| الثقافية
.. من وراء جدران الصمت القاتلة.. وعبر دهاليز النسيان المطبقة في أقصى أعماق الوحدة.. تحت أرتال الأحزان ووطأة الحرمان..
أكتب ببنان الألم وأسطر بمداد السقم أشكي العقوق والجحود..
داخل أسوار الكهولة وأطلال الشيخوخة يتفطر قلبي حسرةً وندامةً، وتنساب أدمعي على أديم وجنتي المتجعدة التي غزاها الجفاف المدقع بعد اضمحلال ينابيع الحب وتقطع حبال التواصل والرحمة وتمزق وشائج القربى والحنين والرحم.. أبنائي.. بصوت محشرج أقول أن لكم أماً تقبع في تلك الظلمة الموحظة تناجي وتبكي فقد أردتها جيوش الأحزان والآلام طريحة الفراش.. غدت فريسة للأسقام المفجعة وأسيرة للأوهام المضجعة التي تنهش في جسمي الذي يوماً بعد يوم يذوي كما «يذوي القضيب من الزند» مما أعانيه من نصب ووصب ومما يعانق مساحات خيالي من أفكار موجعة في الصميم .. زطلق صرخات الألم فتضيع في أودية المجهول.. أولاي .. أحبابي .. إنني أتضور جوعاً وألماً .. هائمة في مفترق الطرق.. أصارع الأمراض القاصمة للظهر المدمية للبدن..
أقاوم رغم ضعف هيكلي نار الهجران وسعير الإهمال.. أكدح تحت وهج الشمس احارقة في سبيل الحصول على ما يسد الرمق بما يجود به المحسنون من إعانات وصدقات وهبات.. وأعود أعيش ليلي وهو مملوء بالذعر والخوف والحزن.. لا أحس بخيوط النور المتسللة الى غرفتي غير كافية بل عاجزة عن طرد شؤم الظلام الذي دخل تجاويف ذاتي وسيطر على مساحات فكري.. أقاوم ما بين الفنية والأخرى فترات الانتظار المحرقة.. وأحاول الصبر والتجلد والتكيف مع هذا الواقع المر.. الذي يندى له الجبين.. أعد الساعات أحسب الأيام.. أتابع الشهور والسنين.. انتظر بصيص الأمل في عنان الأفق.. أفز نشوى على صدى الأصوات الآتية من مفازات المجهول.. وتداخلني الفرحة وتجتاحني الدعة والحبور وتغشى أساريري الغبطة والسعادة أحسب تلك الأصوات أتت تنتشلني من غياهب النسيان ومن سراديب العقوق لكن.. يا حسرتي .. فالفرحة عند اكتشاف الحقيقة تتحول بوخزة يأس الى ترحة حبلى وقنوط جهبذ..
فأعود منكسرة الخاطر أجر أذيال الخيبة وأتبع قوافل التدامة أعود الى مستنقعات الاحتضار وتعود سياط الزلم الى فكري والعذاب الى فؤادي.. واسهد السرمدي الى عيني أبنائى.. لقد طفح الكيل.. أغرتكم الدنيا وألهتكم الأموال عني أم خوفكم من «غضب الزوجات» وبحثكم عن رضائهن أنسيتم أن «الجنة تحت أقدام الأمهات».
أليس الله القائل «ووصينا الانسان بوالديه احسانا» ألا تخافون من غضب الرحمن عندما قال «ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما» لماذا رميتم وراء ظهوركم قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن من أحق الناس بالصحبة قال ثلاثا «أمك، ثم أمك، ثم أمك» يا الله .. أصارت رؤيتي تجلب الارتياب والفشل والقلق؟ أصارت عندكم كأسمال أكل عليها الدهر وشرب.. أولادي .. إن الدنيا متاع ومحطة عبور للآخرة.. فاذكروا أمكم.. ارحموها.. ان كنتم تردون المغفرة والرحمة من الله والفوز برضاه فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة» فأين انتم من ذلك وأنتم الذين اعتبرتموني من بقايا الأمس الغابرة.. ودونتم اسمي في مجلدات النسيان الجائرة.. فمتى تستيقظون؟! متى تشعر حواسكم الميتة بعظم الجرم الذي ارتكبتموه والوزر الذي جنيتموه قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة قاطع رمم» وأنتم.. قد طال انتظاركم .. وزاد هجركم.. وتمادى عقوقكم.. وقال سيد الحخلق «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات» فمتى تتلقفكم .. متى أمزق وشاح الحزن وأقطع رداء الأسى والظلم..
أولادي .. لماذا تعصون أمر الله الذي أمر بالرأفة والرحمة والإحسان بالوالدين في قوله تعالى: «ووصينا الانسان بوالديه إحسانا» لماذا تخالفون أمر الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فقد قال «من الكبائر» وذكر «عقوق الوالدين».
آه .. ثم آه .. هل ضاعت المروءة واندثرت .. يا للعار والشنار فلقد بلغ العقوق في أريحتكم أوجه وزاد الإنكار في قلوبكم عن حده.. لكن .. اذا تركمتوني على هذه الحال التي يرثى لها على دروب القوافل كالمتسولة .. وفي قفار الضياع هائمة حائرة أسيرة للأوجاع.. فلي رب يرحمنى ويرأف بي فهو عز وجل الذي وسعت رحمته كل شي.. وأنتم أقول لكم «سامحكم الله».
زبن بن دليل الغبيوي
عفيف
|
|
|
|
|