| عزيزتـي الجزيرة
إن الكتابة عن مجال التدخين والمدخنين في بلادنا الخليجية وغيرها من البلدان المجاورة لأمر صعب ويحتاج الى جهد كبير لقلة المراكز المتخصصة في مجال أبحاث التدخين وصعوبة وجود الاحصائيات الدقيقة لكي تعطي المهتمين من الباحثين وغيرهم قراءة صادقة لبلدانهم.
أقول يجب ان يكون العمل الذي يتخذ على نطاق عالمي ضمن إطار «توفير الصحة للمجتمع»، وهو الهدف الذي تبنته بالإجماع جميع دول منظمة الصحة العالمية (WHO) في اجتماعها المائة والستة والستين في جنيف في آيار/ مايو 1977م، وصرح وقتها مدير المنظمة الدكتور هيروشي تاكاجي، في رسالته التي وجهها : «إنه لا يكفي ان نقدم للأطفال والمراهقين خيارا بين التبغ أو الصحة، بل إنه من الضروري توجيههم في عملية الاختيار، فمن أجل الحفاظ على صحتهم، فمن حق كل طفل ان ينمو دون ان يتعرض لأضرار التدخين».
وإذا كان مجتعنا في السعودية الفئة الغالبة هم من الشباب وبالذات في مرحلة المراهقة ، وهذه المرحلة حيوية في النمو وذات تداعيات يتحتم فيها على الناشئين مواجهة تغيرات بدنية ونفسية واجتماعية وجنسية، ويبدأ المراهقون في الابتعاد عن آبائهم واتخاذ علاقات مع أقرانهم، يحرصون فيها على كسب رضاهم، ويعتبر هذا العامل أقوى بكثير من أي عامل آخر، ومما يزيد هذا العامل قوة ان الناشئين عموما يشعرون أنهم أصحاء ولذا فقد لا يستطيعون الربط بين السلوك الذي يمارسونه حاليا وبين آثاره البعيدة.فمما لا مجال للشك فيه آثار التبغ على صحة الأفراد من إصابة بسرطان الفم والحنجرة والقصبة الهوائية والرئة، وتشير التقديرات الى أنه إذا استمر استهلاك التبغ على الحالة السائدة اليوم في العام فإن حوالي (150) مليونا من الأطفال الذين يعيشون اليوم سيموتون بأمراض يسببها التبغ (تقرير منظمة الصحة العالمية).وكما دلت دراسات أخرى أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة الأشخاص الذين يموتون سنويا بالذبحة القلبية نتيجة التدخين السلبي يتجاوز الخمسين ألفا، هذا بالرغم من سن النظم والقوانين التي يمنع فيها التدخين في الأماكن العامة، في حين أننا نفتقد هذه الأنظمة مع زيادة نسبة المدخنين كأفراد ونوعية التبغ الذي يصدر إلينا، فكيف تكون النسبة وعدد الذين يموتون بالذبحة القلبية نتيجة التدخين السلبي عندنا؟
إن قضية النسبة العالية كأفراد مدخنين في مجتمعنا ومن فئة الشباب (تتراوح بين 8.21 و30%)، ونسبة الزيادة الطردية والتي تتراوح بين (40 60%) هي أمر يحتاج الى وقفة من قبل المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية، رعاية الشباب، الإعلام، الصحة، البلديه والمعارف (دراسات أقيمت في مدارس الرياض).
في معظم الدول العربية وخاصة الخليجية نجد ان التدخين يشكل عبئا اقتصاديا على موارد البلاد حيث نجد ان الدول الخليجية تعتبر دولا مستوردة، وعلى ذلك تكون قضية التبغ ليست قضية دينية وأخلاقية واجتماعية فحسب، بل هي قضية اقتصادية لها تبعاتها المذهلة، ففي الولايات المتحدة وحدها على حسب قول الدكتور لويس ساليفون إن التدخين قد كلف البلاد (52) بليون دولار في شكل نفقات صحية أو وقت ضائع من العمل وذلك عام 1989م.
لذا فإن كلفة التدخين من الناحية الصحية تتفاوت من دولة إلى أخرى، وبالإضافة الى هذا نجد ان انتشار التدخين على نطاق واسع يعتبر ظاهرة حديثة في بعض البلاد، ولذلك فإن الأمراض التي ترتبط به والتي لا تظهر إلا بعد مضي عدة سنوات لم تنتشر بعد بالدرجة التي انتشرت بها في البلاد التي يكثر فيها المدخنون منذ مدة طويلة.
أما العبء الاقتصادي الناجم عن التدخين فيمثل ثلاث شعب رئيسية هي:
أولا: العبء المباشر على المرافق الصحية بسبب المرض.
ثانيا: التكاليف غير المباشرة والتي لا بد من تحملها للحفاظ على المريض وأسرته كالضمان الاجتماعي الناتج عن فقدان عائل الأسرة، إضافة الى ذلك فهناك خسائر اقتصادية تنجم عن نقص الإنتاج بسبب التغيب عن العمل نتيجة للمرض أو العجز أو نقص الإنتاج بسبب الموت المبكر. وإذا أردنا تقدير هذه الأمور فلابد من معرفة حجم مشكلة المرض والوفيات الناجمة عن التدخين وتكرر الإصابة بالمرض واستمرار المرض في كل مرة وتكاليف العمل وأجور العمل، والتفاصيل العمرية والاجتماعية الخاصة بالمرض والوفيات.
ثالثا: هجرة الأموال الوطنية خارج بلدها، إذا علمنا ان المملكة تمثل الدرجة الأولى بين الدول المستوردة للتبغ الأمريكي حيث ان نسبة 63% من السجائر في السعودية أمريكية الصنع في الوقت الذي تتنافس فيه شركات أوروبية وآسيوية لزيادة حصتها في السوق السعودية عبر مبيعاتها في السوق؟؟!
د. خالد الحزيمي
عضو مجلس إدارة جمعية مكافحة التدخين
|
|
|
|
|