يتهادى صوتك الرؤوم، الجريح كقطاة تعبر الى الدفء في غفلة من الزمن، يخترق كل نواحي المدينة، وجسورها، وانفاقها، غير عابئ بإشاراتها الحمراء، او الصفراء، او مسامع المارة .. يندفع بأمان عجيب ووله ليس يقال..
ياذا الصوت الذي يبدد افكاري عندما اكون بينهم، ويبعثر جميع اوراقي عندما يشتط بي المزار في فندق بعيد هناك حيث لا صوت الا همسك.. ولا عبير الا بوحك بكلمات لا يجود بها الزمان مرتين.. فهل تدركين..
ان الحياة اكسيرها انت، يا من تزرع في داخلي الامل وحب العمل والاقبال على الحياة، والقيم النبيلة، ومكارم الاخلاق..
ان كان صوتك حزينا فما انا سوى سكون يلتهم كل ما بداخلك من انتفاضة حرى لحرقة ليس لك فيها يد او ارادة.
واذا تبدى الِبشر في كلماتك ضاجا بما تغتبطين فيه من فرح، فان جذلي يذهب مع الرياح يسابقها منتصرا بصدى تردده الوديان والكهوف والمغارات..
وعندما تكونين طبيعية يا ايها الرؤوم فاني اعلم انك لست في كبير حاجة لنظراتي واصواتي وتفاعلاتي.. بله مواساتي.
يا ايها الماضي بكل تفاصيله الجميلة، ومراهقاته البريئة، وحاراته الطينية وسذاجة سكانه.. فرغم رائحة التبن في شوارعنا القديمة، والمطر في سطوحنا الاسمنتية، فان عطرك الالهي كرائحة النفل، والياسمين تنداح عن شمالنا واليمين، واوراقك في الحياة آنئذ كاوراق صفصاف وزيزفون يدور حوله ثلة من العاشقين..
ما اغرب عيناك عندما تبكين بل قولي ما اجملها.. هل اتيت بجديد.. طبعا لا.. يقول شاعرنا:
بعض النساء عيونهن جميلة
وتصبح أجمل عندما يبكينا
اني في حيرة ايها الرؤوم. .فهل انت الماضي، ام الحاضر ام انت جزء من المستقبل اكاد ارى برقه يتراءى من بعيد.. ام انك قدر جميل لا مناص من القبول به والتسليم..
هل تعلمين بان ذا الشوق القديم معنّى.. حتى بالجديد وبالممكن.. يقول شاعرنا يا سيدتي:
وذو الشوق القديم وان تعزى
مشوق حين يلقى العاشقينا
ويقول اخر:
وهات لي قلب لا ذاب ولا حب
ولا انجرح ولا شاف حرمان
أرأيت انك يا ايها الرؤوم مملكة بعيدة لا يصلها الا الحالمون ولا يستقي من نبعها سوى الصابرين على حرقة النار وشقة الدار!! والدموع المدرار!!
ماذا بقي لي منك يا ايها الرؤوم سوى الذكرى «والذكريات صدى السنين الحاكي» كما قال شوقي.. سوف اذكرك واستوقف كل الاغنيات لنردد بدلا منها قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وسوف استدعي ابن زريق لينشد معي:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلتِ حقا لكن ليس يسمعه
جاوزتِ في لومه حداً اضر به
من حيث قدرت ان اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا
من عذله فهو مضنى القلب موجعه
ما كنت أحسب ان الدهر يفجعني
به ولا ان بي الايام تفجعه
حتى جرى الدهر فيما بيننا بيد
عسراء تمنعني خطي وتمنعه
فيا رمز الانسان والتاريخ والحضارة سوف ينصفك من هو خير مني ومن زمني وحضارتي.. فهل تقبلين عذري؟
ALRESHOUD@HOTMAIL.COM