئة معينة من الأصدقاء، ما أعنيه ان عامة الناس الذين تراهم في المقاهي أو في مدرجات ملعب كرة القدم هم نبض المجتمع الحقيقي، وإلا ما معنى أن كثيرا من كتاب أدباء وفناني العالم يذهبون كل يوم الى مقاهي أرصفة المدينة ويهربون من حوارات النخبة المثقفة، ربما أنهم يجدون في هذه المقاهي راحة وصدقا غير متوفر في أماكن أخرى.
لقد مر أكثر من عشرين عاما ونحن نكتب لكن لا أحد يعرفنا وهذا قدر أدباء العالم، لكننا بحاجة من صحافتنا المحلية، بالذات صفحات التحقيقات الاجتماعية التي لا تجد اهتماما كافيا ان تدخل عميقا في تفاصيل حياتنا الاجتماعية وطرح اسئلتها الهامة لمحاولة اكتشاف العادي في سلوكياتنا أو اعادة اكتشاف ممارسات اجتماعية مألوفة ولكنها سلبية في أغلب حالاتها.
* البقية الأسبوع القادم.. كتابة أخرى للتجريب؟!
** فاصلة شعر ( خيري منصور):
** قالت الريح هذا المساء:
من بلاد الحبيب أتيتْ
افتحوا بابكم فالسماء
أوصدت، وأنا دون بيتْ
ص.ب: 7823 الرياض: 11472
FAHADATEQ@HOTMAIL.COM
|
|
|
|
|