| عزيزتـي الجزيرة
في أحد الأيام القريبة الماضية كنت في مبنى يقابل فيه العاملون الجمهور كثيرا، وقرب نهاية الدوام كان من عادتهم حسب ما اعلم اغلاق الأبواب الا للخارج من المراجعين، ففوجئت بأحد المراجعين وهو يصر على الدخول، وحراس المبنى يبادلونه الاصرار على عدم الفتح مما زاد من اصرار المراجع على الدخول ثم تطور الأمر الى ان قام المراجع بالضرب على أبواب ذلك المبنى بكلتا يديه بقوة وعنف واستمر ذلك حتى خشي من بالداخل بسقوط الأبواب الزجاجية عليهم، ثم فتح الباب ودخل المراجع وتم الاتصال بالأمن وحضر الأمن، ولا اعلم ما الذي حدث بعد ذلك، لكن لي وقفات حول هذا المشهد:
الوقفة الأولى:
مقابلة الجمهور تحتاج الى شخصيات مميزة،
تعرف كيف تتصرف في مثل هذه المواقف، وكيف تمتص اهتزازات الغضب الناتجة عن ردة الفعل تجاه شيء معين. واعتقد ان كل دائرة او شركة تعنى بحوائج الناس عليها ان تدرب العاملين لديها ما بين وقت وآخر على فن المعاملة،
وليكن لها في مناهج ومواقف السلف القدوة والأسوة، ومن تجارب الآخرين الدروس والعبر، اذا أردنا فعلا ان نتفهم احوال الآخرين ونفي باحتياجاتهم .
الوقفة الثانية:
لوحظ من خلال هذه الحادثة انعدام التأسي بالهدي النبوي، فغاب الصبر والحلم وفقدت الحكمة مع ان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الى لزوم الصبر وعدم الغضب.
فقد قال عليه الصلاة والسلام للصحابي الذي طلب ان يوصيه "لا تغضب" كرر ذلك مرارا ووجّه للعلاج من ذلك فقال لرجل استاب مع آخر فاحمرت عيناه وانتفخت اوداجه"لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وقال ايضا "ان الله يحب الرفق في الأمر كله" الى غير ذلك من الآثار الصحيحة.
لكن مع الأسف نحن ندرك ونعلم قيمة التأني والصبر وعدم العجلة، وربما أرشدنا الآخرين الى ذلك، ثم ما ان يمس ذواتنا وما يتعلق بها ماسٌّ الا تطايرت تلك الملصقات الضعيفة وانقشع الصبر، وحلت ارادة الانتقام للنفس، وما ذاك التصرف منا الا لخلل في فقه الاقتداء والتأسي وضعف في الروابط الأخوية الاسلامية.
الوقفة الثالثة:
العالم اليوم محموم والواحد من أفراده يسابق الزمن، فهو يجري بسرعة لاستدراك ما لم ينجز مما وتّر اعصابه، فيغضب من اخفاقه في عمله وعدم اتمام برنامجه اليومي غير المدروس فيحاول ان يكمل ما لم ينجز ولو بالقوة او الحيلة، وربما زاد من صعوبة موقفه كونه من منطقة اخرى، ويشق عليه الرجوع مرة ثانية، مع ان هذا لن يعفيه من التخطيط المسبق لما يريد انجازه، وتحليه بالصبر والحكمة، ولا حتى من تبعات تصرفاته الغاضبة، فهو مسؤول عما يفعل. أقول: ويا ليت المسؤول المطلع على حالة هذا القادم من شقة بعيدة مراعاة ظروفه وتفهم وضعه.
الوقفة الرابعة:
التنظيم وترتيب الأعمال والاجراءات يحتاج الى تخطيط مسبق وتطوير مستمر، وتلمس للخلل والنقص للارتقاء بالأداء وخدمة الآخرين، أما العشوائية والارتجال في اتخاذ القرارات سريعا ما يظهر عوره، وحينها توقع المقت والاستياء والاعتداء ، وأعتقد لو وضعت صناديق للاقتراحات في هذه الأمكنة المهمة لتسمع من خلالها شكوى الآخرين ومعاناتهم ورؤاهم لكان أولى.
يوسف بن عبد الله السالم
بريدة
|
|
|
|
|