|
| الثقافية
** ظللت امداً طويلا احوم حول عتبة السفر الى القاهرة.. ولم أطمئن الى تأويل راجح ما المعابر الى ذلك الصقيع الجديد الذي حملتني اليه رحلتي الى مصر وأنا دون السابعة عشرة؟
الوجدان لغة الكلام التي التقطتها من الافلام والاغاني؟
الفضاء الضاج بالرومانسية في الشوارع والحارات؟
افكر في تلك الثقوب التي كان يمكن ان املأها لو أن جميع الذين استحضرتهم في محكياتي كتبوا هم ايضا عن نفس فضاء الذكريات والاحداث المعيشة.. لكن ما الفائدة؟
لقد استجبت لرغبة الكتابة التي سرعان ما استحوذت على المواد الخام وعجنتها وحولتها الى ترجيعات ذاكرة مكتوبة لا تخلو من رؤية شعرية لماض فيه من التيقن المتدثر بالغواية وحب المغامرة.. والجرأة على الامل..
د. محمد برادة
** بهذه الكلمات (استهل) الكاتب محمد برادة خاتمة روايته التي اعاد فيها كتابة «يقين» الذاكرة.. ومعاشها المختزل ولذتها المسترجعة.
اعاد.. استيلاد حمولتها الخاصة.. يستكشف ضوح الواقع البعيد.. في حيز من عمر الزمن..
يستبرىء فيه خصوصية «المكان».
إذ لابد لمكان مثل «القاهرة» من بعد حضاري ممسوس بوجود انساني عميق.. دافىء دفء الحياة نفسها.. وان كانت هذه (الترجيعات ) جزءا من الواقع المهيمن .. المعتلي على الذاكرة فلأن (القاهرة) بخاصياتها الفريدة.. وعلائق مجتمعها الغريبة.. وتماس ظواهرها المعاشة فرائد للتعايش والانسجام لا يتحقق لأي جزء من العالم..
** فشوارع (القاهرة) وحاراتها.. وازقتها وانثاها.. وانسانها.. ومثقفها.. ونيلها وصوتها الحارق.. في لجة ليلها الساحر (كواشف) متجلية ومحفزة لأي ذاكرة يقظة.. تواقة للمدهش.. والغريب.. والنادر والحميم!
تسجل وقائعه.. وتحفظ مشاهداته.. مزيج حميمي (بنكهة) فاقعة الانسانية تتخلل ذرات الاحساس الآني.. و(تعتمر) صوت الذاكرة الى الابد.
** وفي روايته (مثل صيف لن يتكرر) يعيد الكاتب محمد برادة توثيق رجع الذاكرة.. التي تشكل وعيها في فضاء (القاهرة) كما يتضح من تقدمة هذه السطور والتي نقلتها من الغلاف الخلفي للرواية هذا (الرجع) الذي (يتنكب) علاقته بالانسان.. والزمن.. والمكان..
** والكاتب عندما ينص على ان وثيقته الروائية محكيات انما يشرع «وثائقية» هذا السرد ونباهة واقعيته.. الى جانب نسيجه الابداعي «المنفصل» عن مقررات «تاريخية» الكتابة.. الى (استيهامات) الذاكرة.. ونسيج محفوظها العقلي والحي..! وهو في (الآن) ذاته يستجمع (تفاصيل) الرواية من تدرجها التاريخي وحقولها الزمنية في وقت تجلى فيه الوعي بالمحفوظ «الذكروي» على نحو يسمح بممارسة انتقائية تعيد سرد الوقائع (الحالات) بذكاء يتقدم بها الى صفاء ذهنيات (التلقي).
** (القاهرة) كما يكتبها محمد برادة تلك النقطة من العالم التي تستجمع (الدفء) الوجودي للاشياء.. والحقيقة (المطلقة) للظروف.. و(المصداقية) الانصع للانسان..! انها (الأنثى) الآسرة.. التي (يستنبىء) الانسان معها (اسرار) الحياة.. واسرار جاذبيتها وحقائق (اكتمال) روعتها..
إنها الامومة.. العشق.. الدفء .. الاحتواء (التوحد) بذلك السديم (العشقي) الذي يتبرعم (فجأة) في نهاراتها.. ثم لا يلبث ينمو.. ويشب ويكتمل.. في كمالية (الوعي) بالمكان.. الذي لا تملك الا ان (تستمرىء) معه الامتزاج حد امتلاك خصائصه ونكهته< ** اكثر من (اربعين عاما) من عمر القاهرة وعمر الكاتب.. يكتبها محمد برادة سيرة واقعية للمشاهد.. والمتخيل.. وما بين (واقعية) المشاهد و(حلمية) المتخيل.. آفاق من (الحياة) لا يتلمسها الا المبدع الحاذق .. القادر على استقصاء العلائق (المستعصية) على التوثيق والاحلام (المتأبية) على النقل الى ذوات «مكتوبة» وسيرة (محبرة) وممكن (مطاوع) يستطيع تحريكه وفق (المنظومة) الابداعية التي تنتقل بالحدث من «عادية» الظهور.. الى (ايهامية) التواجد .. المحقون (ببصيرة) الكاتب.. واشارات (تأويلية)..
** ولعل الحقبة التاريخية التي تعايش فيها محمد برادة مع الواقع القاهري لن يتكرر. بظروفه.. وإن اعيد ترتيب وقائعه.. اذ هو.. الظرف المرتبط «بالزمن» و«اليومي» الدافئ الخارج الى (شوه) الحياة.. يلاطم (أزل) الاقدار.
هو (الحقيقي) المستعصي على التطويع والصناعة.. يلامس وجوده على ارض تعتليها الشمس ويضفها (المساء) بليل ساحر..
** أبدا يلتمع ليل القاهرة في ذاكرة لن تكرر.. في سيرة روائية مغايرة.. تعيد ترتيب الوقائع .. والاحداث.. والذكريات وفقا ل(ميكنزمات) الزمن.. والمكان.
الزمن: المسجل في بصيرة الذاكرة متدفق.. وحقيقي ومتأهب لحضور الكتابة والتدوين..
والمكان: المتغير والآني في وعي التلقي بحيث يتضامنان حضورا.. وتغيرا في طاقة خلاقة.. تستعيد وضاءة انوجادها كلما تجلى لها فضاء الحضور.. و«القاهرة» في «سيرة» برادة مهاد زمني في تباشير وعي الانسان وحلاوة العمر.. يستقبل الاحداث ويشارك في صناعة تفاصيلها وتعاريجها وألوان خطوطها المشكلة لرحلة عمرية تراهن على حاضرها.. باستعادة الماضي واعادة تدوينه.
MDBISI@AYA.COM
* مثل صيف لن يتكرر
* رواية للكاتب المغربي محمد برادة
* دار النينك المغربي 1999م
|
|
|
|
|
