| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد قرأت في العدد (10400) الصادر يوم الثلاثاء 25/12/1421ه للاستاذ الكريم/نزار رفيق بشير/تحت عنوان: (هذا هو السائد في كتابة ال(مائة) تعليقاً على ماورد في مقال للأديب الكبير/عبدالله بن ادريس/عندما خطأ مصحح الجزيرة؛ لأنه غيّر كتابته لكلمة (مئة) إلى (مائة)، وقال الأستاذ نزار: إن كتابة (مائة) هكذا هي السائرة والسائدة من المحيط إلى الخليج. واحتجّ فيما احتجّ به لذلك بكتابة البنوك، وبكتاب الصف الأول المتوسط لوزارة المعارف، وكتاب قواعد الإملاء لعبد السلام هارون..
وتعليقاً على ذلك أقول: يعلم الأستاذ الكريم وغيره أن الكتابة ظاهرة اجتماعية يتفق عليها أفراد الأمة، ويتعاملون بها، والظواهر الاجتماعية قابلة للتغيير والتطوير ، ولا يعني الالتزام بصورتها الأولى التي اتفق عليها أو تعامل الناس بها أنها صحيحة وغيرها خطأ، ولا أعتقد أن الأستاذ نزار يرى هذا الرأي، أو يذهب هذا المذهب.
وهو يعلم أن الكتابة العربية مرت بمراحل من التطوير والتيسير منذ زمن أسلم بن سدرة الطائي وصاحبيه، ومروراً بصدر الإسلام والدولة العباسية إلى يومنا... وهي تخضع للتيسير والتسهيل المبني على أصوات الحروف: بنيةً وتصريفاً وحركة آخر...
ولعل مانجده من اختلاف في صورة كتابة بعض الكلمات عن أصواتها وأخص ذوات الهمزة التي منها كلمة (مئة) جاء نتيجة لاعتبارات منها: الاقتداء بالرسم العثماني للمصحف الشريف، وتسهيلها عند أهل الحجاز وقريش ونبرها أو نبزها عند تميم، واستصحاب ما وضعه الأوائل، وقدرة القارئ العربي على فهم مايقرأ من سياق الكلام، ولكن عندما دب الضعف في اللسان العربي، وخاف العلماء من وقوع الخطأ في قراءة القرآن الكريم والسنة المطهرة، وفهم معانيهما، فزعوا إلى وضع الشكل والإعجام في الكتابة العربية حماية لكتاب الله وسنة رسوله، بأمر من زياد بن أبي سفيان أو الحجاج بن يوسف؛ ولم يعد هناك حاجة إلى كتابة (مئة) بألف زائدة في وسطها هكذا: (مائة)؛ إذ لم يعد بعد النقط التباس بينها وبين (مِنْه، وفئة) كما يعللون لذلك قبل الإعجام، وأنها زيدت فيها دون أختيها (منه وفئة) لكثرة استخدامها بالنسبة لأختيها. ولاشك أن الضبط والإعجام أبرز الأعمال المساعدة على سلامة القراءة والكتابة.
وقد تخفف كثير من الكتّاب الالتزام بالرسم القديم للحروف العربية التي لايتفق رسمها مع صوتها، وأخذوا يخضعون كتابة الحروف لأصواتها في الكلمة، ووضعوا لها الضوابط والقواعد المبنية على ذلك، ومنها كلمة (مئة)، فهؤلاء علماء الكوفة لايزيدون الألف حينما يكتبونها وأبو حيان الأندلسي يقول بعد أن ذكر الخلاف في كتابتها: وكثيراً ما أكتب أنا مئة بغير ألف كما تكتب فئة، لأن كتابة مئة بالألف خارج عن الأقيسة. وقال: وحكى صاحب البديع أن منهم من يحذف الألف من (مائة) في الخط. وعبدالعليم ابراهيم من علماء العصر الحديث يقول: وأرى حذف الألف المقحمة في كلمة (مائة) إذ لافرق في النطق بين (مائة) وفئة ورئة، انظر ذلك في كتابه (الإملاء والترقيم في الكتابة العربية) الذي يُعَدُّ من أهم المراجع المعاصرة في الإملاء.
