يكتبون ويرسمون.. على «سبُّورة» الموت..؟!

يكتبون ويرسمون.. على «سبُّورة» الموت..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

* للشعر العربي بكله، فصيحه، ونبطه، وظائف غاية في الجمال والتأثير، على ان اصدقها وارفعها عندي، وفي.. هذه اللحظة بالذات ما لا مس وجدان الناس، وتحسس همومهم وقضاياهم، ودافع عن الإنسانية في ذات الامة، وليس ماهو اكذبه على كل حال..!!
* هناك مشاهد يومية كثيرة، يمر بها المرء في حياته، لكنه يتعود على رؤيتها، ويتوطن معها نظرياً ونفسياً، فلا تعد مع مرور الوقت وتكرار المشهد، تثير فيه استجابة ذات معنى، او حتى تستدر شيئاً من مخبوء عاطفته، ذلك الذي يستثار عادة، في المواقف الإنسانية التي تهز الجوانح، وتخترق حجب الصمت.
* اتحدث عن حالة من واقع بائس مؤلم، فيه من الحزن والغم، مايكفي لجلب الهم، كل الهم. بل.. وحجب ابتسامة بريئة، تبث الدفء والسرور، وسط اسرة سعيدة، تخوض غمار حياتها بمثل هذا الباعث السحري على السعادة.
* هذه الحالة الواقع تمتد بجسدها الدموي العاري، على جغرافية مكانية واسعة، بين مدينتين جميلتين هما: «الطائف والباحة» وبنزف يومي يدمي القلوب، بين اكثر من ثلاثة ملايين نفس بشرية. خط اسود عجوز، يتلوي في ضيق وكسور وبثور، بين مرتفعات وسهول واشعب منذ اكثر من ثلاثين عاماً، لا تغيب شمس يوم، الا وقد حصد نفساً او اكثر من نفس، في حادث مروري مروع، يهدد حياة المعلمين والمعلمات، والمزارعين والرعاة.. ارتال من المسافرين بين منطقة الباحة ومحافظة الطائف، يسيرون على صفيح ساخن، يزداد سخونة يوماً بعد يوم.
ü هذا «الداب» الاسود، تحول على وصف استاذ شاعر، يمتطي صهوته مرتين يومياً منذ اكثر من خمسة عشر عاماً، الى سبورة مليئة بالخطوط والكتابات، التي يلجأ اليها رجال المرور في كل مرة، لتوصيف تخطيطي للحوادث المرورية التي تقع عليه، حتى كثرت الخطوط، وتعددت الرسوم، فلم تعد تلفت نظر المارة لكثرتها وتعددها، وهذه حالة اخرى اعيشها انا شخصيا، بوصفي من عابري هذا الطريق اعني عدم الانتباه لشكل السبورة حتى نبهني الاستاذ حمود بن محمد الذويبي شعراً لهذه المسألة، التي لكثرة تكرارها اصبحت غير ملفتة على خطورة ما تمثله من استهانة بحياة الناس.
وفي الاسبوع المروري الذي عشناه، او مانزال نعيشه، جاءت مساهمة الشاعر الذويبي، قصيدة تصور بفوتغرافية شعرية لطيفة وصادقة، الحال الذي هو عليها طريق الموت، او حبل الموت الذي يربط بين الطائف والباحة برباط مأسوي عنيف، لم تفلح في فكه زيارات وزير المواصلات المتكررة للمنطقة، ولا جهود الصحافة في نقل وقائع الحوادث اليومية، وجنائز الابناء والآباء والامهات والمعلمات، ولا الارقام المخيفة لعدد الضحايا، ولا حتى مئات الجرحى والمعوقين، الذين ترتفع اناتهم بين جنبات المستشفيات والمصحات في الطائف والباحة وغيرهما من المدن.
* الشعر هنا، يستحث الشعور عند وزير المواصلات، لعله يأتي مسرعاً، فيأخذ جولة و «دورة»..! على هذا الطريق، فيشاهد على الطبيعة، كيف تحول هذا «الخط» الاسود، الى سبورة يكتب عليها جنود المرور صباح مساء..! وان يزور الشواهد الحية من ضحاياه. من اولئك المصابين والمعاقين في مستشفى الملك فيصل، ومستشفى الرحاب، ومستشفى القوات المسلحة بالهدا، وغيرها من المشافي العامة والخاصة في الطائف والباحة، وان يرى بعينيه اللتين تألفان رسوم هذا الطريق بدون ادنى شك، كيف يسير العمل في توسعة عشرين كيلاً فقط بين الطائف وليه، سير السلحفاة منذ عشرين سنين، في حين ان مئات الكيلات، تنجز في غير هذا المكان في شهور قليلة، ولا بأس من اخذ صورة تذكارية..!
يراها الشعر «هنا».. ضرورية، مع المعاقين والمقعدين للذكرى.
* جاء اسبوع المرور هذا العام، ثم غادرنا مثل اسابيع مضت، وبقي على حاله القديمة، ثعبان الجنوب، او «طريق الموت» كما يسميه من له ثأر معه، وما اكثر اصحاب الثارات مع هذا الثعبان الذي لم يدع بيتاً او اسرة الا ولدغ فيها..! بقي هذا الطريق هنا.. سبورة سوداء، والجنود يكتبون عليه كل يوم «بالطبشورة»..! ماذا يكتب هؤلاء الجنود..؟ وماذا يرسمون على خط اسود متآكل بين الطائف والباحة..؟
* الجواب في الابيات التالية:

خط الجنوب اصبح كما «السبورة»..!

وكل جندي مستلم «طبشورة»..!

من اول الجندي ضعيف خطه

وكثر الحوادث خلته «فاغوره»..!

في كل يوم حادث شاهدته

وانا مداوم كل ما اشرق نوره

ياما وياما فالطريق الغابر

شاهدت في جاله «جثث».. مسطوره

خمسة عشر عام عليه مداوم

بين العمل والبيت فيه اخطوره

وكل عام لي زميل مفارق

فارق هذه الدنيا بدون شعوره

امه تصيح وزوجته تترمل

وفتات لحمه طاح «فالشرشوره»..!

واللي سلم من موت عاش معوق

اما الظهر ولا الرجل مكسوره

وحوادث «الأبلات» من يحصيها

في كل لفة شيله.. وتنوره

ضاع الحجاب وطاح مايسترها

شقت ملابسها وهي معذوره

الله ياخط الجنوب يهدك

في كل دار ايتمت لك غندوره

مانعترض على المقدر حنا

لكن هذا الخط زود جوره

وين «الوزير» ويا ترى يسمعنا

نبا «الوزير» ودنا بحضوره..؟

خط الجنوب المزوج ابطا عنا

«وامره» صدر كل سمع بصدوره..؟

حنا فرحنا يوم جانا المزوج

لكن طاح «بشركة» معسوره

من مدخل الطائف لوادي ليه

«عشر سنين» اللي مضت فاعبوره

راعي «الصحافة» ون كتبتوا عنا

واعلامنا عنا بعد مشكوره

بلغ سلامي للوزير وقله

خط الجنوب الطائف اقفل سوره

كون لجان من الوزارة واقبل

اقبل على الطائف وخذ لك دوره

استاذن الصحة وزور «الفيصل»

هذا و لا تنسى «رحاب» تزوره..!

وان كان مريت «الهدا» مستعجل

تكفى مع المرضى «اخذ لك صوره»..!

ومن بعدها حرك على «تايوتا»

حتى يتحمل خطنا ووعوره

وامسك طريق فيه صاح الصايح

ويا ما تكشف فيه من مستوره

وانظر لتخطيط الحوادث قبلك

خط الجنوب اصبح كما السبورة..!

* هذه استجابة لما طالب به الشاعر اهل الصحافة، استجابة تتفهم ماجاء في شعر احد ابناء جنوب الطائف، لانها من عمق التجربة، ولانها تأتي في اطار المشهد اليومي لطريق الجنوب.
لعل فيها مايبلغ عن واقع الحال المعاش اليوم.
* الا.. هل بلغت..؟
* اللهم فاشهد..

assahm2001@maktoob

fax:023761552

أعلـىالصفحة

رجوع