| الاقتصادية
في سبيل اعادة صياغة الهيكل الاقتصادي، وايجاد قاعدة للاقتصاد الوطني اكثر تطورا وتناسقا مع البنية الاقتصادية للدولة الحديثة، اخذت التوجهات منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود بوضع اسس جديدة وقوانين وانظمة واجراءات ادارية حديثة وقوننة الانشطة الاستراتيجية.
وكان الهدف تحفيز اصحاب رؤوس الاموال وتشجيعهم على ايجاد شركات كبيرة عن طريق مساعدتهم حيث قدمت لهم قروض ميسرة وأراض شبه مجانية لتقوم عليها المنشآت الاقتصادية وكفلت الدولة حمايتهم عن طريق رفع الرسوم الجمركية على الواردات المتماثلة وشراء الدولة لمنتجاتهم واستخدام سلطاتها لعدم اغراق الاسواق بمنتجات مشابهة.
وفي ظل اطار شبه مغلق نمت هذه الشركات وحققت الخطط المطلوبة منها بدعم من مؤسسات الدولة والمؤسسات المصرفية والبنكية وفي المقابل فقد واجهت الشركات المتوسطة والصغيرة اقل رعاية حيث واجه الكثير منها مصيره منفردا، فبعضها مني بخسائر وتمت تصفيته والبعض الآخر واجه التعثر وصعوبات بالغة والآخر لايزال يواجه مصيره رغم ما تم له من نجاح.
فالصعوبات كثيرة منها صعوبات تراخيص النمو والتوسعة وصعوبة الحصول على تراخيص اراض لقيام المشاريع المختلفة وصعوبة الحصول على العمالة المطلوبة رغم ان الشركات الكبرى تحصل عليها بأقل وقت وجهد من الشركات المتوسطة والصغيرة، ناهيك عن ان التسهيلات البنكية من قروض وضمانات الاعتمادات متاحة بيسر للشركات الكبيرة مما يضعف القدرات التنافسية لدى الشركات المتوسطة والصغيرة.
ومن جانب آخر فان مجمل سياسة الانفاق الحكومي عن طريق العقود الحكومية (المناقصات) هي من نصيب الشركات الكبرى بسبب عدم قدرة الشركات المتوسطة والصغيرة على توفير الضمانات المطلوبة والتي تشترطها (المناقصات) مثل ايداع ضمان مالي من قيمة العقد والذي عادة لا يرد قبل مضي ثلاثة شهور او اكثر، والذي تحصل عليه الشركات الكبيرة بتسهيلات مريحة من البنوك بينما تجد الشركات الصغيرة صعوبة في الحصول عليه لكون البنوك تتحفظ على إقراضها وتعتبرها مجازفة مما يعني ضمنيا استبعاد المستثمرين المتوسطين والصغار.
وعلى صعيد آخر تواجه الشركات المتوسطة والصغيرة عدم توفر المعلومات المطلوبة للتسهيلات الحكومية او المصرفية التي تدفع وتيرة النمو من جراء غياب القاعدة المعلوماتية الواضحة والاساسية التي تتمتع بها قريناتها الكبيرة.
وفي كثير من الاحيان تتوفر حماية ضد الاغراق لدى الشركات الكبيرة بينما تواجه المتوسطة والصغيرة مصيرها دون حماية كافية لحين اكمال دورة النمو والمقدرة التنافسية، والتخلص من ضيق حجم السوق والانطلاق خارج السوق المحلية.
ان استحواذ الشركات الكبرى على الدعم وكرم الامتيازات يقتل روح المنافسة والنمو لدى الشركات المتوسطة والصغيرة، ويحد من التوسع والتعددية ويزيد مساحة الاحتكار ويضعف التوجه نحو قوى السوق الحر ويقلل شروط العرض والطلب.
وهنا يبرز دور المؤسسات الحكومية التي تعي اهمية دعم الشركات المتوسطة والصغيرة للقضاء على الاحتكار وايجاد قاعدة انتاجية تنافسية اوسع، فكلما زادت كثافة الدعم لقاعدة اوسع كلما تزايد عدد المستثمرين وقل الاحتكار وعم الرخاء والازدهار، فأحيانا نجد ان اتساع المنشأة الكبيرة يؤدي الى قلة الكفاءة الاقتصادية وليس العكس.
ان المتتبع لمسيرة الشركات المتوسطة والصغيرة لا يصعب عليه الوقوف على ما تواجهه وتعانيه هذه الشركات، واذا كانت هذه المقالة مساهمة متواضعة في تقريب صورة واقع هذه المنشآت فان المقالة القادمة سوف أخصصها لبعض الحلول والاقتراحات التي اتمنى ان تساهم في ايجاد مخرج لأزمتها الراهنة والمشاركة في جهود التنمية الاقتصادية للاقتصاد الوطني والتي تقوم بها حاليا الشركات الوطنية الكبيرة بعد ان حظيت باهتمام ورعاية بالغتين من قبل الدولة الكريمة التي أولتها جل اهتمامها، ويتضح ذلك من خلال الاطلاع على خطط التنمية واهدافها التي شملت الرعاية التامة للشركات الكبيرة وكما هو مبين في الخطة الخمسية حيث انشأت المملكة ادارة خاصة للقطاع الخاص في وزارة التخطيط للتواصل والتشاور مع اصحاب الشركات الكبيرة والاهتمام بحل قضاياهم وتذليل ما يواجههم من عقبات وصعوبات وايضا ما ورد ضمن خطة التنمية السادسة التي تحتوى على العديد من الاجراءات التنظيمية الرامية الى توسيع نشاط وعمليات القطاع الخاص والاستفادة من خطط التخصيص، وتحويل بعض الملكيات الحكومية ذات الطابع التجاري الى ملكية القطاع الخاص.
ان شمول الخطط الاقتصادية لرعاية الشركات الكبيرة (رغم عدم ورود ذكرها بالاسم كشركات كبيرة ولكنها ضمنياً هي المعنية) من الجدير بالاهمية ان تشمل ايضا الشركات المتوسطة والصغيرة لرفع قدراتها والاستفادة من أنشطتها التي تعود على اقتصادنا بالرفعة وعلى شعبنا بالسعادة والرفاهية.
ان تجارب عالمية كثيرة من الأهمية بمكان ان نستعين بها مثل تجربة الجزائر مع الشركات المتوسطة والصغيرة ونجاح تجاربها أيضا في هونغ كونغ وتايوان وبعض بلدان جنوب شرق آسيا وامريكا اللاتينية. من المهم الاستعانة بتلك التجارب الهامة والاستفادة من نجاحاتها والابتعاد عن اخفاقاتها وللحديث بقية.والله الموفق.
*رئيس المركز العربي للاتصال والعلاقات الدولية
|
|
|
|
|