| مقـالات
في إحدى القصص القصيرة للأديب المصري الراحل «يوسف إدريس» يذكر في سياق قصصي تجريدي يغلب عليه الرمز، حكاية رجل ذهب الى فراشه لينام، وأمضى وقتا طويلا هناك يعتريه الكسل والخمول، حتى بدأت اعضاؤه تندمج مع مادة السرير، وتحول الى جزء منه، وفي النهاية تحول الفراش نفسه الى نعش للرجل فلم يغادره الا الى القبر!!
ويبدو هنا انه من المجحف في حق القصة ان اعرضها بهذه العجالة المختصرة، ولكن بالتأكيد هي مثقلة بالرموز، التي يلجأ لها المبدع «يوسف إدريس» في العديد من قصصه، فقد يرمز بهذا الرجل الخامل الى التاريخ العربي في الوقت الراهن والذي استطاب النوم، أو لربما الإبداع والابتكار الذي نام حتى انتهى مآله الى القبر.
ولكن الذي يجعل هذه القصة محتشدة بالأبعاد الانسانية، كونها تصور الملل والخمول كحالة مرادفة للموت.
فالكون دائما وأبدا يحمل صيرورته المتبدلة والمتحولة، وأي ثبات كان ومن اي نوع ما هو الا موت متنكر في أشكال متعددة، هو موت يحاول ان يجاري الحياة ويسايرها، لكنه بالتأكيد لن يستطيع ان يسيطر على طبيعتها العصية على القولبة والتطويع، والتبدل هو الناموس الإلهي الكبير في جميع الكائنات والمخلوقات واي خروج عن هذا التحول ما هو الا خروج عن نواميس الله في الكون.
فالذي يستطيب الهدوء والدعة والطرق الآمنة المطروقة يظل خارج الحياة وخارج مغامرتها المتوحشة الكبرى، يظل في مأمن هناك ولكن بالتأكيد ليس بداخل نهر الحياة متأثرا ومؤثرا، فقط حصاة ناتئة او لربما سد صغير سرعان ما سيعلوه تيار نهر الحياة المتدفق ويتجاوزه وعلى حين ان «السنة» تظل لاهية بخزانة أثوابها تبدلها وتغيرها مشهرة في وجوهنا أعاجيب الفصول وتغيرها.. فالكثير ما يظل متشبثا بوجه وحيد وبأس مصرا على انه الوجه الوحيد للحقيقة ، ومصرا على ان يلغي ويفني جميع من لا يشبه ويتواءم مع حقيقته!!
الملل هو صفارة انذار قوية تنطلق بداخل أرواحنا تخبرنا عن خطر الموات الفتور التوقف!! أي كل ما هو ضد الحياة، الملل هو رسالة عاجلة وملحة من أرواحنا لتخبرنا بأن هناك شيئاً على خطأ إما في حياتنا او في عملنا او لربما في نظرتنا الى الكون واشتباكنا اياه.الملل هو الرسول الأول للموت والذي ان لم نتأهب لمواجهته فان جيوشه ستكتسح تخومنا وتفنيها.
الحياة تمتلك ألف وجه ومئات التجليات النورانية، لماذا نصر على ان نخضعها الى أحادية التصور والتي لا يعقبها سوى بركة الملل الآسنة.
قال الله تعالى «وتلك الأيام نداولها بين الناس» وقال تعالى «فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً» صيرورة متبدلة دائما ترفض الثبات لأنها ضد الناموس الكوني العظيم في التغير والتبدل سنة الله في خلقه. ولكن يظل البعض مصرا على امتلاك الحقيقة دون العالمين «أم على قلوب أقفالها» صدق الله العظيم.
ردود: الأستاذ عبد الرحمن، الأستاذة التي تحدثت عنها لم تعد تعيش في السعودية على كل حال، ولا أدري ان كنت التي تعني أم لا.. شكرا على اهتمامك وكلماتك اللطيفة.
Email: omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|