في حبها تختل الموازين

في حبها تختل الموازين
عبدالله بن محمد الموسى*

عندما طلب مني المشاركة في ملحق الجزيرة والذي يصدر بمناسبة تفضل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز حفظه الله وطيب الله ثرى والده الملك خالد.. بوضع حجر الأساس لمبنى وميدان الفروسية بمحافظة المجمعة والذي تكرم سموه بتحمل نفقات إنشائه إسهاماً في نشر هذه الرياضة العربية الإسلامية الأصيلة العريقة في ربوع بلادنا العزيزة وجدتها مناسبة سانحة أبث فيها شيئاً من الخواطر والأحاسيس تجاه فيحائي الغالية من منا لا يعشق مراتع الصبا ومواطن الطفولة والشباب ومن منا لا يفاخر ويباهي بمنابت الشيم والنفل ومحاضن الجود والكرم وساحات الرجولة والشهامة.. على أرضها تنفست أول أنسامي وبين جدران طينها خطوت أول خطواتي وتحت أسقف أثلها وجريدها وسعفها عشت أول أيامي فيها نطقت الضاد وفرقت بين الألف والياء وعرفت الصفاء والوفاء والسعادة والمرح.. عشت براءة الطفولة وريعان الشباب في جو مملوء بالحب والبساطة لا يعرف الحقد والحسد والنميمة والضغينة. كانت مدينتي ملاعب للصبا وصفها شاعر الفيحاء وأديبها الأستاذ عثمان السيار فأبدع ومن المناسب اتحافكم بشيء منه:

فيحاء سائل رباها الفيح والوادي

والنخل مخضوضراً ريان أوصادي

ملاعب للصب كانت وكان لنا

فيها مرابع ايناس واسعاد

بين الاخلاء لا دنيا تكيد لنا

ولا رعائب عيش غير منقاد

ولا نبيت على هم يباكرنا

كفاهم الليل ما في دربه هادي

نلهو على نغمات من عواطفنا

تشدو بنا في بروج طرها شادي

لم لا يراجعنى من شدوها نغم

إذا بدا منا سنا (الفيحاء) لي بادي

هذه حاله معها وما لنا مثله في حبها تختل الموازين ويرخص الغالي والنفيس ومن أجلها نبذل الكثير والكثير ومهما نأت بنا الدنيا وأبعدتنا عنها فلن تنسينا أيامها الحلوة ولياليها العذاب فرغم شيء من شظف العيش وقلة الرغد ومحدودية الوارد والصادر وشدة برودة الشتاء وحرارة الصيف فقد كنا أسرة واحدة في قرية واحدة لا جشع ولا طمع بل رضى وطمأنينة وود وإخاء.. حتى المشاجرات ما أن تحدث حتى تنتهي دون غالب أو مغلوب أو متربص أو مطلوب تلك حالة مدينتي وأهلها.. سماحة ونقاء وكرم وعطاء وشجاعة بصدق عند اللقاء.. ربت أبناءها على سجايا الأخلاق وعلمتهم البشاشة وحسن الاستقبال للضيف، كانت من أوائل مدن مملكتنا التي عرفت العلم والتعليم فأنجبت العلماء والأدباء وكان من أبنائها القضاة والأطباء والمعلمون والمربيون ممن لهم ولله الحمد دور كبير وجهد لا يجحد .. فعلى كل دائرة هم متواجدون يخدمون بلادهم وأمتهم بجد وإخلاص.. ومدينتي اليوم تعيش نهضة مباركة كغيرها من مدن وقرى وهجر مملكتنا الواسعة الشاسعة وقد توفرت فيها كل وسائل الراحة ومرافق الخدمات المتحضرة وهي في طريقها للزهو والنضارة والنظافة وفي كل يوم تشهد مشروعاً حيوياً يقدم لسكانها ومن حولها المزيد من الرخاء والاستقرار.. يعاتبني بعض الأصدقاء لأنني لم أعقب على ما كتب عن تاريخ المجمعة وتطورها بصفتي أحد أبنائها وأحد من عايشوا ولله الحمد وشاهدوا بشائر هذا التطور ويخصون بالذكر بعض المؤلفات الشاملة وطرفاً من الأمور المتعلقة بالنوادي الرياضية وإليهم أقول:
أولاً أنا لست ضليعاً في الأمور التاريخية ولكنني كغيري كونها من حبي وتعلقي الشديد بهذه المدينة الفاضلة وكذلك أتجنب التعقيب طمعاً في إتاحة الفرصة لمن هم أكثر دراية واهتماماً وهم ولله الحمد من شبابنا كثر.
وثانياً ماذا عساي أن أفعل وقد اجتهد الأخوان وقدموا ما اجتمع في كنانتهم وإن كان من حقنا عليهم أن يعرضوا جهودهم الطيبة والكبيرة هذه قبل خروجها مطبوعة أو مروية على أكثر من شخص وأن يستنيروا بآبائهم ويتقبلوا ملاحظاتهم وأن لا تنزع بهم العواصف أحياناً بحيث تنسيهم جهود الآخرين ولو فعلوا ذلك لكانت أعمالهم أكمل ونسبة السلبيات فيها أقل وتقبلها من الجميع أكثر.. وآمل أن يكون في ذلك عبرة لما سيقوم بجهود مستقبلية في هذا الميدان.
ثالثاً وليس آخر آمل من أخي وصديقي وزميلي الأستاذ محمد الاحمد السليمان أن ينجز مشروع كتابه عن الفيحاء والذي بذل فيه جهوداً كبيرة وأمضى في جمع المعلومات والأخبار سنوات طويلة وأنا على ثقة في أن هذا المولود سيكون شقيقاً لسابقيه مكملاً لهما خالياً من الكثير من السلبيات التي ظهرت من أمور الأدب والثقافة والعلم والعلماء فهل يلبي لنا هذه الريحانة التي ما زال عطرها يفوح وذكرها يتكرر ومهما يحدث من سلبيات فإننا نحسن الظن بالجميع ونرجو من الله التوفيق والله من وراء القصد.

* رجل أعمال

أعلـىالصفحة

رجوع