|
| محليــات
ولأَّنَّ الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم هو المعلم، المشرِّع، القدوة... وهو الذي قال: «أوصيكم بالنساء خيراً» أو كما قال، وما أكرمهن إلا كريم...، فإنَّ عدم الخير في التعامل معهن، وفي مخاطبة مشاعرهن، وفي إكرام رعايتهن، وفي إعطائهن فرصة الحياة الكريمة داخل أول مجتمع صغير يمارسن فيه معنى الحياة، ويعرفن فيه المفهوم العملي للعلاقات الإنسانية بين أفراد هذا المجتمع الذي تتحدد العلاقات فيه بالأبوة والأخوة، أجمل كنفين، في أسمى علاقة ترتفع في كثير من محاورها وأنساقها عن أي مستوى للعلاقات البشرية الأخرى، فهي في أدناها قربى نسب ومشاطرة أصلاب وأرحام، وهي في أدناها لا حاجة دنيوية لرابطة بشرية عادية تقوم على تبادل المنفعة، أو تحقيق الحاجات إلا فيما يرتبط بمنفعة وحاجات النفس.. والوجدان، فكيف والأخ الأكبر الأقرب، الذي يُتوقع منه أن يحسن لهذه القربى حسنى تقرُّب إلى الله من جهة، وحسنى بر إلى الوالدين من جهة أخرى، وحسنى رابطة تقوم بينهما...، من جانب آخر يتوقع منه أن يعي في مرتبته المكانية في أسرته مفهوم الدور الذي يُناط به في أجلِّ صور الرعاية بكلِّ ما تحمله من الأمانة في مسؤولية القيام بها... كيف وهو يفرِّط في كلِّ هذا، ويضرب به عرض النَّفْس الأمارة بالسوء... يفرح بالرعاية ولا يفيها حقها، يتباهى بالمسؤولية وهو لا يرتدي ثوبها، يفخر بقدرة القرار وهو غير مؤهل له؟...
كيف وهو المتجبِّر المتسلِّط، الباني حُجب العزل بينه وبين أخواته، المانع لأي جسور تواصل أو تفاهم بينهم، محطما لها، فينشئ السدود، ويقيم الحدود، ويصول في هذه المملكة ويجول، بيدٍ سُوطه، وبالأخرى منشاره...، عيناه ترسلان الشَّرر والشَّك، ولسانه يجلد في النفس ويخدش الآذان...، يده «كرباج» من حمأ مسنون يتسلَّط به عند كلِّ شاردة وواردة لا يرعوي، ولا يخشى الله في الأمانة التي أُسندت له بحجة واهية لا تقرها أية مبررات... فلكلِّ سلوكٍ بشري ضابط شرعي، حتى الابتسامة ونقيضها التقطيب دون سبب، في أيسر حركة فعل تجاه الآخر سالباً كان أو موجباً، فما بال هذا الأخ الأكبر يحسب في ولايته منتهى سلطته، وفي رعايته غاية مجده؟... وينسى ما أطَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم من معانٍ ودلالات عندما قال: (كلكم راع...) ولم يُطلق الرعاية، بل قيَّدها بالمسؤولية؟...
هذه نجلاء تقول: «أنا واحدة ضمن مجموعة من الأخوات، لسنا جميعا من أم واحدة.. ولأنَّ أبانا شيخ كبير، فقد أُسند بشكل تلقائي أمر مشاركته في مسؤولية «العوائل» التي نحن فيها إلى الأخ الأكبر، وقد صال وجال، ولقد تكبَّر وتجبَّر...، ولقد اجترأ في حياة الأب على كافة الحقوق بكافة السبل، حتى مات الأب الذي كان في قليلٍ يردعه وفي كثيرٍ يساعده، لكنَّه عندما يخلو لنفسه يتحسَّر أن وهنت قواه، وأن عجز عن ردع هذا «النمرود»... لم يقف أمره عند ضربنا دون أسباب، وسلب حقوقنا دون رادع، بل تعدى أمره إلى التحكم في أمورنا الشخصية، بل في أهمها وأدقِّها وهو أمر زواجنا، فمن له معه مصلحة يزج بالواحدة منا في قفصه ويثقل عليها الإغلاق، ويعين زوجها عليها حتى على الباطل، من أجل ألاّ يخسر مصالحه، ومن ترفض يا لها من بائسة إذ يعلن عليها الحرب الضروس، ومن ليس له مصلحة في إقامة علاقة نسب معه يرفضه بل يحاربه في عقر داره.. يستخدم معنا كلَّ أساليب القسوة والاهانة بل أدى الأمر به إلى أن يحرمنا من حقوقنا الشرعية بعد وفاة الوالد..، ليس من سبيلٍ للتفاهم معه، وإن حاولت إحدانا أقام الدنيا ولم يقعدها فتفضِّل كلُّ منَّا الهرب من هذا الموقف، وأخونا هو المفتاح الذهبي لبوابات الشقاء، وشتات الشمل، ونزول الأمراض النفسية بنا، وبذر الشر، وسكب النار في تربة الأواصر التي بيننا... إنه بكلِّ صدق ليس الأب، وليس الراعي، وليس أي قلب فيه أية ذرة من الرحمة. ومجتمعنا يمنح الأخ الأكبر من المنزلة ما يجعله يصول ويجول دون رادع. فماذا نفعل.. وكيف يُحل أمر الرعاة الذين يُفرطون في حقوق وواجبات الرعاية، وإني وأخواتي ضحية هذا الأمر؟»... إنني أقترح بناء على تكرُّر وصول خطابات من قارئات يقعن تحت وطأة هذا الأنموذج من الأخ الأكبر، بل أيضا هناك إخوة لهم يعيشون المأساة ذاتها مع الأخ الأكبر.. الذي يمسخ شخصية أيِّ أخ آخر في البيت سواء كان يعيش معهم في البيت نفسه، أو في بيت خاص به فإنه يترك لهم ظلَّه يتحرك بسُوطه و «كرباجه»... أن يأمر المسؤولون بإقامة لجنة خاصة بمتابعة مشكلات الأسرة تحدد العلاقات وتقيم الحدود وتقنِّن الضوابط لكل راعٍ لا يؤدي أمانة رعايته في شخص الأخ الأكبر، أو من يمثِّله، أو حتى الأب الذي يسلك في أداء مسؤوليته مسلك التَّجبر والظلم.. ذلك لأن المرأة تحت مظلة هذا الراعي تحتاج إلى رعاية، هي على الوجه الأخص، ومن عداها من أفراد الأسرة وعلى وجه التحديد الأمهات اللاتي يذهبن ضحية هذه العلاقات المتوترة فتتألم نفوسهن..وترتفع مؤشرات العقوق في منازلهن.
وهذا الأمر لعمري يحتاج إلى علاج فوري بإنشاء هذه اللجنة وإسنادها إلى مسؤول يقدر أمانة الرعاية، والموضوع قابل للنقاش والإسهاب بشكل يكشف عن نماذج أخرى تؤكد خطورة العلاقات التي لا تقوم في الأسر على الرحمة والعدل والأمانة كي لا تدفع الأخوات الثمن باهظاً نتيجة لتسلط الأخ الأكبر.
|
|
|
|
|
