|
| محليــات
لكلِّ سبب باعثه، وبتعبير «مالك بن نبيّ»: للأسباب الكبرى أسباب صغرى، وقبله قالت العرب: «النار من مستصغر الشرر»... ولا يخرج عن الإطار القول الذي يؤكد حقيقة أن لكل فعل ردة فعل.
والدافع لهذا الحديث عن هذه «القاعدة» في أوجهها المختلفة وصولاً إلى أن لكل نتيجة بداية، ولكل بداية خاتمة، مهما تفاوتت ألوان، وأشكال، وإشراقة أو ظلمة الأسباب الكبرى عن الصغرى، والنّار عن الشَّرر، وردَّة الفعل عن الفعل، والنَّتيجة عن البداية، والخاتمة لأيّ بداية...
وانطلاقاً من هذه الحقيقة التي لا أتخيل أن يختلف عليها اثنان مهما انتشر أمر الاختلاف بين النَّاس، حتى أنهم يمارسون المروق من منافذ هذه الحقيقة باختلافهم إلى نتائج اختلافهم مهما كانت نتائجها سالبة في حياتهم مع ندرة إيجابيات هذا الاختلاف...، إلا أنهم باختلافهم يهربون من المألوف الذي يشكِّله ويقرُّه «الاتفاق»، إلى غير المألوف الذي يكون نتيجة الخروج من إلى، أو التعامل مع هذا دون ذلك في شكل من أشكال الخروج عليه، أو القفز من سبب أصغر إلى أكبر، في محاور الشيء الواحد،...
والخروج عادة عن المألوف أمر طبيعي في حياة الانسان المهيمن على الحياة بكل ما فيها، وكأنها خُلقت له وحده، أو كأنها سُخّرت بما فيها له وحده حتى جال وصال بعصاه في كل أمورها ونسي أنها بعد أن تتزيَّا، ويحسب أنه قادر عليها، سوف يأتيها القضاء الإلهي الذي لا منفذ منه، ولا مخرج له إلا أمر الله تعالى...
لكن هذا الإنسان تعوَّد سلوكاً غدا من سماته الظاهرة وهو الخروج عن المألوف بدعوى الابتكار، أو التجريب، أو التحديث، أو القدرة، أو العقلانية، أو العلمية، أو التطوير، أو... أو... بكلِّ «العاطفات» في لغة الفعل عند الإنسان قبل لغة القول، وهو بذلك يعكس قاعدة «طبعية» جاءت مع خلق الله تعالى للأرض ومن عليها، تلك القاعدة التي تُقرُّ القول أولاً في كلِّ الأمور... ومن ثمَّ تؤكده بالفعل...، وهو يخرج بذلك عن المألوف...
هذا الإنسان عند إلغائه للمألوف يواجه حتمية البديل، وهو لا يعُجزه أمرٌ مثل هذا، فهو في كبد مع الحياة بكلِّ ما هُيئ له للبقاء على أرضها، وممارستها بشتى ما توصله به أفكاره وأعماله،...
غير أن إلغاء المألوف... أو الخروج عنه، بوصفه سبباً أصغر، يقود إلى بديل يكوِّن الأسباب الأكبر، وإيجاد البديل هو نتيجة...، والنتيجة حلول وافد قد يصل بالقربى الذي خرج عنه، وقد ينفصل ويكون غريباً عنه.
وأن يحلَّ وافدٌ غريب غير مألوف فإنَّ هناك نتائج غير مألوفة غالباً ما تأتي غير مناسبة، وفي حياة الناس أمثلة كثيرة على ذلك، فالشَّرر الصغير الذي قد لا يؤثر إلا في حدود ضيقة تكاد لا تُرى ولا تلمس، لا يُمثل هجمة النَّار التي تسري في الهشيم فلا تُبقي ولا تذر، وينتج عنها «مسخ» كامل مشوه، عدمي لأي شيء تأتي عليه...
وأزرة معدنية بين إصبعي إنسان تضع أمامه على شاشة زجاجية خبايا العالم وصور العراء البشري في شتى أنواعه وأنماطه، وقطعٌ تختلف تُغرس في جسدٍ من لحم ودم تؤدي إلى وفاة إنسان في كثير، وإبرة معدنية تنقل لعروق الإنسان قطرة الدّواء تقتله إن دخلت إليه بقليل من الهواء، وبينما تُنْعشه أشياء، تقتله منطلقاتها، وتكون هي السبب الأصغر، وتأتي نتيجة إلغائه لدورها واستهلاكها في غير ما هي له بما لا ينعشه بل يقتله...
إن الغاء المألوف يحتّم إيجاد البديل وتلك بدهية مسلّم بها...، وإلاَّ فالنتيجة حلول غريب غير مألوف... والإنسان في هذا الشأن يرى كيف أنَّ جسم الإنسان (الجسد البشري) حين يُزرع فيه أي عضو غريب عنه قد يرفضه إلى حد الموت، وأنَّ الإنسان حين يُدخل جوفه ماليس من جوفه يتقيأه، بل إنَّ الإنسان يُدرك تماماً كلَّ ما يدور في عالمه المعاصر من أمراض هي نتيجة، أو سبب أكبر، أو خاتمة لما يتم من ضخ الهرمونات غير المناسبة لأجسدة الدجاج مثلاً، وما نتج من ظاهرة مرض أصاب البقر بالجنون...، والحمى القلاعية التي فتكت بالحيوان، بل توقف وتأثر أجهزة المناعة لدى الصغار والكبار المتأثرين بمخرجات البراكين، والنفايات الكيميائية لحقول الذَّرة في العالم، ومؤثرات نفايات الحروب وآثارها في الجو التي لم تأتِ، بأسباب كبرى تمزق طبقة الأوزون فقط بل تخطَّت إلى صدور الأطفال المصابين «بالربو»، وإجهاض الحوامل المصابات بالتلوث، بل عوادم السيارات التي يرفضها الجسم الإنساني في صورة احتجاج صارخ تأتي في شكل أمراض مختلفة ومتنوعة وكلها خروج عن المألوف إلى ما هو غير مألوف، وعند الرفض تأتي أشكال النتائج...
فما هي بدائلك عندما تلغي برنامجك اليومي إلى سواه...
وتستبدل مسلسلاً تلفازياً بغيره، على سبيل المثال؟!...
أو تخطط لإلغاء احتفاء ما ليحل محله آخر...
تُرى أي أسباب صُغرى تقودك إلى ما هي أكبر منها، فإلى أيِّ الخاتمات؟ أو إلى أيِّ النتائج؟!....
وكم تتقيأ في اليوم؟ إن لم تكن في الساعة؟...
ألا تفكر في مدى إيجابية البديل قبل أن تلغي مافي حوزتك؟.
خادم الحرمين لدى استقباله عدداً من سفراء المملكة
|
|
|
|
|
