| عزيزتـي الجزيرة
في يوم الاربعاء 3/1/1422ه ودعنا رجلا عزيزاً على قلوبنا انه الوالد صالح بن علي المغيولي رحمه الله واسكنه فسيح جناته، كان توديع رضا وتسليم وايمان وتصديق، ايمانا بقضاء الله وقدره، وتصديقاً لقوله سبحانه (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام) ولئن كان الوداع مرا في طبيعته فان مرارته تزداد وتتضاعف حينما يكون شخصا عزيزاً عليك، وقريبا الى قلبك بل عندما يكون هذا الشخص هو والدك ويكون وداعا لالقاء بعده على ارض هذه الدنيا الفانية مهما بذلت من الاسباب المادية والمعنوية إلا ان يتحقق ذلك على مسرح ارض دنيا الخيال ان الموت حق على جميع الخلق شريفا كان ام وضيعا مراهقا كان ام شابا رجلا ام كهلا شيخا كان ام هرما هكذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى إلا أن الوداع دائما يقودك الى تناول ملف الذكريات القديمة لتقلب اوراقها وصورها التي تراكمت عبر مرور السنين والأعوام، التي ربما نسيتها أو تناسيتها في زحمة الأحداث ومشاغل هذه الحياة السريعة لتقف عند صورة والدك الشاب الذي عاصر عصر الجفاف وهو على ظهر هذه الناقةاو ذاك الجمل يتجه شمالا او جنوبا، شرقا او غربا يسعى في ارض الله الواسعة، فتواصل تقليب هذه الاوراق والصور في هذا الملف العتيق لتوقفك صورة والدك الرجل على موارد المياه قديما في رماح واللصافة او في اللهابة وتيماء وغيرها كثير فتأخذك الدهشة ويأخذك الاستغراب والتعجب خصوصا وانت تعيش عصر الشبكة العنكبوتية لتحاول بعد ذلك اقفال هذا الملف واعادته الى ارشيفه الا انك ما تلبث ان تتناول هذا الملف لتقلب هذه الاوراق التي ابلتها عوامل التعرية لتجد صورة والدك الكهل مع زمهرير الشتاء في التنهات او الصمان ثم صورته مع لهيب الصيف في صحراء الدهناء او صحراء النفود يستظل عن حرارة الشمس الحارقة في ظل هذه الناقة او ذاك الجمل، لتأخذك الشفقة بعد هذه الصور وتعزم ألا تكرر تقليب هذه الاوراق والصور، ولتغلق ملف هذه الذكريات القديمة وتختمه في الشمع الاحمر، فاذا بك ومن غير ان تشعر تتناول اوراق وصور ملف الحاضر القريب فتعثر من خلاله على صورة والدك الشيخ وهو يتنقل بين المراكز الطبية، ثم صورته وهو يرقد على سرير التخصصي ليعود بعد هذه الرحلة الشاقة الى بيته العتيق عليل الجسم منهك القوى يعصرك الالم وانت تعتذر أو تتأسف لقريبه او صديقه عن عدم امكانية مقابلته او زيارته، انها مشاهد وصور ودروس وعبر لتجد بعد ذلك صورة والدك المنهك وهو يرقد على سرير الموت في مستشفى الملك سعود بعنيزة ليودع من على هذا السرير هذه الدنيا الفانية التي لا تساوي جناح بعوضة لينقل بعد ذلك فيصلى عليه صلاة الجنازة في جامع الضليعة الذي اكتظ بجموع المصلين (جزاهم الله خير الجزاء) ليشيع بعد ذلك الى المقبرة ويوارى تحت الثرى انها صور ومشاهد ودروس وعبر تستحق التفكر والتأمل فلله ما اخذ ولله ما ابقى.
وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم. رحم الله والدي رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته، ورحم جميع المسلمين الاحياء منهم والميتين. والله الهادي الى سواء السبيل.
علي المغيولي
عنيزة
|
|
|
|
|