أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 1st April,2001 العدد:10412الطبعةالاولـي الأحد 7 ,محرم 1422

الثقافية

الشيخ حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل
اسم الكتاب: الشيخ حسن آل الشيخ، الانسان الذي لم يرحل.
اسم المؤلف : حمد بن عبد الله القاضي.
الطبعة الثانية عام 1421ه وهو من طبع مكتبة الملك فهد الوطنية.
حين يقع الكتاب بين يديك، اول ما يلفت نظرك، ويشوقك الى قراءته هو عنوانه، فالعنوان مرسول خبير لكل قارىء، بل ان بعض الكتب لا تلزمك وتفرض عليك تصفحها وقراءة فهارسها فأنت تقتنيها وتقبل على قراءتها من تلك اللحظة التي يجذبك ويشدك اليها عنوانها، وكان من هذه الكتب بل على رأسها كتاب الاديب الاريب محمد بن عبد الله القاضي )الشيخ حسن آل الشيخ، الانسان الذي لم يرحل( تقرأ عنوان الكتاب فترى جمال اللفظ في السجعة التالية:
الشيخ حسن آل الشيخ، ثم ترى جمال المعنى الانسان الذي لم يرحل، بل ظل باقيا خالدا على ظهر الارض، ذهب جسده وبقي ذكره، ذهب شخصه وبقي كفاحه فهو يعيش حياة اخرى جديدة، وعمرا زمنيا متجددا والذكر للانسان عمر ثان، والكتاب يستهويك لعدة امور:
الأول: ان كاتبه ومؤلفه رائد من رواد الصحافة، وقائد من قادة الفكر والأدب والثقافة والنقد في المملكة الاديب حمد بن عبد الله القاضي.
الثاني: موضوع الكتاب شخصية رائدة عرفت بجهودها وكفاحها ونضالها في سبيل الكلمة والانسان والوطن، شخصية حفر التاريخ اسمها في ذاكرة كل فرد سعودي، ولكن هذا الحفر لم يكتمل الا على يدي مؤلف الكتاب يحفظه الله ويرعاه.
الثالث: غلاف الكتاب، ثم صورة المغفور له ان شاء الله تعالى حسن آل الشيخ، وهو يمسك بورقة وتمتلىء عيناه فكرا وتأملا وحكمة، ولون الكتاب الاخضر الذي يوحي لقارئه بالطيبة والسماحة ونقاء السريرة للمؤلف عنه.
ولون الدواة الأزرق التي خرج منها حبر ازرق وهو نفس لون عبارة الانسان الذي لم يرحل ذهب الكفن واللحد بصاحبهما وبقي الذكر والاثر الطيب له، وعلى عادة المؤلفين بدأ المؤلف بمقدمة لكتابه هذا، نرى فيها التزاوج بين شخصية ابي العتاهية شعرا وبين شخصية حمد القاضي نثرا فالمكتوب عنه شخصية خالدة بطيب الذكر وجميل الثناء وكما يقول المؤلف: «تعبق الألسن بطيب الحديث عنه، وتتوشح المجالس بالحوار عن نبل مواقفه» والهدف من هذا المؤلف كما قال صاحبه: «ومنذ انتقل الى رحمة الله وانا أمني النفس بأن اكتب عنه وعن عطاءاته ومواقفه وجهاده في سبيل عقيدته ووطنه وابناء وطنه.. وكنت اتطلع ان يتصدى لهذه المهمة احد عارفي فضله ممن هم ارسخ مني قدما، واوفر علما وهو يستحق رحمه الله ان تؤلف عنه مؤلفات وتصدر عنه مجلدات، ولكن لم يتصد احد لهذه المهمة العزيزة، واخذتني شخصيا كثير من المشاغل ورأيت الايام بل والسنين تمضي واخيرا عزمت على اصدار هذا الكتيب(، وقد الهم الراحل رحمه الله تعالى ان يتوجه الى ربه وخالقه بهذا الدعاء فكان يدعو: )رب اجعل لي ذكرى طيبة بعد رحيلي، ولا تؤاخذني بسوء ما افعل انك سميع الدعاء( وكأن هذه الدعوة وافقت قدرا فكان هذا الكتاب الذي بحث في محاور ثلاثة متتالية: الراحل انسانا، والراحل مسؤولا، والراحل كاتبا، وسيرة الراحل الذاتية تحوي ولادته