فكتابة (مئة) هكذا على الصحيح فيها ليس حديثاً، وليس الشيخ عبدالله بن ادريس أول من كتب به أو دعا إليه ليُنكر عليه ذلك ويُصحح له، بل هو مايتفق والقاعدة المنطقية التي وضعها علماء هذا الفن قديما وحديثا لكل همزة متوسطة مكسور ماقبلها، وساد على غيرها من الكلمات مثل: فئة ورئة وناشئة، وفئات ورئات... كما أن كلمة (مئة) عندما تجمع لا خلاف في كتابتها على (مئات ومئين) وكذا عند النسبة (مئيّ) قديما وحديثا، فلم تكتب على غير هذه الصورة لاطراد القاعدة، مثلها مثل فئات، فلماذا يجوز لغيرها مالايجوز لها؟ ولماذا تختلف صورة كتابتها عند الإفراد عنه في الجمع مع أن صوت الهمزة وصوت ماقبلها واحد في الحالين؟
إن الدعوة إلى إبقاء زيادة الألف وسط (مئة) والإبقاء على المستثنيات من القاعدة، ضد تسهيل الكتابة وطَرْد القاعدات التي يتعلمها الطالب في مقررات الإملاء مما يربكه عند الكتابة، ويعرقل انطلاقه فيها، بحيث يقف عند عدد كبير من الكلمات ليستعيد ذاكرته، هل هي على القاعدة العامة أو من المستثنيات؟ في الوقت الذي استشرى فيه الضعف في القراءة والكتابة على مستوى العالم العربي.
ومن هذا الضعف الذي يسببه رسم الكلمة، ما نسمعه صباح مساء في الإذاعات العربية والمناسبات الخطابية، والتقارير الوزارية إذا تعرضت للمئة ومضاعفاتها وقلّ من يسلم منه حتي من المثقفين من نطق كلمة (مائة) المكتوبة بهذه الصورة، حيث ينطقونها بفتح الميم ومدّها، وكأنها مكتوبة هكذا: (ماءة)، مما تمجه الأذن، وتأنفه السليقة العربية، ولم ينطق به العرب قبل معرفة الكتابة وبعدها؛ لأنه لايمكن أن تنطق الميم مكسورة وبعدها ألف، فيضطر المتكلم إلى فتح الميم، وهو خطأ بلا خلاف أوقعه فيها صورة الكتابة. يقول عبدالعليم ابراهيم بعد كلامه السابق: (ولقد أدى إقحام الألف بين أحرف (مئة) إلى تحريف نطقها في مجال التقرير العددي).
وما يكتب في (البنوك) ليس حجة ، وإذا كتب لها (أعني البنوك) (مئة) على الصحيح فإنها لاترفض صرف المبلغ المطلوب لهذا السبب، كما أن كتب وزارة المعارف كلها تكتب كلمة (مئة) هكذا، ويتعلمها الطلاب في كتب تعليم الإملاء في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ضمن الهمزة المتوسطة المكسور ماقبلها دون زيادة الألف، وراعت الوزارة ذلك في كل المقررات الدراسية، ولم تضعها الوزارة ضمن الكلمات المزيدة ألفاً، في الصفين السادس الابتدائي والثاني المتوسط، وذلك طرداً للقاعدة الإملائية، وتسهيلاً للمتعلمين ، وصيانةً لألسن وأقلام الأجيال القادمة التي تعلمتها طبقاً للقاعدة.
وهذه القاعدة تسري عليها في أحوال الإفراد والتثنية والجمع (مئة، مئتان، مئتين، مئات) وفي حال التركيب مع فصلها هكذا: (ثلاث مئة) إلى (تسع مئة) وفي حال الجزء (ثلث مئة...).
وليس هذا الرسم خاصاً بمناهج ومقررات المملكة، بل هو الرسم المتبع في العراق ولبنان وسورية والأردن، وأجازها مجمع اللغة العربية في القاهرة مركبة ومفردة في دورته التاسعة والعشرين من سنة 1963/1964م. فليس من المحيط إلى الخليج تكتب ال (مائة) هكذا، بل تكتب هكذا: (مئة) على الصحيح.
وبهذه المناسبة فإنني أدعو المصححين في صحفنا ومجلاتنا إلى الأخذ بالرسم الصحيح، وتحري الدقة عند التصويب بما يتفق وما يتعلمه الناشئة في المناهج الدراسية، وعدم التعصب لما تعلمناه سابقاً، دعماً لرسالة المدرسة، حتى لايقرأ الطالب فيها مايخالف ما تعلمه في المدرسة، وما أكثرها المتناقضات بين المدرسة والصحافة!
وللعلم فإنها في مقرر الصف الثالث المتوسط، وليست في (الصف الأول المتوسط) كما ذكر الأستاذ الكريم.
د/عبدالله بن علي الشلاّل
|
|
|
|
|