| مقـالات
من أهم ما استرعى الانتباه له خلال فترة التحضيرات لمؤتمر القمة وخلال جلسات المؤتمر، وما تلا المؤتمر من مؤتمرات صحافية وتعليقات وآراء حول الموضوعات والقضايا التي ناقشتها القمة العربية الاعتيادية.. أهم ما استرعى الانتباه هو ما زخرت به وسائل الاعلام والصحافة العربية والدولية من مواقف فوضوية لم تعهدها ربما أي قمة عربية أخرى سوى القمة التي أعقبت غزو العراق للكويت عام 1990م.. ومن المؤسف له فعلا ما ظهر من حملات إعلامية مكثفة أحيانا في بعض الصحف ووسائل الاعلام استهدفت المملكة ومعها الشقيقة الكويت بشكل خاص، وحاولت هذه الحملات التشكيك في مواقف المملكة الثابتة من القضايا والمسائل العربية والدولية..
ومما لاحظناه من متابعاتنا المكثفة لفعاليات التغطيات المختلفة لوقائع مؤتمر القمة ان وسائل الاعلام الخارجية العربية والدولية تم استثمارها وتوظيفها من بعض الجهات والأطراف لخدمة أهداف سياسية لمواقف معينة.. واستطاعت تلك المواقف ان توصل آراءها الى المتلقي العربي والدولي بالشكل الذي كانت تتمناه.. وبطبيعة الحال كانت وسائل الاعلام مفتوحة لكل من أراد أن يتكلم أو يفتي أو يعلن أو يتهم أو يهاجم أطرافاً أخرى في المواقف العربية.. وهذا ما حدث فعلا من اتهامات وتجريح لمواقف المملكة التي لاكتها «ألسن» أشخاص «وعبارات» مؤسسات «ومواقف» أحزاب وسياسات «دول» ضدية تجاه المملكة والموقف الخليجي ومواقف كثير من الدول الأخرى.
واستطاع العراق بمن يسانده من سياسيين وإعلاميين ومثقفين مرتزقة على خارطة الهامش العربي ان يصول ويجول في ساحات وصفحات الاعلام العربي بما كان يكيله من اتهامات ويخلقه من تعقيدات ويفرضه من موضوعات.. واستطاع أن يضع نفسه ومواقفه في وضعية هجومية.. مما جعل مواقف الدول الأخرى تبدو دفاعية دائما.. وتحاول تلك الدول فقط الرد وتوضيح مواقفها، والدفاع عن نفسها.. وأحيانا تحسين صورتها أمام الرأي العام العربي.. وهكذا استطاع الاعلام العراقي بمن يحتويهم من متحدثين باسمه وباسم قضاياه وهمومه.. وبما يقع تحت نفوذه وتأثيره من مؤسسات تلفزيونية وصحافية ان يصول ويجول في عقل الانسان العربي، ويخلق ويربك المواقف، ويلغي ويهمش الأدوار، ويخلط القضايا والموضوعات.. وذلك بهدف تحقيق أهداف محورها تمكين النظام العراقي وتعزيز سيطرته وتحويل اتجاهات الرأي العام العربي والدولي الى مسائل جديدة وقضايا شائكة.
وقد شاهدنا ان القنوات الفضائية العربية والدولية كانت منابر اعلامية تسلقتها بعض من الشخصيات، وتربعت عليها في أوقات ذروة المشاهدة العربية في محاولة للتشويش على المواقف، والتأثير على الرأي العام العربي.. وتمكنت تلك الشخصيات من خلط الأوراق كما شاءت هي دون ان تحقق الأطراف الأخرى تثبيتاً أو تأكيداً لمواقفها بنفس المستوى والدرجة التي حصلت عليها الأطراف المساندة للمواقف العراقية.
وما حدث في قمة عمان لم يكن إلا اعادة انتاج ما حدث في قمة القاهرة 1990م حيث أراد الموقف العراقي ومن يسانده الوصول الى هدف باطل بمفهوم وحجج تبدو منطقية، ولكنها في حقيقة الأمر واهية وغير متماسكة.. فهي حق أريد به باطل.. وملخص الموقف العراقي الرسمي انه يريد الإفلات من مأزق الاحتلال والغزو الذي وقع ضحيته شعب كامل ودولة مستقلة بحجة ضرورة إلغاء العقوبات عن الشعب العراقي.. فهو حق (الحالة التي يعيشها الشعب العراقي).. أريد به باطل (تقوية النظام وتعزيز دور جيد له في خارطة الشرق الأوسط).. ومحاولته في جلسات القمة أن يخلط أوراق القضية العراقية، مدعيا ان انقاذ الشعب العراقي يأتي من خلال رفع الحصار عن العراق (النظام والشعب).. على الرغم ان العراق النظام كان قد أعلن عن توفر معونات مادية لديه يقدمها الى فقراء أمريكا، أي ان هذه المعونات يفترض انها قد فاضت عن حاجة شعبه ومواطنيه.. فهل هذا يعقل؟ وكذا ينبغي التنويه الى ان القمة قد كشفت مرة أخرى عن استمرار الغطرسة العراقية وعنجهية الاملاء التي اختطها النظام في مواجهة الأنظمة العربية الأخرى.. فهي لا تزال ديدن العراق وأسلوبه، وطريقة تعامله مع الآخرين.
وكان الموقف السعودي حاضرا في مؤتمر القمة بعقلانيته المعهودة وبتوازنه الذي اعتدنا عليه.. وبما يحمله من ثوابت لا يحيد عنها، ومواقف أصيلة، ورؤى بناءة، تصب دائما في اطار المصلحة العربية العليا.. ومما حرصت عليه المملكة ممثلة في شخص الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء خلال فعاليات القمة، وما كرسه سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في الجلسات التحضيرية للقمة، هو ان مواقف المملكة ثابتة دائما وتقف الى جانب الصف العربي، ولكنها بما تمثله من قوة سياسية ونفوذ اقتصادي ومكانة دينية تحاول دائما بناء قراراتها وتحديد مواقفها وفق الرؤية المتزنة للأحداث والتقدير الواقعي للأمور والمسائل.. وليس من خلال طرح شعارات جماهيرية يصفق لها الشارع العربي وينتشي معها الناس دون أن يكون لها ترجمة فعلية على أرض الواقع، وكنا نحسب أن زمن الشعارات قد ولى دون رجعة واستعضنا عنه بقرارات ذات أسس مدروسة ومنهجيات واقعية وبدرجة مصداقية عالية في التنفيذ.. ولكن عكست مداولات القمة وما حولها من تغطيات وتعليقات وتحليلات الاتجاه الشعاراتي القديم.. وحاول العراق اعادته الى ساحة الخطاب العربي من جديد لأهداف في نفس النظام العراقي.
ويظل سؤالنا الكبير ان الموقف السياسي السعودي والكويتي كذلك لم يجد له من يدعمه ويسانده من خلال أجهزة الاعلام بالشكل والمضمون الذي يستحقه ويحتاجه.. فظل موقف المملكة ومعها غيرها من الدول العربية الأخرى معرضا لتشويش وسائل الاعلام وتعليقات المحللين المنحازين.. حيث لم تتهيأ للموقف السعودي فرص اعلامية ومساحات واسعة لإبراز موقفها وتدعيم حججها ومبرراتها على الوجه الذي ينبغي.. وربما نكون جميعا مقصرين صحفا وكتابا ووسائل اعلام أخرى من أداء هذه المهمة التي كان ينبغي ان نعمل جميعاً في تعزيزها وتكريسها أمام الرأي العام العربي والدولي.. ولابد من الاشادة بجهود بعض الكتاب والصحف وبعض الأجهزة الاعلامية سواء داخل أو خارج المملكة.. ولكنها على الرغم من أهميتها جهود مقلة ومبعثرة وغير ذات جدوى ولم تتمكن من الوقوف والتصدي لهذه الحملات المغرضة التي استهدفت مواقف المملكة.
ونحتاج في المناسبات السياسية الكبرى، وخلال فعاليات الحضور السعودي المتميز دائما في مؤتمرات ومحافل دولية خارجية.. نحتاج الى استراتيجيات اعلامية للتعامل مع الأحداث والمناسبات.. ونحتاج الى تجهيز مبكر وتهيئة متمكنة للدور الذي ينبغي القيام به في تلك الظروف، ووفق أي متغيرات نظرا على الخط السياسي المأمول.. ومثل هذه الخطة العامة للاعلام تحتاج الى اعداد تصورات واضحة وبرامج نوعية وتهيئة كوادر وشخصيات تبرز مواقف المملكة وتدعمها وتؤسس للقرار السياسي السعودي.. ان صدور القرار السياسي ينبغي ان يسبقه ويتزامن معه ويتبعه قرارات ونشاطات اعلامية واضحة، تسير وفق استراتيجيات ما يمكن ان نسميه بطوارىء اعلامية تحقق الأهداف العليا للسياسة السعودية.
|
|
|
|
|