أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 11th April,2001 العدد:10422الطبعةالاولـي الاربعاء 17 ,محرم 1422

مقـالات

مع التربويين

القيادة التربوية
عبدالحليم بن إبراهيم العبداللطيف
الحفظ الجيد والفهم السليم هما أس وجذر التربية الجادة والتوجيه السليم لطالب العلم والذي ينبغي ان يبني على هذا الأساس الجيد المتين وهو الذي حقق ويحقق للتربية الجيدة أهدافها ومغزاها ومرماها وكل جنوح عن هذا المنهج المتين مخل بالعملية التعليمية ومعيق لها ولايعزب عن البال ان هناك اختلافا بين الداعين للحفظ وأنه الأساس لحفظ العلم ومصطلحاته وقواعده، وبين الداعين لما يسمى بالفهم فقط وكلا الأمرين لدى التربويين الموثقين ليس بالأسعد بالحقيقة إذ لحفظ وحده دون فهم لا شك انه غير مفيد الفائدة المرجوة كما ان الاعتماد على الفهم دون حفظ لقواعد العلم ومصطلحات العلماء أيضا ناقص وقاصر عن الهدف المراد إذاً ماهو الرأي الصائب في هذا الجواب لدى النابهين من التربويين حيث يقولون والعلم عند الله تعالى إنه لابد من الجمع بين الحفظ الجيد والفهم الدقيق وكل واحد منهما يكمل الآخر ولا بد له منه وهكذا يجب ان يأخذ المعلمون طلابهم في هذا الاتجاه الذي أعطى وما زال يعطي إذا المسألة طرفان ووسط وخير الأمور أوسطها كما يقال وهذا في جل الأمور لا في كلها هذا ولقد بالغ دعاة الفهم وحده وأغلبهم ليسوا من التربويين المجيدين أو ممن حرموا نعمة الحفظ فبالغوا في هذا الاتجاه شأن كل محروم من شيء إلا من عصم الله، ويقول دعاة الحفظ وحده (ضلت التربية التقليدية معتمدة في جل أمورها على التقليد والحفظ والاستظهار وكلها ممارسات تفقد الخبرات التربوية المعنى والمغزى وتقف حائلا أمام تنمية المهارات وقدرات المتعلمين على التفكير ويجب ان تحل محلها ممارسات تدور حل مشكلات تستحث الطلاب على النشاط الذاتي والتفكير الحروتجعله يبحث بنفسه عن المعرفة وهذا الكلام طيب لو صاحبه شيء من الانصاف للحفظ وركز دعاته على الحفظ المصاحب للفهم وهو ما درجت عليه التربية الإسلامية المجيدة فأينعت وأثمرت في أبهى وأزهى عصورها وما زالت تعطي ذلك لمن طلبه وقد جرب ذلك الكثير من أصحاب التأصيل التربوي النظيف ذي المدد الإسلامي العفيف وحيث ان هذه المسألة هامة وخطيرة في حياة النشء ودرج الكثير من البسطاء في تقليد أعداء الملة في دعوتهم هذه وما دروا ما وراء هذه الدعوة من الخبث والمكر والتعدي والتجني على الإسلام وأهله ويعرف التربويون من المسلمين قبل غيرهم أن تربية الطفل تبدأ أولا بحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ثم ما أثر عن العرب المؤصلين غير المهجنين من شعر جميل ونثر بليغ مؤثر في النفس مثير للعواطف الكريمة والعفيفة (علمه من الشعر أعفه) ويعرف التربويون الموثقون ان لهذه الطريقة أثرها الجيد في تثقيف الطالب الناشئ وصقل مواهبه وقدراته ومعارفه وتهذيب وترتيب أفكاره ومشاعره وتصوراته ورفع أخلاقه، وفي إقامة ألسنة الطلبة وسلامة نطقهم وتعويدهم على الفصاحة والبلاغة نتيجة لسماعهم الأساليب الجيدة والقصص القوية والأشعار والخطب البليغة ولحفظ العلم ونشره مراتب قال سفيان الثوري أول العلم الإنصات ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل به ثم نشره وكانت محصلة ذلك أن صار العلماء وقادة الفكر يجيدون لغة القرآن ويكتبون ويخطبون بلغة سليمة غير معيبة أساليب متقنة غير فجة ولا معوجة ولاملحونة كحال بعض خطباء اليوم إذا قام متحدث كشف عن جهله وتمنى بعض السامعين أن يسكت ليريح ويستريح لما يسمع من أخطاء لغوية ونحوية وجمل متناثرة وأحيانا متنافرة، وإن الدارس المنصف لحال الأمة أيام شبابها وعصورها المضيئة ليجد ان علماء الأمة كانوامثالا يحتذى مثالا حيا في العلم وقد كان لذلك أثره العظيم في حفظ ونقل تراث الأمة من جيل الى جيل حرص شديد ودقة متناهية وأمانة عظيمة وكل ذلك ناتج قطعا عن توجه تربوي سليم كريم حول حفظ وفهم ووعي العلم حتى عصور الكتابة والتدوين المهم ان هذه الثروة العظيمة من تراثنا المجيد في يوم كانت محفوظة في الصدور ووعتها القلوب واستمتع الناس بها واستفادوا منها يوم كانت وسائل النشر شحيحة أو قليلة أو معدومة في أي قطر ومصر أو وقت من الأوقات وما زال المتميزون من علمائنا الكرام من قبل ومن بعد هم الذين يحفظون العلم غير عابئين ولا مكترثين بصيحات جوفاء ودعوات لئيمة ماكرة حول عدم جدوى الحفظ، هذا ولقد أدرك أعداء الإسلام قديما وحديثا أهمية تراث المسلمين وميراثهم العظيم في مختلف الفنون فبدؤوا يشككون في الحفظ والحفظة وبطرق خبيثة ما كرة حاقدة وقلدهم في ذلك بعض المسلمين مع الأسف الشديد من مدعي الثقافة والعلم وبعض التربويين البلهاء أحيانا فضاعت المعرفة وأصبح الكثير من متعلمي اليوم شرقا وغربا يزاول الحديث والخطابة والكآبة ولكن بلغة معيبة غير سليمة وأساليب مفككة لاضابط ولا رابط يجمع الكثير منها يكثر الحشو والتسطيح بعيدا عن قواعد البلاغة المعترف بها في أقسامها الثلاثة البيان والمعاني والبديع حتى بعض الذين يكتبون في النقد الأدبي هم محل نقد وازدراء من علماء الفصاحة والبلاغة وممن حفظوا العلم ووعوا قواعده تقرأ طويلا للواحد منهم فلا تجد نصا معترفا به ولا قاعدة يرجع إليها إنما حشو وتطويل وتكرار ممل وهذا ولا شك حصد المحصول كما يقول التربويون لتربية غير سليمة أخذت من أعداء الملة الذين حاربوا الحفظ بحجة انه يعيق الفهم ويشل التفكير ومثل هذا الكلام الماكر تجده كثيرا على ألسنة بعض التربويين غير المؤصلين تربويا حيث ترك الكثيرمن البسطاء الحفظ بناء على هذه الفكرة الحاقدة (ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم) ويقول بعض الباحثين من التربويين المسلمين ان هذه الفكرة اللئيمة والعقيمة لم تخف على بعض التربويين في ديار الإسلام ولكن لم يجهر الكثير بمحاربتها لئلا يتهم بالتخلف والجمود والتعلق بالماضي ولذا أحسن القائل وأجاد.


