«لمعت نارهم
وقد عسعس الليلُ..
وملَّ الحادي...
وحار الدليلُ.!»
أضاءت أنوار الاجتماع العربي، من جبال «عمان» السبعة، في ليل عربي طويل، لم يفقد فيه الانسان العربي أمله بالتحول والتغير!
بل ظل على كر العقود مُشعلاً شمعته، على أمل أن يأنس بالنور رجال صالحون مصلحون!
لقد أخذنا الشتات طيلة الخمسين سنة الماضية، فتوزعنا مذاهب ونزعات شتى، كل عربي نزع الى فكر مضاد معارض لفكر أخيه وجاره، فذقنا ألم الشيع، وقسوة الفراق، وضعف الاختلاف! نحن اليوم جميعاً، نعود بعد تجربة السبل الجائرة الى تحرِّي السبيل الحق والصحيح الذي يجمع الإخوة جميعاً في جامعة واحدة!
في الخمسين سنة التي أشرق في منتصفها نور الاسلام، مرَّ العربي في ثلاثة أزمنة: زمن كان يفتخر فيه بقبول الأجنبي لرهن قوس القائد العربي ضمانة لدخول المراعي الخصبة! وزمن افتخر فيه العربي بإمالة وثلم عرش هذا الأجنبي!، وزمن ثالث فتح فيه العربي الفتوح، ومصَّر الأمصار، ودانت له بعزٍّ من العزيز أقاليم لا يحكمها النهار الا على فترتين! كانت هذه الأزمنة الثلاثة ممثلة بوضوح في خمسين سنة فقط تحولت فيها الأرض العربية من ظلام دامس الى ضحى باهر يضيء كل شيء:
« إذا افتخرت يوماً تميمٌ بقوسها
وزادت على ما وطَّدت من مناقب
فأنتم بذي قارٍ أمالت سيوفكم
عروش الذين استرهنوا قوس حاجب»!
العالم اليوم يمر بزمن العولمة، وعلينا أن نمر بزمن العوربة، فالعروبة جامعة فيها مناهج الدين واللغة والجوار والمصالح المشتركة، الوحدة العربية حُلم قديم لم ييأس الانسان العربي من تحققه، ولئن عجزت السياسة من نيله، فلابد أن تستعين بالاقتصاد، والثقافة، والعاطفة العربية التواقة إلى الاجتماع، منذ أن نصح القائد العربي «المهلَّب» أبناءه وهو يحتضر على فراش الموت، داعياً بحزمة من العصيِّ، طالباً من أبنائه كسرها فلما استعصت عليهم، قال لهم: فرِّقوا عصيِّها، واكسروها واحداً بعد الآخر، فلما فعلوا، قال: هكذا أنتم، إن اجتمعتم لم يطمع في هزيمتكم عدو، وإن تفرقتم أخذكم واحداً بعد الآخر!
وصية قديمة مضيئة في التراث يذكرها الانسان العربي، كلما عنَّ له ان يجمع قوته الى قوة أخيه، وصفَّه الى صف شقيقه!
دعونا نوقد في الليل العربي شمعة، فالأمل والتفاؤل يظهر بوضوح في خط المشرق العربي، إنه الفجر الصادق حقاً!
العرب اليوم يتجانسون ويتشابهون ويتفقون كثيراً على أهداف وغايات واحدة، الرؤى أصبحت متقاربة، والتجارب متساوية، والأفكار متماثلة!
منذ أن أسست الجامعة العربية، لم ينفذ بند العقد الدوري للقمة العربية، وبعد خمسين سنة، قدرنا أن نطبق هذا البند المتميز!
لماذا؟ لأننا أكثر تجانساً وتشابهاً وفهماً للواقع، وإدراكاً للمخاطر، وأفضل من ذلك نحن اليوم أكثر توحداً في الاتفاق على وسائل متشابهة لدفع هذه المخاطر!
الجيل العربي الجديد، يبشِّر بالخير ويبعث على التفاؤل، إنه يتقدم الى المستقبل مستفيداً من أخطاء آبائه، ومن تجاربهم، وهو حريص على ألا يجرب المجرَّب، ولا أن يرتكب نفس الأخطاء، إنه يقدم التعاون على التطاحن، والاجتماع على الاختلاف، واقتسام الغنيمة بدلاً من الاقتتال عليها، وتوحيد الصف بدلاً من شقه! الزمن العربي الثالث يوشك أن يُشرق فهنيئاً للإنسان العربي الذي سيضيء جبينه نهار ذلك الزمان!
العالم محكمة ونحن المحامون!
إذا سالت شوارع قطاع غزة والضفة الغربية بالجماهير الفلسطينية المطالبة برفع الحصار والاحتلال والمطالبة بحق تقرير المصير، وإذا استمر جريان هذه الشوارع بالشعب الصابر المكافح الرافع لراياته، فلابد للعالم الذي يشاهده بوضوح عبر وسائل الاعلام والاتصال أن يفهم قضية هذا الشعب، وان يتعاطف معه، وان يحميه من أعدائه المستبدِّين المتعطشين إلى دمه، الطامعين في إذلاله وسلب أرضه وهويته وتهديد وجوده!
قد لا تتحرك ألوف الطائرات العربية الرابضة في مطاراتها ولا مئات الألوف من المدافع والمدرعات العربية! ولكن يجب أن يتحرك المحامون في الدبلوماسية العربية، والإعلام العربي، يجب أن نهزَّ ضمير الهيئات العالمية، وجمعيات حقوق الانسان، ووسائل الاتصالات الإعلامية، والإعلام الغربي، يجب أن يحضر من يستطيع منهم الحضور، وأن نُطلعهم على كافة حقائق ومشاهد ما يجري من ظلم وإذلال للشعب الفلسطيني.
ما يفعله الاسرائيليون اليوم في فلسطين لا يمكن أن يرضاه إنسان قط، وعلينا أن نوثِّق جرائمهم، وأن نضعها أمام سمع العالم ومرآه، فلابد أن يستجيب للحق والانصاف وضرورة الحماية للشعب الفلسطيني! إذا كانت المدرعة العربية غير قادرة على أن تقترب من مدرعات المجرم الشاروني، فيجب أن تقترب «الكاميرا» العربية لتصور مآسي تقطيع غزة والضفة الغربية ومشاهد قتل الأطفال وإحراق الأرض وقطع الأشجار وهدم المباني! يجب أن يشعر (شارون) أنه ثور هائج يمثل مشاهده العنيفة أمام تلفزة العالم، وأن كل فعل قبيح يصنعه وكل خطيئة بحق الإنسانية يقترفها هي في محط أنظار العالم، على العالم أن يشهد على جرائمه، فالعالم كله محكمة ونحن المحامون!