| الاخيــرة
كنتُ من بين منْ شرّفتْهم جامعة الملك خالد في أبها بالدعوة للمشاركة في ندوة السياحة والاعلام التي عقدت بمدينة ابها خلال المدة من 18 20 من شهر ذي الحجة عام 1421ه وقد رعاها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران، المفتش العام على هامش جولته المباركة في المنطقة الجنوبية اواخر الشهر الماضي.
شُرفتُ برئاسة الجلسة الرابعة من تلك الندوة الناجحة، وطرحتُ في بدايتها بعض التأملات حول فكرة اللقاء وموضوعه، اوجز ذلك عبر السطور التالية:
* أشدتُ بفكرة اللقاء الذي زاده حضورُ سمو النائب الثاني تألقاً وهيبة، مشيراً الى أن هذا دأبُه حفظه الله في تشجيع كل مبادرة وكل جهد وكل عمل صالح فيه نفع للبلاد وأهلها.
* كما أشدتُ بمبادرة جامعة الملك خالد في تنظيم ذلك اللقاء، مؤكدةً ذلك حقيقةً لا تغيبُ عن ذهن كل ذي بصيرة، وهي أن كلَّ جامعة بلا استثناء، شريك أصيل في التعامل مع الهمّ العام في البلاد، تشخيصاً وعلاجاً، وأنّ مهمتَها لا تقتصر على التعليم، وضخّ السواعد والعقول الى قنوات التنمية ومساراتها، وانما تتجاوز ذلك الى التلاحم الفاعل والدائم مع مجتمعها، قضايا وآمالاً.
* *
* ثم وجّهتُ التحية لعسير الخير التي استضافت عروسُها الحسناءُ ذلك اللقاء، لتؤكِّد من جديد دور الريادة في هذا الصوب، مترجمة بذلك حلمَ فارسها الأصيل.. رجل الارادة والادارة سمو الامير خالد الفيصل، في جعْل تلك المنطقة من بلادنا الغالية.. مقصداً للسياحة، وخياراً قيّماً لمن اختار السياحة داخل جدران بلاده!
* *
* بعد ذلك، طرحتُ رؤيةً خاصة حول السياحة الداخلية في بلادنا، محتوىً ووسيلةً وهدفاً، جاء فيها ما يلي:
أ إن في بلادنا مخزوناً تاريخياً كبيراً يتمثل في آلاف المواقع الأثرية التي قد لا يعرف الكثيرون منا لها مقراً ولا تاريخاً ولا قيمة، اضافة الى متحف وطني ضخم يجمع بين هيبة التاريخ.. وتفوّق التقنية!
ب وإن في بلادنا.. تنوّعاً عجيباً من تضاريس الجغرافيا الجميلة، فيها الجبلُ الذي يعانق السحابَ، والسفوحُ التي تطرزها المساحات الخضراء، والبحرُ الذي تزيِّن جيدَهُ الشُّطآنُ الجميلة، وكثبانُ الرمال الذهبية التي تشدّ بصرَ ووجدانَ القادم من أرض يعمرها الجليد وبين هذا وذاك ظواهر ومضاهر إما طبيعية أو من صنع انسان!
* *
* كل تلك المؤشرات وسواها تؤكد جدوى السياحة الداخلية في بلادنا، وامكانية استثمار مواردها الطبيعية والمكتسبة لمصلحة السائح، المواطن والوافد، على حد سواء.
* *
وحسْبُنَا استشهاداً على ذلك تدفّق السياح الأجانب من اقصى الشرق والغرب، الذين لا يفدون الى هذه البلاد لمشاهدة مصانعها وجامعاتها وناطحات سحابها والطرق المعلقة بها، فمعظمهم ينتمون الى مناطق مترفة بتلك المشاهد، لكن ما يشدهم الى بلادنا هو تاريخها وجغرافيتها.. وتقاليدُ وموروثُ اهلها. وهذا يزيدنا عزْماً واصراراً على تأصيل صناعة السياحة في بلادنا وتحويلها الى موردٍ اقتصادي حرّ يدرّ الخير للبلاد واهلها، ويقوّي صلاتِنا بشعوب الأرض ومجتمعاتها.
* *
* غير ان الحديث عن ايجابية السياحة الداخلية في المملكة وجدواها لا يعني انها بلا اعاقة في اكثر من صوب، فمثلاً:
1) غيابُ الجهدِ الاعلامي، العام منه والخاص، للتعريف بفرص السياحة المحلية المتاحة ومرافقها وتسهيلاتها حيثما كانت.
2) غياب الثقة في نفوس جلّ الراغبين في السياحة الداخلية بسبب عدم كفاية مرافق المشهد السياحي بما يلائم حاجاتهم، ويناسب شرائحَهم العمرية والثقافية وقدراتهم الاقتصادية، والدليل على ذلك ما نسمعه عن القصور القائم في بعض الخدمات والمرافق التسهيلية الملائمة، من فنادق ومنتجعات وملاهي للاطفال بسعر لا يرهق كاهل السائح مادياً.
3) عدم كفاية سبل النقل ووسائطه، بلا عناء ولا خطر.
4) عدمُ تكثيف الاهتمام بالأسرة السعودية متوسطة الدخل وما يحتاجه افرادها سياحياً وترفيهياً، بدءا بالاطفال، وانتهاء بالشيوخ!
5) كما أن لشريحة العزّاب حقاً مهضوماً في بعض المناطق السياحية. لا لشيء سوى انهم غير مؤهلين اجتماعياً، مع أنّ لهم كلَّ الحق في السياحة والترويح البريء.
* وقد ختمت مداخلتي بالقول انه يجب ألا يخذلنا أو يصرفَنا عن تنمية (صناعة السياحة الداخلية) في بلادنا لغالية علمُنا أن هناك افراداً ينتمون الى شريحة اقتصادية أو اجتماعية معينة، لا يرون للسياحة في الخارج بديلاً، ومن ثم، تبقى السياحة الداخلية خياراً للراغب فيها. وحدُهما، الزمنُ والمردودُ الايجابي لتجربة السياحة الداخلية، لا الخُطَبُ والمواعظ، كفيلان بتنمية الموقف الحسن ازاء سياحة الداخل، وهما قادران على تصحيح ما يجب تصحيحه، وتوسيع مساحة الخيار في هذا السبيل.
|
|
|
|
|