أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 9th April,2001 العدد:10420الطبعةالاولـي الأثنين 15 ,محرم 1422

مقـالات

قراءة في كتاب
عبدالعزيز بن رشيد وطلبه الحماية البريطانية
تأليف الدكتور محمد الثنيان )4(
عبدالله الصالح العثيمين*
لقد ذكرت في الحلقة السابقة ترجيحي بأن المراد بفهد باشا، الاسم الوارد في كتاب الدكتور الثنيان، هو فهد بن هذال، واستطردت في الحديث عن أسرة فهد البسام، الذي ورد اسمه في كتاب الدكتور أيضا. على أن هناك فهدا ثالثا له علاقة بأحداث تلك الفترة. فقد ذكرت الدكتورة سلوى الغانم في رسالتها للدكتوراه التي ترجمت عنوانها عهد مبارك بن صباح شيخ الكويت 1896 - 1915 )ص99(، أن الأمير عبدالعزيز بن رشيد بعد انتصاره في الصريف - كان قرب العراق في شهر مايو منه عام 1901م، وأن قاسم باشا كان يحاول مقابلته في البصرة، لكنه أرسل إليه فهد بن سبهان، الذي أخبره بأن ابن رشيد سيقوم بمهاجمة مبارك ما لم يبعد،
ويوضع بدلا منه أحد أبناء أخيه. ثم ذهب فهد الى الشيخ خزعل ليستشيره في مسألة حل المشكلة القائمة بين ابن رشيد ومبارك. فحذر خزعل فهدا من الثقة بالأتراك. وقال له: مع أنهم كانوا مسرورين بهزيمة مبارك لكنهم لا يودون أن يصبح ابن رشيد قويا جدا، وربما سعوا الى إضعاف قوته. بل إن من المرجح أنهم إنما سألوا ابن رشيد ليتقدم نحو الكويت ليجدوا ذريعة لوضع حماية فيها. ومتى احتلوها فلن يتركوها. ثم سأل فهدا عما إذا كان ابن رشيد يفضل ان يحكم الكويت تركي بدلا من عربي! فقال فهد: لا . فمع ان مباركا عدو لابن رشيد إلا أنه أفضل من حاكم تركي في الكويت. ونتيجة لذلك دعا خزعل ابن رشيد الى التصالح مع مبارك لأن من السهل - كما قال - ان تحل المشاكل العربية إذا لم يتدخل فيها الأجانب. وحينئذ استفسر فهد من خزعل عما يتصل بهم ابن رشيد الملح، وهو ما إذا كان يظن ان مباركا يمكن ان يبعد آل سعود من الكويت. فأوضح له خزعل أن ابن رشيد كان يؤوي أعداء مبارك. وأن من العدل لكل منهما ان يبعد أعداء الآخر من بلده. وفهد بن سبهان هو نفسه فهيد بن سبهان، الذي كان قائدا لحامية الأمير عبدالعزيز بن رشيد في عنيزة، وذلك قبل دخولها تحت حكم الملك عبدالعزيز في الخامس من المحرم سنة 1322ه. وقد قتل ليلة ذلك الدخول، كما قتل في صباح ذلك اليوم عبيد الحمود الرشيد عندما قام الملك عبدالعزيز بمهاجمة السرية التي كانت خارج أسوار البلدة بقيادة ماجد الحمود.
وكان ممن سجل تلك الحادثة شعرا إبراهيم بن محمد القاضي في قصيدة رمز فيها بالبحر الى آل سليم ومن معهم من أهل القصيم القادمين من الكويت، ورمز بوادي حنيفة الى أهل العارض وما حوله، كما وصف قائد الجميع، الملك عبدالعزيز، بالصقر، وبأنه ما زال شابا. فقال:


جاك وادي حنيفة يصطفق كله
والبحر جهز اللي به وجا ماشي
جوك يتلون من يثقل على الحلة
أشقر مخلبه من ناش ما عاش
توسنه صغير وبان فعل له
قب وأعول هدير له وهو حاشي
يوم خامس محرم هل وبل له
فوق ماجد وربع له ولا أبقاش
واحسايف ما كن عبيد أخو له
ضيعه في مداس الخيل وانحاش
هيه يا راكب لحمود قم قل له
استخيلوا عليكم ناشي غاشي
جاكم اللي طوى نجد بسيف له
يا بو ماجد تمضحلتوا على ماش

وتحت عنوان "ابن رشيد والعثمانيين )ومن الواضح ان هذا خطأ مطبعي، إذ صحتها لغويا والعثمانيون( بدأ الدكتور الثنيان حديثه عن العلاقة بين الطرفين المذكورين، ثم واصله بالحديث عن موقف العثمانيين من بين كل من ابن رشيد ومبارك بن صباح، وحديثه واف ومفصل. وكان مما ورد فيه ان اتفاقية الحماية البريطانية للكويت وقعت في رمضان سنة 1316ه )23/1/1899م(. ويبدو لكاتب هذه السطور ان توقيع تلك الاتفاقية كان عاملا من العوامل التي شجعت الشيخ مباركا على غزو نجد، فيما بعد، لأنه أصبح واثقا بأن هناك قوة تحمي بلاده وتدافع عنها.
وعندما تحدث الدكتور الثنيان عن خطة كيرزون بشأن طلب ابن رشيد الحماية البريطانية وتداعياتها قال )ص34، ه84(:
"ابن رشيد يعد هو وأسلافه حلفاء وتابعين للدولة العثمانية بل وخاضعين لها".
ومن المعلوم ان إمارة آل رشيد بدأت بعبدالله بن علي، الذي كان أميرا على جبل شمر من قبل الإمام فيصل بن تركي، وخلفه ابنه طلال، الذي كان، أيضا، أميرا على الجبل من قبل ذلك الإمام. على ان سلطة الدولة السعودية بدأت تضعف بعد وفاة الإمام فيصل، وبدأت الأمور في المناطق البعيدة عن عاصمتها تجري بنوع من الاستقلال أكثر من ذي قبل، وإن كان المفهوم السائد ان تلك المناطق تابعة لها. فعندما توفي الأمير طلال بن رشيد، مثلا، كان أحد الذين رثوه الشاعر محمد بن عبدالله القاضي. وقد أشار في رثائه له الى سبب وفاته قائلا:


أعطت طلال الملك لين أمهلت له
تزخرف على وجهه بتجميع الأصناف
يوم استتمت له وجت له على الهوى
جرى من سبب كفه على نفسه إتلاف

ثم خاطب عميد أسرة آل رشيد حينذاك، عبيد بن رشيد، قائلا:


عينا العزا يا أبو سليمان والخلف
الى سلم أبو تركي فلا عزنا طافي
بقى ما بقى النجم اليماني على البقا

بهيبة سعود يامن المرغد الغافي
ثم واصل مدحه للإمام عبدالله، الذي هو أبو تركي. وهذا يوحي بأن الجميع كانوا يعترفون بسلطته. وعندما قتل خليفة طلال، متعب بن عبدالله سنة 1285ه، كان أخوهما محمد وافدا على الإمام عبدالله في الرياض بهدية من الخيل.
ولم يجد ابنا طلال، بندر وبدر، اللذان قتلا عمهما متعبا إلا ذلك الإمام يركبان إليه في الرياض، ليكون الوسيط بينهما وبين عمهما محمد الموجود حينذاك في هذه المدينة. ومع ان محمد بن عبدالله بن رشيد، الذي وصل الى إمارةالجبل عام 1289ه، قد قضى على الدولة السعودية في نجد في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري إلا أنه لم يكن واليا عثمانيا بالمعنى الرسمي المتعارف عليه.
وعلى أية حال فإن كان الدكتور الثنيان يرى أنه كان كذلك فإن من المستحسن، تنويرا للقارئ، أن يتم توفق بين العبارة الموردة هنا والعبارة التي أوردها سابقا )ص1( والتي نصت على أن الأمير محمد بن رشيد قضى على الدولة السعودية "وحكم نجدا حكما مستقلا". ذلك ان لفظة الاستقلال لا تنسجم دلالة مع التبعية والخضوع.
ولقد أجاد الدكتور الثنيان في عرضه للمساعي التي بذلت من أجل الصلح بين الأمير عبدالعزيز بن رشيد والشيخ مبارك بن صباح.
ولعل مما يخرج به القارئ من ذلك العرض الجيد أن موقف بريطانيا، التي كانت طرفا مهما من الأطراف التي قامت بتلك المساعي، يتلخص فيما يأتي: ان البريطانيين لا يريدون التورط في أمور وسط الجزيرة العربية، وأنهم كانوا على استعداد للدفاع عن الكويت وشيخها، لكنهم نصحوه أن يبذل تعويضات لأمير نجد حينذاك، عبدالعزيز بن رشيد، لدرء خطر هجومه على الكويت أو حصاره لها. والمتأمل في تاريخ المنطقة، منذ وصول الدولة السعودية الأولى الى الساحل الشرقي للجزيرة العربية،
يجد ان موقف بريطانيا ظل، بدرجة كبيرة، ثابتا. وكان ملخصه: الدفاع عن القوى الساحلية المرتبطة معها باتفاقيات مع نصحها لها بدفع شيء من المال الى الجهات التي كانت تجابهها منطلقة من مركزها في نجد، سواء كانت تلك الجهات ممثلة في آل سعود أو آل رشيد.
وفي ختام حديث الدكتور الثنيان عن سبب طلب الأمير عبدالعزيز بن رشيد الحماية من بريطانيا - وهذا آخر أمر تناوله الكتاب - قال )ص 72(:
" إن ابن رشيد لم يقتصر، في ادعاءاته بأن الملك عبدالعزيز قد أبرم اتفاقية سرية مع بريطانيا، على إخبار المسؤولين العثمانيين بذلك،
أن الإمام عبدالرحمن بن فيصل قال في رسالة له ".. لأن توصيات ابن رشيد مع أوادمه الذي يرسلهم لولدنا عبدالعزيز وإلى بلادينا وإلينا أنه ماشي بعسكر السلطان يقتلون رجالنا ويستولون على.. البلدان لأن آل سعود يبون يدخلون الانجليز في نجد. هذا وصاياه الى عامة عموم الناس".
وما ذكره الدكتور الثنيان صحيح. ولعل القارئ الكريم لا يفوته ان يفهم من رسالة الإمام ان الأمير عبدالعزيز بن رشيد ظل يواصل دعايته - بعد رفض بريطانيا طلبه الحماية منها - بأن خصميه: ابن صباح وابن سعود،
كانا موالين لجهة غير إسلامية. ذلك ان رسالة الإمام عبدالرحمن المشار إليها كتبت في العاشر من جمادى الآخرة سنة 1322ه، أي إنها تتحدث عن مرحلة متأخرة عن زمن طلب ابن رشيد الحماية، وهو الأمر الذي حدث، ورفض، سنة 1319ه.
ولا يملك كاتب هذه السطور - في ختام قراءته لكتاب زميله وصديقه الدكتور محمد الثنيان -إلا أن يكرر تقديره لهذا الكتاب القيم، الذي يوضح ان المواقف السياسية التي يظن أنها ثابتة قد تتغير وفق الظروف والمصالح الآنية، ويقدم شكره الجزيل للجمعية التاريخية التي نشرت الكتاب ضمن سلسلة ما تنشره من بحوث تاريخية.
والله ولي التوفيق.
* الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved