| وَرّاق الجزيرة
لقد أشرت سابقا الى نبذة موجزة وتعريف مقتضب بالمؤلف وشخصيته وأسرته وعلميته ومكانته.
وأعود الى ما عدت به في صدرحديثي عن كتاب «تذكرة أولي النهي والعرفان بأيام الله الواحد الديان» للشيخ ابراهيم بن عبيد العبدالمحسن. وفي مقدمة الطبعة الأولى والتي قامت بطباعتها مؤسسة النور للطباعة والتجليد والتي لم يشر فيها الى تاريخ الطباعة وان كنت أعتقد أنها جاءت في أواخر الثمانينات الهجرية وقد تصدرها تقديم من قبل الناشر وهو الشيخ علي بن حمد الصالحي رحمه الله)1(.
وقد أشار الى حاجة الجزيرة العربية الى كتابة تاريخها وما قام به البعض من كتابة عنه مثل ابن غنام والجبرتي وابن بشر وآخرين.
وقد أثنى الشيخ رحمه الله على المؤلف حيث قال:«فجاء هذا التاريخ عاما في وقت مست الحاجة اليه حافلا بشتى الحوادث والأخبار والوفيات..».
إلا أن الناشر وهو الشيخ علي الصالحي رحمه الله أشار الى ان هذا التاريخ في خمسة أجزاء متوسطة.
والواقع ان مؤسسة النور لم تطبع سوى أربعة حسب علمي أما الجزء الخامس فقام المؤلف بطباعته.
وقد يكون ذلك بسبب تأخر الرغبة في نشره.
كما ان من الحقائق ان المؤلف قد وصل في التبييض الى الجزء السابع بل هو جاهز للطباعة لعل الله ان ييسر طباعته.
لقد أشار المؤلف وفقه الله في مقدمته الى غايته من هذا الكتاب حيث قال«لقد كنت أتشوق لوضع تاريخ في ذكر حوادث ما جرى من الوقعات من لدن سنة سبع وستين بعد المائتين والألف من والى زمننا هذا..».
وقد أشار الى المعاناة التي لقيها في سبيل تدوين هذا التاريخ والبحث عن معلوماته نظرا لقلة المهتمين بذلك.
كما أبدى المؤلف الرغبة في ان ينظر القارىء فيه الى عين الانصاف لهذا الجهد والمؤلف.
ويمكن ابراز أهم خصائص هذا الكتاب وما امتاز وانفرد به بالآتي:
أولا: اختياره لبدء دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب منطلقا لحديثه ابتداء بمولده وحال الجزيرة العربية آنذاك مقتفيا أثر من سبقه مثل ابن بشر وابن غنام وغيرهما.
وقد انفرد بذكر تفاصيل دقيقة عن بعض المخالفات الشرعية الواقعة آنذاك في نجد نقلا عن مصادر موثوقة.
ثانيا: لم يكن الكتاب محليا أو اقليميا بل يحمل صبغة وصفة تميل كثيرا الى العالمية لذا لم يكن غريبا أن يقتني الكتاب الأدباء والمؤرخون والساسة والمفكرون فقد حمل بين دفتيه تفصيلات سياسية مهمة عن الدولة العثمانية وأحداثها والحربين العالميتين الأولى والثانية.
فضلا عن أحداث نجد المهمة وحروبها ومنازعاتها.
كما تضمن الكتاب تراجم عديدة لأشهر العلماء والحكام والأمراء والأدباء وذوي الوجاهة والقيادة كما أنه حوى لطائف أدبية رائعة رصعها بسجعه الجميل غير المتكلف أحيانا واختياراته الأدبية من الشعر وخصوصا في المديح والرثاء للزعماء والأمراء والعلماء.
ثالثا: ان كثيراً من الكتب التي دونت عن تاريخ الجزيرة رغم قلتها كانت تقتصر كثيرا على نجد وأحداثها.
إلا ان كتاب وتاريخ ابن عبيد امتاز بشموله لأحداث الجزيرة عموما فالأحساء والكويت وعسير وحائل والحجاز ونجد جاءت أحداثها غير قاصرة في هذا الكتاب.
فضلا عن اهتمامه الأكبر بحكم بيئته واقامته وقربه من مواقع مهمة كالقصيم والرياض وسدير والوشم وغيرها.
كما ان استفراقه للحديث المفصل عن بريدة وتراجم اعلامها وتفصيل أحداثها لم يكن غريبا فهي موطنه وكان يتلقى أخبارها ويوثق أحداثها عن قرب.
رابعا: اسهابه الرائع في الحديث عن تفاصيل مهمة وخصوصا في أحداث الجزيرة ابان الدولة السعودية الأولى والثانية وكان كثيرا ما يبرز رأيه وينتصر للرواية التي يراها صحيحة.
هذا وان كان يرواح كثيرا بين تاريخ ابن بشر وابن غنام فقد كانت نقوله واضحة منهما لكن من الملاحظ انه لا يقتصر عليهما وكان للرواية الشفهية مكانة مهمة في تاريخ ابن عبيد فكثيرا ما يقول حدثت أو حدثني فلان وتسلسل خبرا أو حادثة وهو بهذا يضيف قوة لمروياته وأخباره عن طريق المشافهة والتلقي.
خامسا: حبه ونهم الشيخ ابن عبيد للأخبار فهو لا يتردد في ذكرأي حادثة ذلك ان ينطلق من ان التاريخ وعاء كبير الكل يشربون ويرتوون منه فليس التاريخ حكرا لمتخصص انه يتحدث عن أمراض وبائية وآفات زراعية وأحداث سياسية ونكبات اقتصادية ومواطن ومواقع طبيعية وأثرية وتاريخية وكثيرا ما يذكرك بتاريخ ابن كثير في بعض تفصيلاته ودقائقه وغير ذلك.
سادسا: الروح الشرعية والصبغة الدينية التي توجت هذا التاريخ فابن عبيد عالم معتبر وأديب بارع جمع بين الشريعة والأدب عباراته الشرعية بادية وظاهرة يحمل للعلماء قدرهم ويذكر فضائلهم ومناقبهم.
سابعا: حديثه الدقيق عن الملك عبدالعزيز رحمه الله خصوصا وبطولاته وأمجاده وما بذل من جهد عظيم وعناء كبير في جمع شتات هذه الجزيرة وتوحيدها وجمع كلمتها ووحدة صفها تحت لواء الشريعة وراية التوحيد.
والقارىء لتاريخ ابن عبيد يدرك بوضوح العملية الصعبة التي لقيها الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله ورجاله من عناء وتضحيات في سبيل هذه الغاية النبيلة.
ثامنا: لقد دون الشيخ ابن عبيد أحداثا مهمة في القصيم خصوصا عبر اماراتها بريدة وعنيزة والرس والبكيرية والمذنب وبقية بلدانها ومرورا بنجد عموما بمقاطعاتها المهمة في شقراء وسدير والمجمعة والأفلاج والزلفي انتهاء بعاصمة البلاد الرياض.
ان الكتاب وعلى الرغم من ان أي باحث في تاريخ الجزيرة عموما ونجد خصوصا لا يستغني البتة عن هذا المصنف الفريد والذي كثيرا ما يكون لسرقة المعلومة منه من غير عزو ولا توثيق إلا أن هذا الكتاب بحق يمثل خطوة محسوبة للشيخ ابراهيم بن عبيد لتاريخ هذه البلاد وقادتها ورجالها وعلمائها.
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء عليها.
إننا لا ننكر بذات الوقت أي عمل بشري يعتريه النقص ويكتنفه القصور فالكتاب لا يخلو من بعض الملاحظات العامة وخصوصا ما يتعلق بتراجم بعض الشخصيات والحديث عنها وبعض النقول غير الموثقة.
إلا أنها تبقى ذرات رمل في بحر متدفق من الأخبار والأحداث والأمل يحدو الجميع أن ييسر الله للكتاب طبعات جديدة واضحة ومنقحة ليكون في متناول الباحثين وان يعين الشيخ على اكماله وتتمته حسب ما يرجوه وأن يطيل بعمره على عمل صالح.
وأن يجزي كل محسن وباحث خيرا على عمله.
)1( الشيخ علي بن حمد الصالحي أحد تلاميذ الشيخ عبدالرحمن السعدي ولد رحمه الله سنة 1333ه بعنيزة جلس للتدريس والتعليم وتوفي سنة 1415ه راجع علماء نجد خلال ثمانية قرون ج5ص115.
محمد بن عبدالله المشوح
|
|
|
|
|