| شرفات
عندما اجتاح المغول بغداد عام 656ه (1258م) عمد قائدهم هولاكو الى استمالة قلوب المسلمين بعدما هدأت حدة المذابح التي صاحبت هذا الاجتياح.
ورغم أن هولاكو كان بوذيا ويظهر ايضا العطف على المسيحيين بسبب زواجه من اميرة مسيحية، الا انه حرص في العملات الذهبية والفضية التي اصدرها في ممتلكاته الاسلامية على الحفاظ على الطابع المألوف لنقود الدولة العباسية، وخاصة من ناحية اثبات شهادة التوحيد وغيرها من المأثورات والعبارات التي توضح العقيدة الاسلامية.
فنجد على وجه الدنانير التي ضربها هولاكو في بغداد ستة اسطر من الكتابة المركزية تشير الى شهادة التوحيد والصلاة على الرسول نصها «الحمد لله لا اله الا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وفيما عدا ذلك فقد اخذ هولاكو يغير في كتابات النقود وفقا لمتطلباته الخاصة. ولادراكه العميق لمغزى ما يسجل على النقود من عبارات دينية ومدى تأثيرها على الذين يتداولونها فقد اتجه الى تطويع بعض الكتابات للترويج للافكار والاتجاهات السياسية التي يريد لها الذيوع بين الرعية.
والحقيقة ان النقود كانت، وما برحت، اكثر المطبوعات ذيوعا، فمنها تضرب الاف القطع وتنقش عليها العبارات التي ترغب الدول المصدرة في الترويج لها لدواع سياسية او لاسباب دينية وعقائدية. وبهذا المعنى كانت النقود اقدم وسيلة للدعاية والتأثير المستمر على الرأي العام.
وقد تميزت دنانير هولاكو الاولى بانها تحمل اسم (القان الاعظم) وهو «منكو قا ان» الذي خلف جنكيز خان على عرش المغول بقراقرم ببلاد التبت، وكان هولاكو أخا لهذا «القان»، معترفا بتبعيته له، ذلك بالاضافة الى اسم هولاكو ذاته. وقد اضاف الى اسمه لقب «مالك رقاب الامم» في اشارة الى نجاحه في بسط سيطرته على الفرس والاتراك والعرب بل والروس والصينيين. وقد ظل هذا اللقب لصيقا بخانات المغول حتى بعد انقسام الدولة بين الامراء المتنازعين وانحسار نفوذها.
ومن الجدير بالذكر ان هولاكو اسقط بعد وقت اسم «القان الاعظم» من دنانيره الذهبية وذلك تعبيرا عن ازدياد نفوذه في الامبراطورية المغولية واستقلاله بادارة الاقاليم التابعة لحكمه في ايران والعراق.
وقد تميزت نقود ايخانات المغول باستخدام اللغة الاويغورية في تسجيل اسماء الخانات والقابهم.
ومن المعروف ان الكتابة الايغورية التي سجلت بها لغة المغول، تنسب الى قبائل الاويغور التركية الاصل وكانت سباقة الى اكتشاف الكتابة بفضل اتصالها بمناطق الحضارة الصينية، وقد استعان المغول بعناصر الاويغور للعمل في ادارة دواويين الامبراطورية المغولية، وكان جلهم من البوذيين الذين يضمرون عداءً شديدا للاسلام والمسلمين. وقد عمد هؤلاء المعروف احدهم باسم البخشي اى الكاتب الى محاولة فرض الخط الايغورية على اصدارات الدولة سواء من الاوراق الديوانية او النقود.
وتجدر الاشارة الى ان الخط الايغوري ظل مستخدما الى عهد غازان محمود الذي اعتنق الاسلام في رمضان 694ه (1295م) وقرر جعل الدين الاسلامي بمثابة الدين الرسمي لدولة المغول.
وقد اجرى غازان محمود العديد من الاصلاحات الادارية والنقدية رغما عن ارادة طبقة البخشي وربما كان ذلك بايعاز من وزيره الشهير رشيد الدين.
وكان من نتائج هذه الاصلاحات عودة المأثورة القرآنية التي واكبت تعريب النقود منذ عهد عبدالملك بن مروان، ونصها «محمد رسول الله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» ونجدها على هامش وجه دينار باسم غازان محمود ضرب ببغداد في عام 701ه اما مركزه فبه شهادة التوحيد كاملة مع الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
اما ظهر هذا الدينار فقد ظلت تسجل بهامشه المأثورة القرآنية المقتبسة من الآية 26 من سورة آل عمران (قل اللهم مالك الملك..) ورغم ان كتابات المركز بدأت بالاقتباس القرآني «لله الامر من قبل ومن بعد» ومعها باللغة العربية اسم دار الضرب بغداد وسنة السك (701ه) واسم غازان محمود بوسط المركز الا ان بقية كتابات المركز كانت باللغة الاويغورية وهي تشير الى اسم غازان محمود مع بعض العبارات الدعائية له.
وبعد استقرار الاسلام كدين رسمي لدولة المغول تراجع نفوذ طبقة الكتاب البوذيين واختفت الكتابات الايغورية من النقود واصبحت كتاباتها سواء ذات الطابع السني او الشيعي تسجل باللغة العربية دون سواها.
د. أحمد الصاوي
|
|
|
|
|