في صُبْحِ يومٍ كالحِ الأَنوار
كان انطلاقُ نهايةِ المشوار
ودَّعْتُ أمي والصِّغارَ وزوجتي
وبدأتُ بالعَزْمِ الطَّموح نهاري
وخرجتُ من داري إلى سيَّارتي
وتركتُ فيْضَ مشاعري في داري
سأعود بعد الظهر أحملُ في يدي
حَلْوَى، تَهَشُّّ لها قلوبُ صغاري
سأعود بعد الظهر أشرب قهوةً
وأحدِّث الأحبابَ عن أخباري
هي رحلةٌ يوميةٌ، أغدو بها
وأروح أرسم في الحياة مَساري
عملي هو التعليم، أشرفُ مهنةٍ
في الأرض، تنشر صالح الأفكار
أبني السَّواعد للبلاد، وإِنما
بالعلم تُبْنَى هِمَّةُ الأَخيار
ما بين مدرستي وداري، لم يزلْ
دربي يُحَفُّ بأجمل الأَزهار
ما بين مدرستي وداري، رحلةٌ
يوميَّةٌ محمودةُ الآثارِ
أغدو إذا هَتَف الصباحُ وفي يدي
قلمي، وتَنْميةُ العقول شعاري
ما كان حولي ما يُثير مخاوفي
لمَّا انطلقتُ، وما يَهُزُّ قراري
لكنني ما كنت أقدر حينَها
أنْ استريح من الأسى الموَّارِ
أنا لست أكتمكم بأني كنتُ في
قلقٍ عليَّ، وكنتُ في إصرار
ماذا جرى، لا شيءَ إلاَّ أنني
أنكرتُ نفسي أيَّما إنكارِ
إني أرى هذا الصباحَ عبارةً
نُقِشَتْ على جفنيْ تقول: حَذارِ
وسمعتُ نَبْضَ القلب أعلى نَبْرةً
وكأنَّه في حالةِ استنفار
وشعرتُ أنَّ الشوق في قلبي إلى
داري وأهلي صار مثلَ النَّار
ما كان وجهُ الشمسِ حين رأيتُه
طَلْقاً ولا متحرِّرَ الإسفار
كانتْ مغبَّشةً تُحاط بهالةٍ
غبراءَ ترسمها خيوطُ غُبار
وأنا أسابق كلَّ ما وصفوه من
ريحٍ ومن موجٍ ومن تيَّار
سيَّارتي تجتاز كلَّ إشارةٍ
حمراءَ في صَلَفٍ وفي استكبار
ومَعازفُ المِذْياعِ تَمْلأُ مسمعي
نَغَماً يجسِّد ثَوْرََةَ الأوْتار
أنا خَلْفَ مِقْوَدِها الجميل أكادُ من
وهمي، أذُمُّ مَهارةَ الطيَّار
وكأنني في حينها رجُلٌ بلا
عقلٍ يحرِّك وََعْيَه ويُداري
ما كنتُ أحسَبُ أنَّ رحلتيَ التي
بدأت ستطوي صفحتي وتُواري
يا ضَيْعَةَ الأيَّام، كيف صَهَرْتُها
في لحظةٍ محمومةِ الإِعصار
ياضَيْعَةَ الحُلُمِ الجميل تركتُه
يَبني السَّعادةَ في نفوسِ صغاري
ياليتَني راجعتُ نفسي قبل أنْ
تمضي إلى جسر الرَّدَى المُنْهَارِ
ياليت، لو أنَّ التَمنِّي نافعٌ
مَنْ غاصَ في دوَّامة الأَخطار
ياليت قومي يعلمون فإنني
أخشى عليهم عُقْدََةَ المنشار
ياقوم، إني واحدٌ منكم إلى
حُفَرِ الفَنَاءِ خرجْتُ من أَطماري
أنهيتُ عمري كلَّه في لحظةٍ
وبنيتُ دونَ أحبَّتي أسواري
ما كنتُ في ساحِ الجهادِ ولم أكنْ
متصدِّيا لجحافل الكفّار
ما كنتُ إلاَّ سائقاً متهوِّراً
متلبِّساً بطبائع الشُّطَّارِ
هذا الحُطامُ أمامكم سيَّارةٌ
خضراءُ، كانتْ زينةَ الأبصار
كانت مجَّملة بأكمل زينةٍ
موصولةً بالهاتف السيَّار
أطلقتُها للريح دونَ هَوَادةٍ
متجرِّداً من حكمتي ووقاري
وأصابني مثل الجنونِ فلم أعُدْ
أدري إلى أيِّ الجهاتِ مداري
هي لحظةٌ مرَّتْ كومضةِ بارقٍ
نَقَضَ الفَناءُ بها خيوطَ إزاري
هذا الحُطَام رسالةٌ مختومةٌ
بدمي، فمن يُصغي إلى إنذاري؟!