في المدينة المنورة عام 1352ه، ودرس الابتدائية بمكة المكرمة ثم درس بالمعهد العلمي السعودي، والتحق بكلية الشريعة بمكة المكرمة وتخرج منها عام 1373ه، وتلقى كثيرا من العلوم الدينية على يد والده رحمة الله تعالى عليه، واستعرض المؤلف مناصبه وتدرجه الوظيفي، واشار الى توليه منصب المشرف العام على المجلة العربية ولعل هذا المنصب هو الذي ادى الى احتدام صلة الصداقة والمودة بينهما، اضافة الى اجتماعهما في بوتقة الأدب والفكر والثقافة ومما يؤيد هذا ما جاء على لسان المؤلف حفظه الله تعالى ورعاه حين قال: «لعل من اعز مكاسب عملي بالمجلة هو تعميق صلتي بهذا الرجل وامثاله من المسؤولين الاخيار» وكانت وفاته بسبب اصابته بنوبة قلبية وهو ما يزال رافلا في الخامسة والخمسين من سني عمره الزاهر، وكان موته يوافق التاريخ التالي 17/5/1407ه وهو يشغل منصب وزير التعليم العالي، رحمه الله رحمة واسعة، وادخله فسيح جناته، واسبغ عليه فيضا فائضا من مغفرته ورحمته وعفوه، وقد كانت خاتمة الشيخ ان شاء الله تعالى خاتمة حسنة وفي الكتاب اشارة الى هذه الخاتمة من ذلك ما جاء على لسان المؤلف: «كان رحيله مفاجئا حيث توضأ للصلاة رحمه الله واستعد بكل هدوء لادائها ولكن شاء الله ان تنتهي حياته في هذه اللحظة الايمانية وودع الحياة بكل هدوء كما هي حياته كلها، وودع الحياة طاهرا كما عاش حياته رحمه الله طاهرا( ومن المبشرات ان شاء الله تعالى بحسن خاتمته.
ذلك الخلق الكثير الذي ذهب الى تشييع جنازته.
ثم رؤيا الشيخ محمد العبد الله المبارك والتي سر بها الشيخ حسن سرورا عظيما، وكانت قبل وفاته ب)29( يوما اي أقل من الشهر.
واوضح مؤلف الكتاب ان الشيخ حسن رحمه الله تعالى عاش لاهداف اربعة نبيلة:
الأول: الدعوة الى التمسك بالعقيدة الصافية الصادقة.
الثاني: الاخلاص لهذا الوطن كيانا وترابا وانسانا.
الثالث: الكلمة المكتوبة حيث كان من اسعد الناس واشدهم سرورا حين يكتب مقالا او يصدر مؤلفا.
الرابع: حبه الشديد للناس وحرصه على خدمتهم وراحتهم.
هذا وقد عرض المؤلف لبعض اخلاق الشيخ رحمه الله وحميد صفاته، وذكر منها خصالا عظيمة كالصمت والصبر وحرصه على الكلمة وعشقه لها، واصراره على تحقيق الاهداف السامية التي سعى اليها وهو انسان ومسؤول ومواطن، ثم انتقل المؤلف بنا الى الحديث عن المحور الثاني من محاور شخصيته، وهو الشيخ رحمه الله تعالى مسؤولا وفي حديثه هذا اشارة الى جهوده في مجال التعليم وحول تاريخ الوطن الحبيب، وعن مدى حب الشيخ حسن رحمه تعالى للمجلة العربية يقول المؤلف: «كنت احرص على بعث العدد اليه حال مجيئه من المطبعة ليس بصفته مسؤولا فقط، ولكن لاسهم في ادخال السرور الى نفسه وهو الذي يستحق ان يفرد له الانسان فضاءات واسعة وان يشرع امام قلبه بوابات الفرح» يلي هذا المحور المحور الثالث والاخير وهو الراحل كاتبا، وتناول فيه المؤلف سعة ثقافته واشار الى ان الشيخ حسن آل الشيخ كان قارئا نهما محبا للقراءة طلعة شديد الاطلاع ويصفه بقوله: )كان قارئا نهما وبالاخص في اخريات حياته، ونادرا ما تراه الا وبين يديه صحيفة يطالعها او كتاب يقرؤه وكأن ذلك الشاعر يعنيه عندما قال:
جعلت سميري حين عز مشاعري
صحائف أملتها العقول النوابغُ