احفظ تقل ما شئته
إن الكلام من الكلام

وكان من نتائج هذا الضياع التربوي أن أصبح الكثيرمن طلبة العلم يرهقهم الحفظ نظرا لضعف الملكة لديه وبناء الملكة أمر في غاية الأهمية عند التربويين.
والكلام هنا دعوة صادقة للتربويين ومع اختلاف مواقفهم التربوية ان يعيدوا للحفظ أهميته ومكانته ليعود للعلم أفضليته ومزيته والتربوي الكفء لا يعدو للحفظ الخالي من الفهم ولا يدعو للحفظ المجرد إنما يجمع لطلابه بين الحسنيين الحفظ والفهم لتتكامل الصورة البهية لطالب العلم ولدينا في تربيتنا هنا وثيقة تربوية هامة وهي ان طلاب مدارس تحفيظ القرآن وطلاب الحلق إذا ما جدوا واجتهدوا يتفوقون على غيرهم حتى في المواد العلمية وهذا ظاهر ومجرب ويعرفه كل تربوي متابع لطلابه فطلاب الحلق خاصة متميزون في الحفظ والفهم وهناك سؤال وهو هل هناك علم في الدنيا دون قواعد وضوابط لابد من حفظها واتقانها لتأتي درجة الفهم بعد ذلك ومدرسو المواد العلمية يعرفون ذلك مثل أو قبل غيرهم أحيانا ومدرسو اللغات ايضا أليس الحفظ هو السبيل الأكبر لاتقانها ويتبع ذلك الفهم السليم ونحن نعرف في أمورنا العامة وتعاملاتنا في الوظائف والتجارة والحرف المختلفة والصناعات الدقيقة وتشغيلها بدقة وإتقان كل ذلك يقوم على الحفظ والفهم في آن حتى الأحاديث العامة بين الناس وعمارة المجالس المختلفة عمارتها حفظ المادة المراد عرضها على الناس وهذا أمر يطول شرحه وبيانه ويعرفه الخواص والعوام ورجال التربية هم أولى الناس بذلك تقعيدا ومتابعة وتأصيلا هذا ولقد أبعد النجعة كثير من مدعي التربية والتعليم حين تنكبوا هذا المنهج وأبعدوا بكلامهم عن الحفظ والفهم السليم وما أحوج طلاب العلم الى تسنم ذرى هذا المنهج الكريم منهج سلفنا الصالح منهج الحفظ المقرون بالفهم فيربون طلابهم ويأخذوهم بذلك يعظمون النصوص ويحفظون الكتاب والسنة وقواعد وكلام العلماء كما ينبغي أن يتعود طلابنا على ان هناك طرقا مرعية في التربية والتعليم لا يجوز ان تتعداها .
والرسول صلوات الله وسلامه عليه لم يكن يعلم اقواماً يحفظون المسائل فقط بل ربى امته تربية عالية ماجدة صاعدة تربية علمية وجهادية وقيادية وكل ذلك محصلة للتربية الايمانية والتربوي الكفء من ينطلق في تربيته من مورثات الامة من ارث محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلف هذه الامة وليس هناك ما يمنع من الاستفادة والاستزادة من كل فكر اصيل وتوجه نبيل لا يعارض معتقد الامة ولا يناطح رسالتها السماوية الكاملة بعيداً عن بعض المسالك المشينة والمهينة تربوياً وثقافياً ومعرفياً حيث اصبحت مهنة البعض جمع المقالات الجوفاء والنظريات الهابطة والآراء الساقطة تربوياً ومعرفياً بالنقل من هنا وهناك وتقديمه للناس بطريقة فجة ومعوجة متظاهر بالنضج الفكري والسبق المعرفي وكلام البعض منهم لا يعدو ان يكون صورة مشوهة لفكر ليس بالاصيل ولا بالنبيل ، بل دخيل وعليل وهزيل ووبيل (يستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير) ومن (يهن الله فما له من مكرم).
وثيقة تربوية هامة ينبغي لكل تربوي ان يجعلها نصب عينيه.
اوصى الصحابي الجليل عتبة بن ابي سفيان معلم اولاده قائلا رضي الله عنه يا عبدالصمد ليكن اول اصلاحك لولدي اصلاحك لنفسك فان اعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت علمهم كتاب الله ولا تملهم فيه فيتركوه ولا تتركهم فيه فيهجروه وروهم من الحديث اشرفه ومن الشعر اعفه، ولا تنقلهم من علم الى آخر حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مشغلة في الفهم وعلمهم سير الحكماء، واخلاق الادباء وهددهم في ادبهم دوني وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء واستزدني بزيادتك اياهم ازدك في بري واياك ان تتكل على عذر مني فقد اتكلت على كفاية منك) انها وصية بليغة بالغة حوت اصول التربية الصحيحة ومهارات التعليم والتقويم الى مرد سليم كريم من سبيل نرجو ذلك.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved