| عزيزتـي الجزيرة
ليس بدعا ان نتفق في أن مصلحة العمل هي الهدف الأول والمحور الذي تدور حوله هواجس القائمين على الإدارة في أي مجال.. فتش عن مذكرات أي مدير.. ومارس قراءة متأنية في "يومياته" فستجد قوافل العمل تجري في فلك سجله الحافل بالمواقف اليومية والممتلئ بهموم المسؤولية وهواجس النجاح.. وهو يستعرض ركضه فوق أرض الإدارة..
ولا شك في أن "القيادة الإدارية" ممارسة صعبة تتطلب كوادر مؤهلة ناضحة وقادرة على ملء مركزها بكفاءة واقتدار، وبالتالي استثمار الامكانات وتوظيف الطاقات وتجاوز المعوقات. نعم "القيادة الإدارية" فن يمتزج بالموهبة والاستعداد والمهارة وامتلاك البعد النفسي الذي يمنح صاحبه عناصر نجاح العملية الإدارية ويهبها مفاتيح التفوق، فالحكمة والصبر والفهم والفطنة والنظرة الثاقبة سمات ضرورية ينبغي تفعيل معطياتها في الممارسة الإدارية التي باتت نسيجا محكما له خيوطه المميزة وخطوطه العريضة.. ولتتجلى "القيادة الإدارية" فنا ناضجا له خصوصيته وآليته ونهجه الواضح..
ومن خلال قراءة عابرة للسياق الإداري في الواقع الحياتي يمكن للمتأمل ان يطالع نماذج عديدة لأهل القيادة الإدارية.. يقارن بين هذا وذاك.. يوازن بين مدير مضى ومدير أتى.. قد يشيد بالأول ويتأفف من الثاني ويقنع بالثالث.. ويتمنى مديرا ينسجم معه في أجواء العمل..
وليس ثمة حرج في أن نعرج على "ديار الإدارة" لنتعرف على هاتيك النماذج المثقلة بهموم العمل ومشاكل العاملين.. أيا كان الموقع.. في ظل بحثنا عن مدير لا يصدأ..
أنموذج أول:
مدير مسكون بالحماس والاخلاص يحترق عطاء.. ويشعل الموقف متابعة وحثا وتشجيعا متكئا على جسر "العلاقات الإنسانية" ليغدو العاملون كأسرة واحدة تعمل بروح الفريق الواحد.. إنه يقاسمهم الهموم ويخاطبهم بلغة المحبة ويزرع في نفوسهم الاحساس بالمسؤولية واستشعار الأمانة.. موصلا التعليمات بأسلوب لبق.. مرن .. مثمنا جهود الباذلين.. تجده يملك زمام المبادرة ولا يقابل آراء العاملين بالمصادرة .. ولا ينسى أن يمنح العاملين ابتسامة مزاح أو نصيحة نجاح.. ولن نستغرب في أن تثمر "شجرة العمل" .
عندما يسقيها أمثال تلك القيادة الإدارية الواعية بسحب العطاء المتدفق..
أنموذج ثان:
مدير غارق في بحيرة الروتين.. يحتفي بالنظام احتفاء حادا.. ويذوب في تيار الدوام.. لهجته التعليمات.. ويده ملأى بالنشرات.. لا يمل من ذكر بنود اللوائح وضوابط العمل.. يتعب العاملين بكابوس الروتين.. يعزل نفسه عن موظفيه ولا يعيش همومهم أو يشاركهم مشاكلهم.. وليس لاقتراحاتهم أي صدى في نفسه التي قيدها المنهج التقليدي.. هوهكذا.. غير قادر على تطوير أدواته الإدارية أو النهوض بمستوى فكره الإداري .. ذابت شخصيته أمام الأنظمة .. فحرم نفسه الثقة في صياغة قرار أو رسم إطار..
أنموذج ثالث:
مدير خاضع للمركزية البحتة يريد أن يمر كل شيء من تحت يده.. يستحوذ بالقرارات ويلغي المشورة.. ويهيمن على توصيات العمل.. ولم يزل يؤكد على العاملين ان يشعر بكل صغيرة أو كبيرة ليتخذ "هو" القرار المناسب.. عبر منهج أحادي مشوب بالأنانية والفردية التي تطغى على ملامح القرارات. ولا تسأل عن العاملين الذين يتضجرون من موقعهم الهامشي تحت مظلة علاقات غائبة مع مديرهم وتواصل مفقود.. ولا تستغرب أن يصاب هذا المدير بالتعب والاجهاد من كثرة المراجعين وكثافة التوصيات وتزاحم مشاكل العمل.. ولو وزع الأعمال ومنح بعضا من منسوبيه صلاحيات ملائمة لتخلص من زخم الأعمال التي تبعثر على ضفاف المركزية.. ولماحرم نفسه الراحة ومتابعة العمل والإشراف على عطاء العاملين.. وما أجمل أن يفتح المدير قنوات عدة لتشكيل حيثيات العمل وليتجاوز القرار مرحلة البوابة الواحدة الى منافذ أخرى.. فما العمل لو تعطلت بوابة المدير أمام حشود الأعمال.
أنموذج رابع:
مدير يعشق البروز ويهفو للتميز حتى ولو على حساب موظفيه فتجده يثقل عواتقهم بأعباء العمل ويقيدهم بخيوط النظام الحاد والالتزام الصارم المسكون بالجفاء وربما الانفعال.. من أجل ان يحتسي هو فناجين الثناء.. ينتظر بطاقات الشكر والامتنان.. والغاية - في زعمه - تبرر الوسيلة!! أمام نفسه التي تصبو للترقية وصعود سلم المراتب ركضا خلف المناصب.. على أكتاف موظفيه!!
أنموذج خامس:
مدير طيب.. طاهر النفس.. حسن النية.. يرسم المنهج.. يضع الخطط.. يوزع المسؤوليات.. لكنه لا يملك الشخصية القوية أو المتابعة الجادة التي تجعل كل موظف يقوم بدوره على أكمل وجه.. ولن ينجح عمل يتساوى فيه العامل والخامل.. وحقا معادلة صعبة عندما نتساءل عمن يعلق الجرس!! والأعمال تتراكم..
أنموذج سادس:
مدير متشدد.. تقليدي النزعة.. مهتم بالنظام لا يجيد قراءة عطاء الباذل من موظفيه تجده من خلال موقف واحد فقط قد ينسى جهود الموظف المشرفة. متغاضيا عن المقصر الذي ربما حاز ثناء وثقة هذا المدير من موقف يتيم أيضا!! والدنيا حظوظ !! فربما حاز الثناء موظف قليل العمل غير منتج!! وربما أثقل المخلص بالأعمال ولاذ المتكاسل بالهروب.
أنموذج سابع:
مثال غريب.. لمدير صارم. لا يثق بموظفيه.. يراقبهم ويتابع آراءهم.. ولاغرو فقد كان قبل الإدارة موظفا متساهلا.. متكاسلا.. يتسرب من دوائر العمل!! وتتعدد النماذج في السياقات الإدارية.. تتنوع الامكانات.. تنكشف القدرات.. لأن "القيادة الإدارية" هي المرآة التي تنعكس عليها مجريات العمل ومستواه...
وكم يكون العمل الإداري ناجحا عندما يتم تفعيل استمارة الأداء الوظيفي.. التي ترفد بحوافز معنوية ومرونة تقدم للباذلين فقط.. لابد من "تثمين" الحماس والاخلاص ومكاشفة كل عامل أو موظف ومعاملته بحسب عطائه.. دون أن يثقل المخلص بالأعباء ويسترخي المقصر..!
محمد بن عبدالعزيز الموسى بريدة
|
|
|
|
|