وتطرق المؤلف الى كتب الشيخ رحمه الله، ومؤلفاته، وهي ستة كتب:
الأول: دورنا في الكفاح.
الثاني: التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية.
الثالث: المرأة كيف عاملها الاسلام.
الرابع: كرامة الفرد في الاسلام.
الخامس: خواطر جريئة.
السادس: خطوات على الطريق الطويل.
ورسالة الكتابة عند الشيخ هي: )مهموم بقضايا وطنه، ومشفق على شباب امته، ومعني بسماحة عقيدته التي شابها الكثير من اعدائها ومن بعض ابنائها معا، كان يستشعر رحمه الله ان الكتابة امانة ومسؤولية ورسالة، تحس وانت تقرأ له انه يعيش في ظلال قول ربه «ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد».
واسلوب الشيخ وصفه المؤلف في موضعين من كتابه، الاول ص 24 ويقول فيه: «رسائله قطع ادبية جميلة، فهي تدخل في ادب الاخوانيات اذ فيها سلاسة الاسلوب ونبل الهدف والاستشهاد بالحكمة والشعر وجمال الخط اذا كان قد كتبها بيده» والثاني ص 54 حيث يقول: «اما اسلوبه فقد شهد له دارسوه وقارئوه انه بهي باهر، بهي بعمق افكاره، ونقي بمضمونه، وصفاء جوهره باهر بجمال عبارته، وتناسق مفرداته واناقة جمله، وهو يكتب بالاسلوب العلمي عندما يكتب مباحث تاريخية او فقهية كما في كتابه «التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية» وهو يجيء اليك بأسلوب كرفيف الحمام وتهادي الفجر عندما يسجل خواطره ومشاعره، كما في كتابه «خطوات على الطريق الطويل» وهو يطرح لك افكارا عميقة بأسلوب مختصر، وهل مثل الصدق مؤثر في عطاء الكاتب واثير لدى القارىء» وفي وصف خواطر الشيخ السريعة يقول المؤلف : «وأما خواطره الجريئة السريعة فهي )افكار( مختصرة وعميقة في كلمات والفاظ معدودة، لكن تشعر وانت تقرؤها باختزانه رحمه الله ما يمر عليه في مسؤولياته او حياته او رحلاته ثم يترجمها في سطر او سطرين على شكل حكمة بليغة او كلمة جامعة، وانت تقرؤها في لحظات لكنها تحتاج الى ان تفكر في مضمونها ساعات على حد وصف احد الادباء» ثم مثل المؤلف على كتاباته وخواطره السريعة، ومن جميل ما خطه يراعه قوله: «اعظم اكتشاف ان تكتشف شخصيتك، ودور وطنك لانك عندما توفق لذلك تبدأ خطوات الممارسة الحقيقية لرسالتك وتتصرف على ضوء من وحيها، وتستطيع ان تحقق الكثير مما لم يستطع تحقيقه غيرك لا لانك اكثر قدرة منه، ولكن لانك تربط دائما بين تصرفاتك ودورك وهو السر الذي يكمن وراء العديد من ملامح النجاح في واقع الامم والافراد».
ومثل المؤلف ايضا يحفظه الله تعالى ويرعاه على خواطره السريعة المضيئة ومنها قول الشيخ رحمه الله تعالى : «اتفق الناس على اكثر الاشياء الا على مقاييس النجاح، فكل انسان يتصورها على النحو الذي يرغبه»،
وقوله: «كثير من الناس يمكن ان يكونوا كتابا ولكن القلائل منهم هم )الموهوبون( القادرون على العطاء بكفاءة».
وبعد هذا الاستعراض الساطع لاهم كتابات الشيخ وخواطره السريعة، انتقل المؤلف بنا الى ذلك الدمع الواكب الذي اسبغ على وفاة شيخنا رحمه الله تعالى ونور ضريحه، واسبغ عليه حللا وارفة من عفوه وغفرانه، وهذه الدموع المسكوبة على الفقيد منها ما كان شعرا ومنها ما كان نثرا اما الشعر فقد رثاه الشاعر طاهر زمخشري حين يقول:


«لبس الدين بالسِّمات ثيابا
ودعاه المولى له فاستجابا
ماجد لا يفيء الا لفيء
بسط الخير ظله فاستطابا
فاضل يلبس الفضيلة برا
بالذي ارَّثوه جاء انتسابا»

والشاعر محمد حسن فقي حيث يقول:


«أأرثيك ام أرثي النهى والمشاعرا
وابكيك ام أبكى الرؤى والخواطرا؟
اراك بقلبي مائلا كل لحظة
فتهتف بي عيني اما زلت ذاكرا؟
كيف انسى وهو حب مجسد
يفيض على الدنيا الندى والبشائرا؟

وممن رثاه نثرا الدكتور الأديب غازي القصيبي حيث يقول:
«الذي اتيح لهم ان يعرفوه عن كثب، لمسوا فيه من الحس الادبي المرهف في تذوق النصوص شعرا ونثرا، ما يندر مثيله، ولا اذكر انني التقيت به مرة الا واطلعني على قصاصة في جيبه تحوي شيئا من عيون الشعر، او من جواهر الادب، او من جوامع الكلم»، ورثاه ايضا الاديب الكبير عبد العزيز الرفاعي حيث قال: «هو ليس رجلا واحدا فدّا، بل عدة رجال كل منهم فذ، وتلك درجة من نعم الله الغامرة لا يعطيها الا للقلائل من الرجال»، كما رثاه ايضا الاديب محمد حسين زيدان رحمه الله تعالى حيث قال: «عرفته شابا في ثوب شيخ شيمته الوقار، ثم عرفته شيخا في عزمة الشباب، عرفته صديقا للخيرين لانه كان صادقا مع نفسه، صديقا لمن يرتفع عن الدنايا» وقد ختم المؤلف كتابه بخاتمة ثم ملحق صور فيه نماذج من رسائل المؤلف اليه وبعض الصور التي اخذت للشيخ اثناء تأديته لرسالته ادبيا ووطنيا ودينيا.
بقي ان اقول ان المؤلف كان يكتب بحروف تتراقص فيها الحياة، بلغة حية نابضة، تتنافس كلماتها وتتسابق فيما بينها ايها يكون اقوى واكمل وابلغ في توفية مقام الشيخ حقه ولكأن ذلك الشاعر يعبر عني عندما قال في بيت جميل:


«وكم اخفيت عنك جلال حب
مخافة ان يقال يداً ارومً

ويظهر من النص السابق قوة محبة المؤلف لذات واخلاق شيخه فكتب كتابه مثنيا ومعرفا ومقتديا في آن واحد كما قال الشاعر:


عن المرء لا تسأل وابصر قرينه
فان القرين بالمقارن يقتدي

ومن حسن ثنائه على شيخه ومثله الأعلى يقول عن مواقف شيخه:
«مواقف كثيرة، ومؤثرة عشتها مع الراحل.. يتجلى في بعضها فيض الرحمة، وفي بعضها الآخر نبض العمق وفي ثالثها حلم الانسان» .
وفي تعليقه على احد مواقف الشيخ يقول: «محررنا شىء متعاون يكتب له معالي الوزير المشرف العام رسالة بخط يده لا تعدل في مسيرة عمله بل في مسيرة حياته» ولعل الشيخ المتوفى رحمه الله تعالى ونور ضريحه وثراه كان يتمثل قول الله تعالى في جهاده ومعاملته الناس:
«ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، ثم يقول تعالى في الآخذين بهذه النصيحة والعاملين بهذا السلوك: )وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم(.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved