| مقـالات
سمعت رجلاً لم ينل حظاً وافراً من التعليم، لكنه نال حظاً أوفر من التجارب، يقول بلهجته العامية: (جماعتنا مثل المعية كل شيء يُطعِّم بها)! و«المعية» نوع من أنواع القمح النجدي، المتعدد الأنواع والذي يُصنع من كافة أنواعه الوجبات الشعبية المعروفة التي تحتاج الى اللحم وأصناف الخضار لكي يتحسن مذاق أكلها! وقد يعمد الذين لا يتوفر لهم اللحم، بوضع قطعة من شحم، أو «ودك» وهو الشحم الذي تمت إذابته وتصبيره،
أو كسرة من عظم، لكي يتم تطعيم هذه الوجبة الشعبية مذاقياً ولو بدرجة معينة! وتأسيساً على هذا المثل فإن (المعية) أدنى الطعوم يُحسن مذاقها ويجعلها لذيذة الأكل!
وقد ضرب هذا الرجل المثل على جماعته الذين يُرضيهم ويدخل السرور عليهم ويجذبهم اليه ادنى الاشياء وأقلها فالسلام والمصافحة والكلمة الطيبة والمبادرة الاخوية، والثناء الحسن، وباقي التفاصيل البسيطة البسيطة، كلها وسائل تُدخل السرور وتكسب بها القلوب!
ولقد لفت (مثل) هذا الرجل نظري فهو ينقل لنا حقيقة إنسانية على صورة حسية يُدركها الإنسان البسيط. والحق أنه ليس جماعته فقط من يُرضيهم القليل من الود، فإن الناس عموماً يشتركون في هذه الخصلة وهي شيء نبه عليه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، حين قال: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا الا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) ولقد رأيت السلام والعناية بأدبه ونيته ووقته من خير ما يُدخل السرور ويجلب المحبة،
ويغسل النفوس، ويسقيها الحب والود وتجد أهل الخير والفلاح والتوفيق، يُعنون عناية شديدة به، ويهتمون به اهتماماً كبيراً، لوعيهم بأهميته وآثاره ونتائجه،
وتجد الناجحين على أصعدة الحياة المختلفة بامتداد التاريخ يفقهون اهمية التحية الاسلامية، وفائدة التفاصيل الصغيرة التي تدخل السرور على الانسان، فيحرصون عليها أشد الحرص، كسباً لقلب هذا الانسان،
وجمعاً لشعوره، وتأليفاً لقلبه! فهل تريد أن تكسب محبة خالقك، وتنجح في الحياة، ويحبك الناس، لا تهمل أدب السلام، لا تتجاهل التفاصيل البسطية الأخرى، التي يُسر بها أخوك المسلم، ذلك لإن إسعاد المخلوق،
هو بر وصلة بالخالق! حسِّن دائماً مذاق طبختك، وتذكر أن قمحك المطحون، يزيد في طعمه أدنى وأقل الطعوم التي تتيسر لك! فإن فاتك اللحم فحسِّن طعمه بقطعة شحم، أو كسرة عظم، لا تحقر اليسير، فإن فيه حظاً من اليُسر!
لا تبشرني بآذار!
< (آذار مارس سعد السعود) تسميات واحدة لنجم الربيع، حيث يعتدل الجو، ويأتيك الربيع ضاحكا! ولقد قال المتمثل قديماً: «من يبشرني بآذار وأعطيه دينار»!
لكن الربيع الطلق لا يأتي اليوم ضاحكا مختالا كما وصفه (البحتري) قبل مئات السنين! انه يأتي عابسا مترنحا حاملا معه الحساسية الربيعية الموسمية، حيث تُسد الأنوف، وتصفرُّ الصدور، فلا تسمع إلا عُطاساً ، ولا ترى إلا عيونا محمرة وجفونا متورمة، وأنفاساً تلتقط الهواء التقاطا!
ثلاثون بالمائة من الناس متحسسون في الربيع يدَّعون على اللقاح المتطاير من شجرة البرسوبس! وسبعون بالمائة سالمون من الحساسية يدافعون عنها لأنهم لا يعانون ويرون ان الشجرة مصدر للخضرة والاكسجين والجمال، وأن البلد بدونها ستكون قرعاء، وهي اليوم فرعاء مجدولة بضفائر (البرسوبس)!
لقد فازت (البرسوبس) بالانتخابات فصوت لها سبعون بالمائة، وبقي ثلاثون بالمائة يعركون أنوفهم الحمراء، وينظرون بعيون قانية دامعة الى (البرسوبس) فلا يرون من يتهمون سواها، فيتمنون لو اجتُثت من فوق الأرض ما لها من قرار! فلا يملكون لهذا أمراً سوى أن يرددوا: (ويلٌ للشجي من الخلي)! لقد صادقنا البرسوبس ففرشنا لها الأرض،
ولم ندر أنها: (لقطة غليص اللي حط بمحثله)! ولم ندر أنها أشبه بجرو الذئب الذي غذته العجوز على حليب شاتها، فلما كبر افترس بطن شاتها وأحرق قلبها! ونحن مع (البرسوبس) حين كبرت وطار لقاحها كتمت صدورنا وحجبت الهواء عن خياشيمنا!
ولم ندر أنها أشبه ما تكون بالشاعر المتنبي على أوجه شبه ثلاثة: أنها تنبأت لنا في بداية عهدها بالخضرة الساحرة والهواء العليل! ثم تنكرت لنا بعد ذلك! ان نصف الناس مدحوها ونصفهم ذموها!
انه ينطبق عليها وصف المتنبي (ومن الصداقة ما يضر ويؤلم)!
ثم إنه لا غريب في البيئة فنتهم!
ويقولون ان رجلاً مر على قرية فآوى الى خربة ليستريح فيها، فوجد فيها (كلبا) رابضا بجانبها، فأهوى عليه بحجر، فلحظه رجل من أهل القرية كان يمر بالطريق فزجره قائلا:
(هذا الكلب أقدم منك في هذه الخربة فهو أولى منك بها!).
فهل (البرسوبس) اولى منا بالمكان! لقد تأزمت الدعوى بيننا وبينها وطالت قضيتنا معها وغاب القاضي واختفى الشهود ورُفعت الجلسة وبقينا تحت أذرعتها نضرب أخماسا في أسداس! فإما ان ترحل وإما أن نرحل، فالمكان لا يتسع لنا معاً! ولا نظن ان أحداً سيقول إنها أولى بالمكان، إلا إذا كان من تلك القرية التي استضافها الرجل!
بريدة ص.ب 10278
asbt2@hotmail.com
|
|
|
|
|