| الاخيــرة
لا يقتصر التوجيه والإرشاد على المسؤول فحسب، كما ان عين المتابع والرقيب قد يغيب عنها أمر دون قصد، وهنا تبرز عين المواطن المسؤول مسؤولية ذاتية، أو ذاك المادي الذي اعتاد ان يلمح ما توارى عن سواه، وقد يجتمع لدى البعض تلك الخلّتين معاً والعين البريئة تمر على الدروب دون ان تدرك او ترغب في التمحيص، حتي لا تحمِّل ذاتها أمراً تراه ليس من اختصاصها، والعين الحاذقة تمر على الدروب او تمر عليها فتدرك ما بها لكنها لا ترى ان ذلك من شأنها منعزف عنها، والعين الفاعلة ترى الظواهر فتدركها ثم تتفاعل معها.
والناقد أي كان موقعه وحقله هو عين مدركة فاعلة، إذا كان صادق النية، جاداً في البحث عن الحقيقة. كابحاً نوازعه الباطنة عن التأثير على سيرة نقده.
والنقد أداة تصحيح وتهذيب إذا كان بناء خالياً من اساءة او مطمع، ومعول بناء وتشييد إذا لم يكن لغير الخير مأرب، والناقد يستخدم في نقده أدوات عديدة منها الكتابة والشعر، والكاريكاتير، واللوحة الفنية، وآلة التصوير.
والكتابة النقدية تعتمد على اختيار المعاني وتوظيف الكلمة بما يخدم المعنى دون إطالة مملة، كما ان الكاتب الناقد قد يستعمل ألفاظاً او جملاً تهكمية تستهوي القارئ ويزداد تمعناً في موضوع النقد.
والشعر أداة نقدية فاعلة لجمال سبكه، وسهولة حفظه، وثرائه بالمحسنات البديعية، وقوة معانيه، ولدلالاته الكبيرة في بنائه القصير.
أما رسام الكاريكاتير فهو يستخدم أقصر الجمل وأبلغها. لا يتقيد بلفظ، ولا بمحسنات بديعية بل يرمز إلى الذات المنقودة بخليط من الكلمة والرسم، او الرسم فقط مع شيء من الإشارات وهو فن بديع لا يحسنه إلا الندر القليل، وعنوان نجاحه يكمن في فكرته كما ان مقدار تأثيره يكمن في اخراجه.
واللوحة الفنية ذات بهاء وجمال صامتة لا تنطق لكنها تحدث العين بلغة لا تفهمها سوى العيون النابهة فتدرك المعنى وتصل إلى الغاية، بلمح البصر، وكلما زادت العين تأملاً كلما تروضت وسهل عليهم فهم تلك اللغة البهية.
وآلة التصوير، أداة فاعلة لتوثيق النقد ليس من اليسير نقض فعلها، وما على المنقود إلا الاستسلام أمام حكمها ان يكون الناقد المصور ذا غاية، فيلتقط ما يريد باسلوب يظهر الحقيقة ناقصة او مظللة بأسلوب لا يجسده سواه، وهذا أمر يكاد يكون محدودا. وشاء الله ان التقى بجمع كريم قد كان التواضع ديدنهم، وحسن الخلق جبلتهم، وكان من ضمن ذلك الجمع ناقداً تصويرياً قدم لي مشكوراً مجموعة من لقطاته وتعليقاته ومقالاته، لا تفارقه آلة التصوير أينما حل هو الاستاذ عادل بن محمد عبده وعندما قلبت تلك الصفحات وجدتها قد حوت على نقد بناء طال أكثر من موقع، وأبان اكثر من هفوة وكان لسرعة الاستجابة على نقده لتعديل ما اصطادته آلة تصويره أثر في استمراره على هذا النحو، ومما استرعى انتباهي واستثار فضولي، تلك الشجرة التي كانت تغطي لوحة مرورية فصورها على حالتها تلك وعند نشره لتلك الصورة استجابت الجهة المعنية وقامت مشكورة بتقليم الشجرة فأخذ لها صورة بعد التقليم وشكرهم على صنيعهم، وبعد سنة او تزيد نمت تلك الأغصان وتورقت واكتست لباساً أخضراً يانعاً غطت تلك اللوحة البائسة لكن آلة تصوير صاحبنا لم تترك الشجرة ترفل ببهائها فذهب إليها وأخذ صورة أخرى ونشرها وهي تغطي تلك اللوحة البائسة.
ومن حسن حظي ان آلة تصويره قد تعطلت أثناء لقائنا فحمدت الله على ذلك.
|
|
|
|
|